أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عبدالرحيم الاسدي - أنه الغد (قصة قصيرة )















المزيد.....

أنه الغد (قصة قصيرة )


عبدالله عبدالرحيم الاسدي

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


انه الغد
مركب المجتمع يرتفع بنا ويسمو ، المفكرون الذين تبنوا قضية الانسان اخذوا على عاتقهم العمل على رفعه ، يديرون بجد واصرار دفة ماكنة التطور التي مازالوا يعملون على تحديثها ، تتحرك المسننات ويرتفع المركب عن قاع الجهل والتخلف ، ونحن كل يوم في مستوى اعلى وارقى ، سماء جديدة ، وشمس مشرقة اكثر . مهما ارتفع مركبنا ، مهما ارتقينا في سماء التطور ، لم يخيفنا التطور يوما ، كنا مطمئنين ، رغم التحذيرات المرعبة التي تصل الينا من القاع ، لاننا على يقين ، ان من يمسكون دفة ماكنة التطور المربوطة على اطراف المركب باتقان وحكمة هم امناء ، اصحاب مبادئ ، اما الاخرون ـ مهما علت اصواتهم ـ فهم مجرد منظرين ، لايملكون القوة على ادارة الدفة المجهدة .
كانت عيناي لاتلتفت الى غيره ، وكانه الوحيد امامي من بين المفكرين الذين مازالوا يعملون ليلا ونهارا ، يديرون بجهد كبير ماكنتهم دون ملل ، العرق يتصبب من اجسادهم على روؤسنا ويصل ادمغتنا .
كنت اراقبه بحنان واعجاب وفخر ايضا ، لااعتقد ان ذلك بسبب تميزه او اتفاقه مع اتجاهاتي الفكرية فقط ، بل ربما لانه من ابناء جلدتي ، من بلدي ، اراقبه وهو ينمو بين المفكرين والمصلحين الى ان اصبح احد كباراتهم المشهورين ، المشار اليهم بالبنان والذين يشغلون حيزا كبيرا وثقلا في عملية النهوض .
عندما حان يوم انتقاله من هذا المركب الى مركب اخر اكبر منه كما يقولون ، انسلخ من جبته الخاصة بمركبنا الصغير وانتزع فكره منه ولملمه وتركه لنا ورحل ، لم يلتفت احد نحوه وهو يرحل ، الانظار كلها اتجهت نحو فكره المعطاء ، تركوا جبته على سطح المركب لانها لم تعد ذات قيمة ، رفعوا فكره واجلسوه قرب مكانه السابق مع مجموعة من فكر السابقين الذين رحلوا عن مركبنا .
فكره بدأ يعمل ويعمل وربما اصبح ينتج ويبدع اكثر منه قبل رحيله ، حقا انه فكر معطاء ، الكل في مركب المجتمع مهتم به كثيرا ، يبجلونه ويجلونه ، وبين فترة واخرى تراهم يحتفون به ويكرمونه قائلين
- انه فكر خالد لايموت ، تكريمنا له لايتناسب وعطائه الفياض
وبعضهم بالغ في تبجيله واحترامه
- لو قلبت صفحات التاريخ كلها لم تجد فيها فكرا واحدا شغل حيزا يعادل ذلك الذي شغله، لقد فاق فكر افلاطون وارسطوا!
مركب المجتمع يرتفع ، المفكرون يعملون بجد ، فكره العظيم يجل ويحترم ، وانا انظر وانتظر ، لااحد يذكره هو ، يسأل عنه ، اين هو الان ؟ يفكر به ، يحاول ان يكرمه ويرد جزء من فضله ، هذا المفكر الذي قضى ايامه معنا خادما لنا ، كم انهكته دفة ماكنة التطور ، وهو يديرها ، وهو يحاول تحديثها ، وحتى بعد رحيله عنا ، ترك لنا فكره الذي ما زال في خدمتنا ، كيف نسينا فضله ، انكرنا جميله .
عندما صرخت برؤسهم
- كيف نسيتم فضله ، انكرتم جميله .
اصابتهم الدهشة والاستغراب ، اوقفوا الحفل الذي كان يقام لتكريم فكره المعطاء ، ضحكوا علي بسخرية كان مفادها والذي لم ادركه في بادئ الامر هو انهم كانوا يعتقدون بان فقيدهم لم ينتزع فكره وانما هو نفسه تحول الى فكر ، يبدو انهم لم يدركوا ان هذا الذي يحتفون به الان شئ اخر ، ولم يكن سبب عدم ادراكهم ان الصورة كانت غير واضحة لهم وانما كانوا رغم وضوحها غير ملتفتين لها . لذلك حينما انتبهوا توقفوا عن الضحك علي واجابني احدهم ولكن بلهجة من يتفوه بالبديهيات
- يجب ان تعلم ان هذا المفكر الكبير ، ذو العقل النير والفكر الخلاب ، الذي مازال يرتفع بمركبنا في سماء التطور ، لابد وانه ملتفت الى مانلتفت له نحن البسطاء ، ملتفت الى اصلاح المركب الكبير الذي لابد من الانتقال اليه والمكوث فوقه ابدا . اعتقد ان اهل المركب الاخر فرحون به كثيرا الان ، انه نعمة كبيرة نزلت عليهم ، هاهو اتخيله امامي الان وهو يمسك بالدفة العملاقة ويرتفع بهم الى الاعلى ، الى الاعلى ، كم هم فرحين به......
عندما عادوا لاكمال الاحتفالية ، بدأت ابحث وحدي عن طريقة للاتصال به ، والاطمئنان عليه ، اكراما ووفاءا له ، غصت بين العقول فقط فلم اجد من يساعدني الا بعد ان غصت بين العقول والقلوب ، اهتديت الى احد العلماء المختصين بالاتصال بالمركب الاخر ، اتصل بواسطة هاتف كان يحتفظ به في قلبه السليم وهو يتمتم بكلمات اجاب بها نظراتي الحائرة
- ان كل القلوب تحتوي على هذا الهاتف ، لكن عندما يتعطل القلب وان سلم العقل يتعطل معه الهاتف
اتفق مع احد الموظفين هناك ، وحدد موعدا للقاء بنا . ذهبنا نحن الاثنين ، كنت متوترا لكني لم اضجر من كلامه الذي لم ينقطع طول الطريق
- لاتقلق ، انه الان في مركبه الخاص ، الذي هيئه واصلحه قبل ان يرحل ، نعم ، كل منا له مركبه الخاص به ، مركبه الجميل المتطور ، أه مااروع ان يرى الانسان مكانه الابدي ، انه الغد ، يجب ان لانغفل عنه . احيانا ارى بعض المشاهد من غدي ، اتصورها احلم بها ، فاغفل عن الدفة ، لااخفيك سرا كاد المركب ان يسقط ويتحطم لولا الاخرين ، نعم ، صدقني الامر صعب جدا ، لكن البعض يستخدمون الية دقيقة ، يربطون بها دفة الغد بدفة مركبنا الصغير ......
وصلنا في الموعد المحدد ، استقبلنا موظف العلاقات العامة هناك ، قلت له بتوسل
- جئنا لزيارة المفكر الكبير ، الاسم اللامع ، العالم الشهير ، المصلح ، الفيلسوف
بينما كنت القي الالقاب على الالقاب ، كان يفتش في سجلات متشابهة تحوي جميع اسماء سكان المركب الكبير ، تعجبت كثيرا عندما لم يجد له اثر وراح يبحث عنه في السجل الذي يحوي اسماء الذين يعيشون في الخرابات بانتظار المحاكمة ، ولم اصدق كلامه حين قرا اسمه وهو يهز راسه لوما له وحرقة عليه
- اعجب لهذه العقول الكبيرة كيف تحجم على قدر المركب الصغير والايام القليلة ، لقد قضى وقته كله وهو يصلح مركبكم الصغير ولم يلتفت لحظة الى مركبه الاخر ، الخاص به ، الذي لايصلحه غيره ، حتى تحول الى خرابة موحشة ، سوف يحاكم وتهمته انه خرب مركبه الذي كان عامرا
قاطعته بالم وانكسار
- ولكنه كان ملتهي عن نفسه بخدمة غيره ، وصفة الايثار هذه من اوضح صور الجمال ، فكيف لم يعينه ذلك هنا وعالمكم هذا هو عالم الجمال والكمال . وماذا عن انسانيته الكبيرة التي تفجرت منه على شكل خدمات هائلة للبشرية اليس من المفروض ان تتجسد الى ايدي عملاقة عاملة خادمة في مركبه الخاص وان كان غافلا عنه .
لقد قضى ايامه وهو يرتفع عن عناصر القبح من الجهل والتخلف عبر سماء التطور والجمال ، وعالمكم هو عالم الجمال ، الا يعينه ذلك ؟ لقد ملأ قلوبنا حبا له واعجابا وتقديرا واحتراما ، اليس عالمكم هذا هو عالم الحب ؟
فان كان عالمكم هذا حقا قد وجد لانصاف الانسانية اليس هو من تفجر الى انسانية ورحمة بالاخرين ؟
اقسم لكم لو تركتموه الان يعمل لاصلح جميع الخرابات التي حوله ونسي ان يصلح خرابته ...............
يبدو ان لكلمات الحب هناك اثرا كبيرا ، لذلك عندما نثرتها تلونت بها الجدران وكل شي . طلب مني موظف العلاقات وهو يريق دموعه مع الكلمات ان اكتب عريضة توسل موقعة من قبل جميع محبيه لعلها تفيده ، اما صاحبي المختص ، فقد وضع الهاتف جانبا وجلس على مقعد موظف الحسابات واخرج من جيبه حاسبة دقيقة وبدأ يحسب بحذر ودقة واحتياط ، بعدها اطلق على قلبي النتيجة
- مادام غير ملتفت للعالم الاخر لايفيده شئ ابدا
التفت نحو مركبنا الصغير وعيوني تنزف الما وحرقة ، ناديتهم باسم الحب فاجابني كل من كان يبغض الجهل والتخلف ، التحقوا بي ، خرجنا في مضاهرة كبيرة عارمة ، حملنا فيها شعارات التوسل والدعاء والاستجارة ، مخطوطة بدموع الحب ، اجتمع موظفوا شعبة الحسابات ومن ضمنهم صاحبي المختص الجليل لتفريق جمعنا ، اما موظفوا شعبة العلاقات فقد انشغلوا بامطار الرحمة التي بدأت تهطل بغزارة ، صرخات الحب والوفاء تملا الارجاء لعلها تصلح ماوقع به المصلح .
في تلك اللحظة رأيت امامي ذلك الذي كان يسخر من الفيلسوف الذي يسير في الطريق محلقا بعينيه في السماء فيسقط في اول حفرة تصادفه على الارض ، رأيته هناك في المركب الاخر وهو يسخر من الفيلسوف الذي يسير في الطريق محدقا بعينيه في هذا المركب فيسقط في اول حفرة تصادفه على المركب الاخر .



#عبدالله_عبدالرحيم_الاسدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القلم (قصة قصيرة )
- درب الوئام (قصة قصيرة )
- هوجر وديامس (قصة قصيرة)
- اللاعنف (قصة قصيرة)
- محاكمة داخل الانا (قصة قصيرة)


المزيد.....




- وفاة الممثل الأمريكي فال كيلمر عن عمر يناهز 65 عاماً
- فيلم -نجوم الساحل-.. محاولة ضعيفة لاستنساخ -الحريفة-
- تصوير 4 أفلام عن أعضاء فرقة The Beatles البريطانية الشهيرة ...
- ياسمين صبري توقف مقاضاة محمد رمضان وتقبل اعتذاره
- ثبت تردد قناة MBC دراما مصر الان.. أحلى أفلام ومسلسلات عيد ا ...
- لمحبي الأفلام المصرية..ثبت تردد قناة روتانا سينما على النايل ...
- ظهور بيت أبيض جديد في الولايات المتحدة (صور)
- رحيل الممثل الأمريكي فال كيلمر المعروف بأدواره في -توب غن- و ...
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عبدالرحيم الاسدي - أنه الغد (قصة قصيرة )