فؤاد الشمالى.. شيوعى لبنانى من مصر

رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 15:41
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    

مع بداية القرن العشرين كانت مصرعلى موعد مع "محمد على باشا" ليبدأ فى إستنفار قواها وبناء دولة عصرية حديثة، وقد إستطاع ذلك الرجل صاحب العقلية الإستراتيجية ( قال عنه ماركس: إن تحت عمامته رأس حقيقى) أن ينهض بمصر الى مصاف الدول العظمى فى حينها فى أقل من أربعة عقود وذلك من خلال خطة بدأها باستقدام خبراء أوروبيين فى مختلف المجالات ( التسليح والطب والزراعة والمعمار وغيرها)، وقام بإرسال طلاب من الفلاحين المصريين الدارسين فى الأزهر الى أكثر من دولة أوروبية لتحصيل العلوم والمعارف، وإستطاع فى تلك المدة الوجيزة من عمر الشعوب أن يشيّد دولة عصرية حديثة تمتد من السودان لمرتفعات طوروس، وإستمرت عملية التحديث بعد رحيله بوتائر مختلفة، وحقق عصر إسماعيل قفزة نوعية فى هذا الشأن، ومع تقدم النهضة أصبحت مصر محط الطامحين وتدفقت الهجرات من الشرق والغرب ولكن كان للمسيحيين القادمين من الشام طعم مختلف.
أحصى " جون بارنج" فى 1840 عدد 5 الالاف مهاجر مسيحى الى مصر كان نصفهم من الموارنة، ومع بداية القرن العشرن فاقت أعداد المهاجرين الشوام الى مصر 100 ألف عمل أغلبهم بالتجارة والصناعات الحرفية كالطباعة والطب والمحاماه وإقامة الفبارك الصغيرة وإنشاء المدارس والصحف فأصدر سليم وبشارة تكلا "الأهرام" فى 1876 وأسس يعقوب صرّوف "المقتطف" فى 1885 وأصدر يعقوب وصروف نجم "المقطم" فى 1889 وسليم نقاش "المحروسة" ومحمد رشيد رضا "المنار" وجورجى زيدان "الهلال" وعشرات غيرها من الصحف والمجلات، وبرز منهم أدباء وفنانين كخليل مطران ومى زيادة وعائلة البستانى ويوسف معلوف وجورج شحادة وأندريه شديد وفرح أنطون وألبير قصيرى وأمين معلوف ومئات غيرهم، ومع بداية القرن العشرين قدمت الى مصر أسرة "الشمالى" من لبنان بصحبة إبنهم الصغير "فؤاد".
أدت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) الى أزمة إقتصادية حادة فى مصر، وزادت حدة القمع والإستغلال للعمال والكساد الإقتصادى وتفاقم البطالة الى تراجع حاد فى الحركة العمالية حيث إنخفض عدد الإضرابات وتقلصت عضوية النقابات، وفى المقابل إنتعشت الرأسمالية المصرية الحديثة النشأة نتيجة إنقطاع طرق التجارة وتراجع الواردات من السلع، وبمجرد إنتهاء الحرب بدأت موجة عالية من الإضرابات العمالية والإعتصامات شكلت تمهيدا لثورة 1919، وتبلور إتجاه سياسى إشتراكى واضح حيث تشكل " الإتحاد العام للعمل" فى فبراير 1921 من عدد من النقابات العمالية الناشئه وبعضوية بلغت 3000 عامل إرتفعت فى مدى محدود الى 20 ألف عامل، وبعد أقل من ستة أشهر تم تأسيس " الحزب الإشتراكى المصرى" نتيجة للقاء بين مجموعة من المثقفين الليبراليين ذوى الرؤية الإجتماعية والفكر الإشتراكى على رأسهم سلامة موسى وعبد الله عنان وعلى العنانى وعزيز ميرهم ومجموعة أخرى من المناضلين الحركيين يتقدمهم جوزيف روزنتال ومارون أنطون وفؤاد الشمالى، وبعد صراع قصير تحول الحزب الإشتراكى الى الحزب الشيوعى وإكتسب عضوية الكومنترن.
ولد فؤاد الشمالى عام 1894 بقرية السهيلة بمنطقة كسروان فى جبل لبنان وتلقى دراسته الاولى فى مدينة "بيسان" بفلسطين حيث كان يعمل والده، وبعد رحيل الوالد قررت الأسرة الإنتقال الى مصر حيث أكمل دراسته، ولكنه اضطر للعمل بسبب الظروف الإقتصادية للأسرة وعمره 16 عاما (1910) فى مصنع للتبغ بالأسكندرية، وانضم الى نقابة عمال التبغ المشكلة حديثا وسرعان ما أصبح رئيس تلك النقابة وساهم بشكل فعال فى تأسيس أول إتحاد للعمال المصريين وفى تأسيس الحزب الشيوعى المصرى ولعب فيه دور نضالى متميز فقام الإنجليز بطرده من مصر، وسافر الشمالى الى لبنان عام 1923حاملا معه تجربته السياسية والنضالية فى مصر وحلم جارف بتأسيس منظمة شيوعية، وبمجرد وصوله أسس " النقابة العامة لعمال التبغ" وبمشاركة رفيق نضاله "يوسف ابراهيم يزبك" قام بتأسيس "حزب الشعب" كواجهه للعمل الشيوعى، بعدها بقليل إنتقى وصديقه 12 من أفضل الكوادر ليعلن تأسيس " الحزب الشيوعى السورى " فى 2 سبتمبر 1924 ليشمل سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ولم يكف الرجل عن الانتاج النظرى فقام فى 1928بتأليف كتابه الهام التفصيلى " نقابات العمال فى لبنان" وتم فى نفس العام إنتخابه سكرتيرا عاما للحزب، لكنه تعرض لمؤامرة نتيجة الصراعات الداخلية بالحزب وتواطؤ من رجال الكومنترن أدت الى فصله من الحزب فى 1932 وتولى "خالد بكداش" قيادة الحزب، وفى 1935 أصدر كتابه " أساس الحركات الشيوعية فى البلاد السورية اللبنانية" وكتاب "الإشتراكية" عام 1936.
بعد رحلة نضال لأكثر من عقدين قضاها فؤاد الشمالى مطاردا وفى أقبية السجون بين مصر ولبنان رقد الى الأبد فقيرا ومريضا ووحيدا فى وطنه يوم 19 سبتمبر عام 1939.

#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات