أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - لماذا وُلدّتَ يا عمر ؟














المزيد.....

لماذا وُلدّتَ يا عمر ؟


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 09:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



جاء في الأخبار أن المحكمة المركزية في القدس قرّرت تخفيض الحكم على عنصرين من شرطة إسرائيل، كانت محكمة إسرائيلية قد دانتهما بتهمة التسبب بمقتل الشاب الفلسطيني عمر محمد إبراهيم أبو غريبان، وأوقفت هذه المحكمة حكمها على واحد وعشرين شهرًا بالسجن الفعلي، وذلك بدل ثلاثين كانت محكمة سابقة قد حكمت بها عليهما. 
أظن أن القرّاء قد نسوا تفاصيل هذه الحادثة المستفزة، ويقيني أنّها لم تستوقف،أصلًا، قطاعات واسعة من جمهور"الواعين" وقطاعات "المتابعين" لشؤوننا العامة؛ ربما لأن الضحية  كانت من هناك، من وراء الضجر والضباب، أو ربّما لأن مثل هذه الحادثة المأساة أمست مشهدًا عاديًا لا يسترعي أكثر من رمشة عين أو نصف تنهيدة.
عمر أبو غريبان، 35عامًا، كان شابًا  فلسطينيًا "تسلّل" إلى إسرائيل في شهر أيّار عام 2008 وتورّط في حادثة سير بسيّارة كانت على ما يبدو مسروقةً، على إثرها أصيب بصورة بالغة ونقل، في حينه، للعلاج في مستشفى "شيبا" في تل أبيب. بعد أيّام معدودة، وقبل إتمام مسيرة علاجه، قرر أطبّاء من المستشفى أنه مؤهّل للتسريح، فاستدعوا شرطة مدينة "رحوفوت" من أجل تسلمه وإعادته إلى المعتقل.
وفقًا لكثير من الإفادات، التي أدلى بها من كان متورّطًا في مجريات هذه الحادثة، فلقد كان واضحًا أن علاج عمر المصاب لم يستكمل، وكان وضعه ما زال حرجًا، ولم يكن في كامل وعيه وعافيته، وعلى الرغم من ذلك وافقت الشرطة على تسلّمه وبعض "البراميج والأكياس" ما زالت مربوطة بجسمه.
كان عمر يفقد الوعي بين حين وآخر ويغط في غيبوبة لاحظها بعض أفراد الشرطة العاملين في ذلك المركز. على حاله الصعبة أبقي عمر لمدّة قصيرة، بعدها أمر ضابط مسؤول باصطحابه وإرجاعه، على أنه فلسطيني مجهول الهوّية والإقامة، وتسليمه لأحد الحواجز العسكرية القريبة من منطقة رام الله.
حاول أفراد الشرطة تسليمه لثلاثة حواجزعسكريه قريبة من منطقة "بيتونيا" و"عطروت"، إلّا أن الجنود رفضوا تسلمه.
صارت  الساعة الثالثة صباحًا، فقرر رجال الشرطة أن يتركوه على قارعة الطريق مدّعين، فيما بعد، أنّهم توقعوا مرور سيارة فلسطينية مصادفةً، فتعيده إلى داخل المناطق المحتلة. 
في صباح يوم 15/6/2008، وجد عمر أبو غريبان ميّتًا في نفس المكان الذي ألقاه الشرطيان به. وجد جثة ملفوفة بمنامة المستشفى، في جيبه مكتوب موقع من الأطباء يشهدون على كونه سليمًا معافًى ومؤهلًا للعودة إلى عهدة الشرطة والأسر. على صدره ما زالت المجسّات لاصقةً، تشهد أنه كان مربوطًا لأجهزة مراقبة طبية ومن خاصرته يتدلى كيس وفيه بقايا من عصارات تشهد على ما  كان حياةً. كان حافيًا. نتائج تشريح الجثة  بيّنت أن "الجفاف" كان المسبب للوفاة. وتبيّن، كذلك، أنه ترك في منطقة يحظر على الفلسطينيين دخولها وفقًا لأوامر عسكرية إسرائيلية.
كان لا بد لي أن أنكأ هذا الجرح والوقوف، معكم، عند فوّهة العبث. كأنّها قصة خطّها شيطان، بزّت تفاصيلها أبرع قصص الخيال وروايات الرعب الأسود. تخيّلوا معي كيف أمضى هذا الفلسطيني أيامه العشرة الأخيرة. بين صحو وغيبوبة، في حالة عجز شبه تام، فلقد وجدته الشرطة، حسب بعض شهادات أفرادها حين جاؤوا الى المستشفى لإعادة اعتقاله، محفظًا كالأطفال، في المستشفى سجّل على أنه مجهول الهوّية، وكان مسلوب الإرادة والتعبير.
كم من"البشر" تناوبوا على تقرير مصيره في تلك الأيام العشرة؟
حفنة من أطباء وممرضين، طواقم شرطة، وضباط قيّمين على سلامة الجمهور وأمنه وغيرهم كثيرون.
تصوّروا تلك الساعات من تلك الليلة اللعينة؛ سيّارة شرطة تدلل على بضاعتها: فلسطيني، شبه عار، حاف وضعيف، تمامًا كما تشتهي العنجهية، يعرض على جنود، بالعادة يتلقفون أمثاله كما يتلقف الصبية في قرانا أكياس "حلاوة الصبي"، لكنّهم،هذه الليلة، يتمنّعون ويرفضون تسلّم البضاعة، فلكلّ شيطان مملكة وحيّز، وشيطان تلك الليلة كان يلبس الأزرق. 
لا أوضح من تداعيات هذه المأساة، فلو توفّرت الإرادة عند من قام بعملية التحقيق مع من كانوا شركاء في اتّخاذ سلسلة القرارات التي أدّت في النهاية إلى موت عمر أبو غريبان، لقدّمت لوائح اتهام بحق جميعهم ولكانت التهمة، القتل، وليس كما نصّت بحق الشرطيين، الإهمال!
القضية لا تنحصر بالشرطيين اللذين ألقيا بعمر إلى موته، لأنّها تبدأ بقرار أولئك الأطباء الذين أوصوا بتسريحه وهو في وضعه الصحي الخطير، كما تشهد الوقائع والوثائق والنتائج. وتشمل أيضًا أولئك الضباط المسؤولين عن إعطاء أوامرهم بإعادته في تلك الليلة وعدم تأكّدهم لاحقًا ممّا جرى وكيف. 
لقد اكتفت الدولة،باسم الحق العام، باتّهام الشرطيين بالإهمال والتسبب بالموت، بينما تدلل كل الوقائع على توفر عناصر جريمة أخطر وهذا تواطؤ. لقد اكتفت المحكمة بالحكم على الشرطيين بثلاثين شهرًا وكأن الميت حصان عابر سبيل وهذا ظلم وناقوس خطر. ومن ثم " كحّلوها" عندما جاء قرار محكمة الاستئناف المركزية ليخفض الحكم لواحدوعشرين شهرًا،فيسدل، عمليًا، الستار على المشهد الأخير من مسرحية العبث المستمرة والتي تدعوها الأمم: عدل محاكم دولة عادلة.
أصعب المآسي تلك التي تكون تفاصيلها بسيطة واضحة وتنطق بالحقيقة، حين تقف أمامها الضحايا خرساء عاجزة.أكثر أصناف العبث إيلامًا هو ذلك الذي يشرعنه شياطين عابثون،صغار يعيشون معك حياةً "طبيعية" "عاديةً"، وهي للبعض تكون، "عمرًا" في كفن مؤجّل.
 



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليت الفتى إمرأة
- لا للتجنيد: صرخة أو صرختان
- حق إضراب ألأسرى عن الطعام لا يمس
- بين كيري وقدسنا بندقية
- ألحريّة لمرّوان البرغوثي
- عنجهية VIP
- عند العقدة يبرع النجّار
- أمل وحرية بحجم السماء
- صمت الغنائم
- لماذا يخافون شجرة الميلاد؟
- دندنة شمعون بيرس: -أنا زي مانا وإنت بتتغير-
- -عوفر-..سجنٌ أم مرجُ غزلان؟
- أصوات وبنادق
- هذا هو شعبي الذي به سررت
- -إلى فلسطين خذوني معكم-
- انتخابات المجالس ويهودية الدولة
- -يهودية الدولة- بين الواقع والخيال
- كفاية!
- الناصرة أختٌ لبيت لحم
- المال السياسي زينة الحياة السفلى


المزيد.....




- الخارجية الروسية تستدعي السفيرة الأمريكية في موسكو وتكشف الس ...
- ??مباشر: صحة غزة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإسرائيلي إ ...
- بعد موت رئيسي.. الإيرانيون يتجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيا ...
- منطقة الساحل بعد الانقلابات - بين الإحباط والصحوة
- موسكو تحمل واشنطن مسؤولية هجوم دموي بالقرم وتتوعد بـ-عواقب- ...
- Hello world!
- موسكو: ضلوع واشنطن في اعتداء سيفاستوبول واضح ولن نترك هذه ال ...
- مشهد مروع لسقوط مساعدات إنسانية فوق خيمة للنازحين وتسويتها ب ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإرهابي في داغستان إلى 20 وإصابة ...
- -فتح- تحمّل -حماس- مسؤولية -إفشال- جميع الحوارات السابقة


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - لماذا وُلدّتَ يا عمر ؟