غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4379 - 2014 / 2 / 28 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مـحـاولـة تــفــســيــر.. لأصدقائي الغاضبين
يلومني العديد من اصدقائي, وحتى بلغ عدد منهم حـد المقاطعة والغضب والمحاربة... بسبب كتاباتي ضد الإسـلام السياسي.. وكلمة الإسلام السياسي يمكن أن تكون كلمة مختصرة.. أو كتابات ومحاضرات واسعة يمكن التحدث عنها ســاعات وساعات. وهذا الخلاف مع الإسـلام السياسي يعود إلى أيام نشاطي الحزبي في سوريا في بداية شبابي.. والتزامي كليا بالفكرة القومية السورية.. وكنت من أصغر المنتسبين لهذه الفكرة ســنــا... وكنت من المتخصصين بمناقشة الشباب الملتزمين مع حزب أو جماعة الأخوان المسلمين... والذي كان دوما يعتبر من أنشط الأحزاب... ولكن نقاشاتنا غالبا لم تكن سهلة أو هادئة أو فلسفية.. وكانت غالبا تنتهي بمخافر الشرطة.. حيث تعرفت فتى يافعا على ما درج فيما كان من موروثات الحضارة العثمانية.. وأصبح عادة ســورية طبيعية عادية.. دخلت بجميع أنظمة المخافر والمراكز الأمنية السورية.. الــفــلــقــة..........
منذ بداية فتوتي لم اتفق مع أي من الأديان.. حتى مع الذي ولدت فيه دون اختيار.. إذا أن والدتي أصرت على التحاقي بالمدارس الرهبانية.. مما زاد ابتعادي عن الأديان وقناعتي أنها نواة جينات جميع اختلافاتنا القومية... وأنه يجب التخلص من سيطرتها على حرية فكرنا.. حتى نصل إلى حريتنا الشخصية.. وأن يتكاثر يوما عن يوم في بلدنا من يتحررون من هذه السيطرة.. لنبني وطنا حـرا وقومية صحيحة.. بعيدة عن الطائفية والعشائرية والقبلية والإثنية.. والتي ما زالت تسرطن أفكارنا وعقولنا ومجتمعنا وعاداتنا الانحدارية...
لم أهاجم أي يوم أي دين كفكر وإيمان شخصي.. فهذا جزء محتوم من حرية الفكر والمعتقد. ولكنني لا أقبل التطبيقات الدينية التي لا تسمح للإنسان أن يمتلك حرية القبول أو الرفض أو التحليل بكل حرية.. بلا قيود. ولا أقبل على الاطلاق ان يوعظ ويفتي ويبشر انصار دين أنهم أفضل أمة عند الله... وخاصة عندما تكون هذه الأمة مكونة من آلاف السنين من عشرات الإثنيات والأديان... وهذا ما لاقينا نتائجه الفظيعة المرعبة الرهيبة بالانفجارات والتغييرات التي أثارها محركو كراكوزات الربيع العربي.. حتى ينفذوا مخططات أسيادهم في واشنطن وحلف الناتو.. مثيرين النعرات والأحقاد الطائفية المكبوتة... فانتشر الموت والتقتيل.. ورأينا ما رأينا على الأرض من مــآس غير إنسانية.. ما زالت قائمة... وما من مراقب واع يعرف متى سوف تـنـتـهـي...........
لهذا السبب كان وما زال عدائي الفكري للإســلام السياسي, عميقا منذ بدايات شبابي وتفكيري وتحليلي والتزاماتي الاجتماعية والسياسية... وحتى منذ وجودي في أوروبا من زمن طويل.. ومتابعتي لدراسات سياسية والتزامات ناضجة, كانت تقودني.. أو بالأحرى تشدد تمسكي بالعلمانية.. وغالبا تثبت قناعتي بالعلمانية الراديكالية.. والتي لا يقبلها الإسـلام السياسي والجهادي الذي نرى تحركاته تتسلل إلى أوروبا عبر أموال طائلة قطرية وسعودية وخليجية.. وأحيانا عبر منظمات تركية أو باكستانية.. ومنها ما يجتذب بالأموال المتفقة العديد من الشباب الأوربيين العاطلين عن العمل الذين يدخلهم بالإسلام التكفيري, ويرسلهم للجهاد في أفغانستان والعراق وسوريا... ولم يرسلوا مرة واحدة أي واحد منهم لفلسطين.
الإســلام السياسي خطر على الفكر والسياسة.. لأنه لا يقبل الآخر.. ولو كان مسلما حر الفكر.. لأنه يلتزم بالطاعة العمياء التي تجمد كل فكر وتحليل.. ولا تترك أي مجال بسيط لأي فكر شخصي أو حرية شخصية باختيار المعتقد أو اللامعتقد.. والذي تعتبره كفرا.. والكافر يقتل شـرعا.
إذن لهذا السبب وحده, يكفيني حتى لا أقبل الإسلام السياسي, مهما كان نوعه معتدلا.. كما تحاول واشنطن تلميعه.. أو متطرفا.. بديلا للحكم أو أي حكم في سوريا أو غير سوريا... لأنني بعدما واكبت وراقبت ودرست وناقشت هذا التيار.. إني على قناعة شخصية أنه لا يوجد أي إســلام سياسي معتدل.. إلا من يقبل منهم بوضوح وقوة وصراحة التخلي عن الشريعة الإسلامية, كقانون ودستور.. وفصل الدين عن الدولة.. حينها أقبل نعت المعتدل. إذ لا يمكن لجميع البلاد العربية أن تصل إلى بناء أنظمة ديمقراطية تعددية حقيقية, طالما تستقي دساتيرها من الشريعة الإسلامية. وطالما أنها لا تمارس الديمقراطية واحترام حرية الرأي والتعبير والفكر واختيار المعتقد.. لن يمكنها أن تقود شعوبها إلى أي تطور حضاري حقيقي, يسعى لتأمين حرية المواطن الفردية وتأمين أمنه وحياته ومعيشته واختيار آماله ومستقبله.
الإسلام السياسي اليوم, وصل إلى مرحلة الإرهاب النهائية.. وكان دوما يعيش مع ومن الإرهاب.. وأصبح اليوم من أخطر أسلحة الدمار الشامل, والذي من واجب أحرار العالم كله تحليله وتفهم أخطاره ومداواة هذه الأخطار ضد الإنسانية بكاملها.. بكافة السبل... كما يجب ألا يغيب عنا أن الدول الاستعمارية الغربية هي التي خلقت جماعة الأخوان المسلمين في بدايات القرن الماضي... وأن الأسرة الوهابية هي التي خلقت الإسلام الوهابي التكفيري... وعلاقة الاثنين وارتباطاتها المخبوءة مع الصهيونية العالمية, تعود إلى ما قبل تأسيس دولة إسرائيل... ولم تعد من الأضابير الخفية حتى على أبسط المحللين التاريخيين والسياسيين.
لا أطلب أية مراضاة أو تسامح من أصدقائي الذين غضبوا من كتاباتي.. إنما أطلب منهم, وهم غالبا من نخبة المثقفين.. وأحيانا لهم ماض نقي بالسياسة السورية والعربية المحلية.. أن ينظروا إلى واقع الشرق الأوسط والعالم العربي والعالم الإســلامي.. وعن تطورات الأمور.. وما أصابنا من فظائع وخراب وجمود وتشتيت ومصائب.. ًصــحــيــح أن حكامنا.. جميع حكامنا (قشة لفة) شــاركوا دفاعا عن عربشات بكراسيهم, أو إهمال وغباء أو عن مسايرة لهذه المنظمات الإسلامية التي تــآمــرت وانقلبت عليهم... ووصلنا اليوم لهذه الحالة المزرية من تفجير البلد وتفتيته. دون أن يغيب إطلاقا عن أنظارنا أن هؤلاء المحاربين الإسلامويين الذين يأتون من كل أصقاع المعمورة ومن عشرات الجنسية الأوروبية والعربية رافعين الأعلام السوداء والتسميات الجهادية التكفيرية المختلفة, لا يمكن لنا أن نوكلهم بالدفاع عن حرياتنا... وخاصة بعد أن سمعنا خطاباتهم ورأينا فظائعهم اللاإنسانية على الأرض... كما لا يمكنني شخصيا قبول تغيير ديكتاتوريات فردية, بديكتاتورية إســلامية تحرق الأخضر واليابس, وكل أمل بأية حــريــة إنسانية.. لاغية كل مظاهر الفن والابداع وحرية الفكر.. وخاصة خنق كل ما يتعلق بحقوق المرأة ودورها في المجتمع.. وتدنية قيمتها بأقل من ماعزة.
مما لا شـك فيه, ولا يمكننا النكران, سلالات الزعماء والسياسيين والملوك والأمراء الذين تواردوا على إدارة أمورنا, لم يسعوا على الاطلاق من تغيير بيئتنا الحاضنة لهؤلاء الإسلامويين, وتنظيفها وتطويرها وتحضيرها.. بالعكس كانوا يظنون أن سيطرة الغباء والفقر الاجتماعي, تمنع تــمــرد رعاياهم عليهم... وراينا مع مزيد الحزن والأسى والأسف كيف انقلب السحر على الساحر.. واستطاعت القوى الاستعمارية التي حركت ما سمي ألف مرة الربيع العربي, استغلال هذه القوى الظلامية, وتفجير بلادنا وآمالنا واستقرارنا... ومئات آلاف القتلى وملايين المنكوبين والمشردين... وخنق كل آمالنا بــغــد أفضل!!!.......
كما أنني أرى أن تمسك الحكومة الإسرائيلية بيهودية دولة إســرائيل اليوم دون قيد أو شرط, يتوازى كليا مع هذه الأحزاب والفرق والمؤسسات السياسية الإسلامية التي تريد فرض الشريعة الإسلامية في البلاد العربية, والتي تخلط عن عمد أو غباء بين العروبة اللغوية والإسلام.. وخاصة في بلاد انتشرت فيها عدة أديان قبل الفتح الإسلامي لها...فتصوروا مثلا لو أن فرنسا تفرض المذهب الكاثوليكي على جميع مواطنيها. أو شـريعة منبثقة من الكاثوليكية.. لانقلبت وتفجرت فـرنـسـا رأسا على عقب. ومن حسنات الدستور الفرنسي أنه فصل الدين عن الدولة, مطبقا دستورا علمانيا, على جميع المواطنين ومن يعيشون ويعملون على أرض فرنسا.. رغم بعض المناورات من وقت لآخر من بعض الجاليات (الإســلامــيــة) التي تحاول إيجاد ثغرات بهذا الدستور القائم منذ سنة 1905 حتى تمرر بعض عاداتها وطقوسها... ومن وقت لآخر تبدي هذه الجهات العديد من الوسائل بواسطة أشهر وأغلى المحامين الفرنسيين.. لخلق ثغرات أو تحديات لدستور الأكثرية الذي تصر عليه جميع الأحزاب اليسارية واليمينية وحتى اليمينية المتطرفة.. للمحافظة على مبادئ علمانية 1905.. مما قد يؤدي مستقبلا.. كما حدث عدة مرات خلال العشرين سنة الأخيرة, اصطدامات مفتعلة بين هذه الجاليات وسكان البلد الأصليين... أحداث عنصرية الاتجاه.. يخشى تكرارها بكل أوروبا.. وخــاصــة بعد دخول العديد من دول أوروبا الشرقية بالاتحاد الأوروبي.. الذي أيقظ عنصريات العديد من الأحزاب الفاشية المتطرفة.
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي وصداقتي ومحبتي وولائي واحترامي... وأصدق تحية مهذبة.
غـسـان صــابــور ــــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟