حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1244 - 2005 / 6 / 30 - 14:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفصل بالفأس بين الديمقراطية وثقافة الليبرالية
مدخل جانبي:
هل اليسار الديمقراطي وهم أم إمكانية فعلية؟
وضعنا أساتذة الأيديولوجيا طويلا أما سؤال مربك ومدمّر: أيهما تختار العدالة الاجتماعية أم الحريات الفردية ؟ وما تزال الكثير من الأسر والعائلات في بلادنا تجلد الأطفال المساكين بالسؤال المشابه: أيهما تحب أكثر أمك أم أبوك؟
ينصح المربون وعلماء النفس والمرشدون الاجتماعيون بتجنب السؤال العقوبة, الذي يقتضي تفضيل أحد الأبوين على الآخر. أظن بالمثل تأخرنا بالخروج من المفاضلة البائسة بين الحرية أو العدالة.
يحول دون الفرد في بلادنا والحق الأول والأبسط" حق الكلام والتعبير والتفكير" جبال وأسوار من المعيقات والحراس الحجريين, وتشترك بهذا التحريم السلطات المختلفة الدينية والأخلاقية والسياسية. أعتقد أن الجدل المثار حول التفريق بين الديمقراطية والليبرالية, جدل بيزنطي لا يختلف عن فكر وممارسة فقهاء القرون الوسطى, عندما يكون البلد المضيف سوريا أو السعودية أو ليبيا أو مصر أو العراق ..., ويكون حوارا ثقافيا لو كان البلد المضيف فرنسا أو ألمانيا أو قبرص أو حتى لبنان, وقد يتحول إلى حوار معرفي بالفعل.
*
اللا أعرف درجة متقدمة في الوعي:
في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي, حضرت العديد من الندوات والمحاضرات حول الديمقراطية وهي جميعا برعاية الدولة, كان المحاضر أو الكاتب(من صنف المفكر القومي أو اليساري) يبدأ من اليونان القديمة ويعرّج على المسيحية والإسلام مرورا بالعهد الاستعماري , ولا يصل إلى الآن وهنا , في رحلة شاقة ومملة, يذكر في منعطفاتها العديد من الأسماء والعناوين المجهولة بمعظمها, وتنتهي بنتيجة واحدة بالنسبة لي على الأقل, وأظن أغلب المتلقين كانوا يشاطروني النتيجة: الديمقراطية مفهوم عويص ومعقد يتعذر فهمه إلا للقلّة المتبحّرة في المعارف والعلوم أمثال السيد المحاضر(أستاذ, دكتور, مفكر...) . استمريت في جلسات التعذيب تلك لأكثر من عقد من الزمن. فأنا كنت من جهة أرغب بالوصول إلى مرتبة المثقف وعلى استعداد لبذل الجهد وتحمّل الضجر لبلوغ تلك الدرجة المرموقة, ومن جهة أخرى أشعر حقيقة بالمراوغة والادعاء والتعالي الصريح التي يمارسها ذلك العارف على الحضور أو القراء أو المشاهدين. ذلك الحال المضني استمر حتى منتصف التسعينات, بعد دخول الفضائيات والصحف الجديدة والأنترنيت تغير الوضع قليلا, صرت اقرأ وأستمع لشخصيات تتحدث بلغة سهلة وواضحة ويمكن فهمها بالقليل من الانتباه والتروي. لكن ذلك الصنف الثمانيني ما زال هو الحاضر بكثرة بصوته العالي ويقينه وقبل ذلك تعاليه وادعائه المضمرين , مع دخول بعض التعبيرات الجديدة مثل أعتقد أو ربما أو يمكن..., لكن ذلك الخطاب العام والعائم ما زال يشكل الرسمي والسائد والمهيمن وقد بدأ بالزحف إلى موقع الحوار الليبرالي الناشئ , بنفس الأدوات والمنطق والموقف من الذات والآخر, ليعزز ويكرس الديماغوجيا القديمة المتجددة بخبرات وأدوات وتعابير, تمتلك سحر البلاغة وغواية الأيديولوجيا, ,وتعرض عن البعد المعرفي الهزيل والضامر أصلا في الثقافة والأدب العربيين.
*
يمكن تمييز الملامح الأساسية لذلك الخطاب عبر ثلاث عناصر: أ- المتكلم أو الكاتب متعالي على الزمان والمكان, موقعه خارج التحديد وعصيّ على التعيين, فهو ينتمي إلى سلالة الأنبياء والعرافين , ولا يكترث للتفاصيل التافهة كالأفراد والأحداث وحتى الدول, لكنه على العكس دوما فيما يخص شؤون حياته الفردية, فهو متملّك ومتسلط واستحواذي وشره للسلطة والمال والمتع, وأظن جميعنا يعرف هذا النموذج عن قرب, ويعرف حالة الفصام الكامل التي يعيش فيها, هوسه الدائم بأدقّ تفاصيل حياته الشخصية على النقيض من ممارسته للثقافة والشأن العام وكل ما يخص الآخر القريب أو البعيد. ب- المتلقي أو القارئ لهذا الخطاب هو جمهور وجماعة منصهرة من أل نحن أو أل هم, ما زال القارئ في هذا الخطاب تابعا وخارجيا , ولم يصل بعد إلى درجة الفردية أو القارئ الموازي والمكافئ للكاتب, ويستمر الخلط بين الفردية والأنانية, مع استمرار دور القارئ السلبي الذي يحتاج للوعظ والتلقين بدلا عن الحوار المعلّق فعلا من قبل السلطات المختلفة الدينية والسياسية والأخلاقية. ج- لغة الخطاب إنشائية تستخدم البلاغة والتعميم بإفراط بحيث يتعذر استخلاص خبرة أو معرفة, وهذه ما أعتقد تمثل جناية الأدب ومؤسسات الثقافة على الحياة والتفكير في بلادنا السحرية.
*
الثقافة الليبرالية ونظم الحكم الديمقراطي, متلازمات في الاقتصاد والسياسة ويتعذر التفريق بينها, على الطرف المقابل لثقافة الاستبداد ونظم الحكم التسلطي, التي هي كذلك متلازمات في الاقتصاد والسياسة ويتعذر التفريق بينها.
سأحاول باختصار شديد الإجابة على سؤالين:
1- ما هو المشترك بين نظم الحكم التسلطي, والتي تنشر ثقافة وفكر الاستبداد وترتبط معها عضويا؟
والسؤال المرادف, ما هو المشترك بين نظم الحكم الديمقراطي, والذي يترافق مع ثقافة التعدد والتسامح والحريات الفردية؟ وهل الشرط بينهما لازم وكاف ويقبل العكس؟
*
الفرد الإنساني بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه وعرقه وثقافته, يستخدم اليوم بسهولة جميع منجزات العلم والحضارة الحديثة, من السيارة والطائرة إلى الأنترنيت والهاتف المحمول, دون أن يسأله أحد( باستثناء بعض الإمارات الإسلامية والجماهيريات الثورية وفي بلادنا حصرا) عن جدارته بذلك, أو يضعه في اختبارات السياسة والأخلاق والولاء والطاعة, ليستحق مكرمة السلطات والفقهاء,استخدام سيارة واتصال بالأنترنيت. وبنفس الوقت وبشكل مثير للاشمئزاز من قبل البعض ومثير للشفقة من قبل البعض الآخر , يمنع عنه الحق المرافق: حريته بجسده وفكره وكلامه وعمله, بدعاوى متماثلة في المضمون وإن اختلفت بالشكل:الغيرة عليه وعليها ولحمايتهم وحصانتهم من تأثيرات الأعداء والطامعين . هذا الموضوع قد يشتت سياق المقالة, فأكتفي بالقول بالصراحة والوضوح التي أقدر عليها: الديمقراطية وحقوق الإنسان كما نصّ عليها الإعلان العالمي منذ ستين عاما, لا تستثني العرب والمسلمين, وهي غير قابلة للانتقاص, بنفس الوقت هي وجه العملة الآخر لثورة الاتصالات والمعلومات, ولا يفرّق بينها سوى مغفّل أو مخادع.
*
* المشترك بين نظم الحكم التسلطية( دينية أم قومية أم يسارية): تمركز السلطة, وقابليتها للتوريث المباشر, وارتفاع الحكام فوق القانون, وخروج المحكومين عن مظلة القانون الحامية نظريا, تبعية الاقتصاد والسياسة والثقافة وحتى الأخلاق لشخص الحاكم وأهله وبطانته. في ثقافة الاستبداد تستبدل الحرية والحق بالممنوع والواجب, حتى حق الكلام والتعبير والتفكير التي هي أبسط الحقوق وأكثرها شكلانية غير معترف بها, بل يصل الأمر إلى إجبار الفرد بالترهيب أو الترغيب على التعبير عكس ما يعتقد أو يعرف أو يظن أو يشعر.
* المشترك بين أنظمة الحكم الديمقراطية: تعدد السلطات والفصل بينها(حكومة, معارضة, قضاء, إعلام, تعليم, مراكز أبحاث,...), التداول السلمي للسلطة ,والقانون فوق الجميع نظريا, وعمليا حق الكلام والتعبير مع حق الحياة مصانة ومحفوظة للمختلف, بعدما انقرض صنف الكافر أو الخائن من الدول المتحضرة والشرعية.
في الثقافة الليبرالية الحرية والحق هما المبدأ والأساس ويشتق عنهما الالتزام والواجب , ومن تلك العناصر الفعلية القابلة للقياس والتجربة تتحقق دولة القانون حيث الدين لله والوطن للجميع.
كما يوجد مشترك أساسي بين نظم الاستبداد, توجد كذلك عناصر اختلاف لا شك بذلك, لكنها دوما في مرتبة الثانوي واللاحق . كما يمكن مقابلة نظم الاستبداد على التضاد من نظم الليبرالية , عنصر بعنصر, وفكرة بفكرة, وممارسة بممارسة, بالضبط كما يمكن مقارنة الجمل بالسيارة.
الحكم التسلطي وثقافة الاستبداد توأم سيامي يشتركان بالرأس والدماغ.
بالمثل الحكم الديمقراطي وثقافة الليبرالية توأم سيامي يشتركان بالرأس والدماغ.
ومن يحاول الفصل بين هكذا توائم بالفأس أم بالمشرط, يكرر نفس الممارسة التي تحاول الفصل بين الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين ثورة الاتصالات والمعلومات الكونية.
اللاذقية- حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟