طه رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 07:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترعرع والدي بين بساتين العنب والبرتقال في شرق ديالى، وارثا عن ابيه بستانا كبيرا كان مصدرا مهما له ولعائلته. يشتد العمل في بساتين العنب فصلي الربيع والصيف. يبدأ قطف العنف في النصف الثاني من شهر حزيران ويرسل " المحصول" الى بغداد، وتحديدا الى العلوجي ، صديق وممول القرية وقت الحاجة،الحاج قمندار، وكانت "علوته" وسط الشورجة ( هجّر قمندار الى ايران عام 1980 ) بتهمة التبعية ، وكان قمندار ممولا لعدد كبير من العوائل في قريتنا والقرى المجاورة منذ منتصف الثلاثينيات.
كان والدي يسافر في نهاية الموسم الى بغداد ليجلب المبالغ المتراكمة عند حجي قمندار بعد استقطاع الديون.
في مرة من المرات قرر ان يصحب معه ابن اخيه الذي روى لي، مؤخرا، هذه الحكاية اذ يقول " بعد ان استلم عمي مبالغ الحاصل من العلوجي، وزعها في اكثر من جيب. وذهبنا الى مطعم كان بالنسبة لي عجب العجاب، اكلت كبابا حتى شعرت بالتخمة، ثم ذهبنا الى الفندق لنتمتع بقيلولة صيفية اخذتنا حتى غروب الشمس. كان عمي، في ذلك اليوم، حريصا على ان يمتعني ويريني ما لم اره في حياتي، ولا اعرف كيف اهتدى الى السينما،جلسنا في الصف الامامي ( ابو الاربعين )، ورقابنا مشرئبة لمتابعة الفيلم. كان فيلم كاوبوي امريكي . في احدى اللقطات يظهر البطل على جواده محاطا باربعة من العصابة وهم يتقدمون مسرعين باتجاه عين المشاهد حتى بدت صورهم قريبة منا وما ان اقتربت الخيول اكثر، فاذا بعمي يشدني من معصمي صائحا " ولك اندهسنا"، وخرجنا نهرول باتجاه الفندق ".
رحل والدي مبكرا بعد ايام من نكسة حزيران، ولم يدر بخلده بان مخاوفه كانت في محلها، اذ ان البطل الامريكي قد خرج من الشاشة بعد سبعة عقود الى الواقع، ودهسنا مرة واحدة بخيوله وكانت عالمية المنشأ والتكوين والصنع، وهذا لا يمنع من ان ندهس مرات عدة بخيول محلية لا تمتلك شجاعة ولا بطولة الا على ابناء جلدتها. خيول محلية لكنها صنّعت في الخارج !!
#طه_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟