|
فوقية
مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)
الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 17:38
المحور:
الادب والفن
فوقية - 1 - فوقية جارة أمه وصاحبتها العزيزة .هو يحب فوقية ، يتأثر لما يتذكر نزولها الرشيق المفاجئ ؛ لتساويه في الطول . تنزل ؛ لتمشِّي يدها على شعره ، وتواجهه بوجهها . ما أجمل فوقية ! ، كثيرا ما قال بصمت مسموع ، له على الأقل : لماذا لا تكون فوقية أمي ؟ تحبني وأحبها ، لم تأت مرة إلا وخصتني بهدية صغيرة . أضف إلى ذلك أنها ليس لديها وجوه كثيرة كالأمهات ، فوقية لا تغضب أبدا .
تخطر فوقية ، الست فوقية ، بوجهها البيضاوي الأبيض ، أبيض شامي ، جسمها الضخم لا يعني شيئا ، ربما يساعدها ويساعدنا على مل ء مساحات فارغة كثيرة في الشارع . مسرَّةٌ لمن يريد ، تحمل حقيبتها الخوص الكبيرة ، دائما في مهمة . وجهها مغرق في الابتسام ، ابتسامتها ضحكة ، بشاشتها ( تعب السنين) تقيم أواصر حالًا مع المارين الجادين ، بالتأكيد هناك من يسيرون في الشوارع غافلين عن نعم الله . لو كنت في بيتك وتخيلت بجد فأنت الآن ، حتمًا ، في الشارع ، تبادلها صباحًا بصباح .
- 2- " أنا فوقية ، مدام فوقية . . مليانة شوية ، بس عسل . جيت مصر بعد 48 ، كنت لسه متجوزة ما بالقيش شهرين ، كنت حامل في البغل الكبير إسماعيل . عندي - ربنا يصون ويخلي الجميع - صبري وإقبال وهيام وإسماعيل .اتجوزت ابن عمي جمجوم " محمود " . رحنا عابدين قاعدنا فيها شوية ، وشوية في باب البحر .كان محمود ساعتها لسه بيلبس الجلابية وعليها الجاكت المحترم ، باشا . ما شاء الله عليه ، كان أيامها بيسرح بصابون نابلسي . العيال الصغيرين كانوا بيمشوا وراه يقلدوا ندهته ( صااااااااااابوووووووون ) . رغم إن روحه في مناخيره . في الأيام دي - ما عرفش إزاي - كان صبور أو تقيل ، كان بيماشي العيال ، هم يقلدوه ، وهو يقلد تقليدهم ؛ فيضحكوا أكتر . باستغرب الحاجات دي من محمود ، لكن بابقى مبسوطة قوي.
قعدنا في عابدين والفوّاطية يجي أربع سنين ، وبعدين طلعنا على مصر الجديدة - بعد الثورة مافيش . وخدنا المحل زي ما أنت شايف . محلنا بقى اسمه ( البقال الشامي ) ، الناس هي اللي سمِّت . البتنجان المخلل اللي ع البنك ده والخيار صنعة إيدي . واحد زبون مرة قال : أنا باخد رغيف شامي بـ ساغ (صاغ ) ، وبالساغ التاني بتنجان . لا جبنة ولا يحزنون . أنا عندي الأكلة دي الدنيا وما فيها . بصراحة بعد المحل أنا حسيت بنفسي ، ساعات كانت وجبة البتنجان كلها تخلص مافيش ، على عشرة ، عشرة ونص الصبح . لما ييجي الزبون يطلب وتقول له "معلش ، لسه خلصان والله " . برضه حاجة حلوة ، مش أي حد يقدّر الموقف ده . هُوَّ محمود اتغير ؟ كانت أمه بتقول عليه " محمود الكِشِر ، ما فيش حاجة بترضيه . ولو رضي ، خير اللهم اجعله خير ، يبقى أكيد فيه حاجة " . أنا عمري ماشفته كده أبدا . من وأنا عيلة في المدرسة محمود جوزي . قصدي الرؤية وضحت خلاص ، لكن كله بآوان ، وربنا يقرب البعيد. محمود جمجوم كان معجباني من صغره ، كان يسرح شعره بإيده .عارفين الأغنية بتاعة نجاح سلام " المعجباني اللي عليها النية " الأغنية دي اتكتبت عليه . الصراحة هو أحلى من الشاب اللي طالع في الأغنية . الأغنية دي ظهرت بعدين ، وإحنا في مصر ، جت في " الشرق الأوسط " الأول ، وبعدين بقينا نتفاجئ بيها ساعات في إذاعة أم كلثوم .بعد ما الرزالة شالت وحطت ، لكن ما يُشترَطش . يوم جوازي شايفاه زي النهارده ، أسعد أيام حياتي ، كنت حاسة إني في فيلم ، مش ها قول كنت عاملة إزاي . وحياة أولادي ، آية في الجمال ، مع الأبيض والطرحة بقى ، ده غير الليلة الموعودة . عيني ما داقتش طعم النوم ، صاحية طول الليل ، وأول ما طلع النهار كأني نمت شهر . اقصد ليلة ما جه هو أبوه وكبارات العيلة ؛ عشان يطلب إيدي ( ما هي إيدي معاه ! ) " المعجباني مش غريب ع العيلة / ده ابن عمي وجاي دارنا الليلة " . المهم ، محمود اتغير ، نهائي . حاجة واحدة ما تغيرتش فيه . كان لما يبص لي بعينه ، نظرة معينة يعني كان جسمي كله يقشعر . كأنه قرَّب ، كأننا بالأحضان . ساعات بعدها بنبقى كده . وساعات قشعرة على الفاضي . حبيت اللهجة المصري قوي ، بقيت لبلب فيها من بدري . لما قرايبنا بيزورونا كنت بأحس إنهم بيرطنوا ، رغم إني معايا اللغة . زي ما تقول كده خلاص حدّدت موقفي . عمري ما حبيت كلمة " الشوام " دي أبدا . زباين البقال الشامي الستات كلهم حبايبي . معظمهم أصحابي . الصراحة بيقدروني جدا ، وأنا لو قدرتني خُد مني بقى . بيجوا عندي البيت ، والقرفة والقهوة والشاي . لب البطيخ مِنشّفاه من بدري ، ومحمصاه ، جاهز ، واللي يشرف يآنس وينور . والراديو شغال ، ياسلام بقى لو تيجي الأغنية اللي تعجب. ساعات وساعات . الأغاني نصيب زي قعدتنا دي . حبايبي ما يشتروش حاجة سواء كات أكل ولا شرب ولا لبس إلا بعد المشورة . في العصاري كده كنا نروح النافورة ونقعد ع النجيلة . كله جايب أكله . لكن أكلي دايما البريمو ، مش غرور ، بس الحاجة اللي متعوب فيها لما بتلاقي القبول بتخليك كده .شوية يعني .
صبري يختلف كتير عن إسماعيل . صبري تشوفه تقول محمود في شبابه ، لكن من غير تكشير ، ما عندوش رَخامِة عيلة جمجموم ، سكر مِكرَّر، لحد ما أتجوز وخلف . دموعه تِسِح سَح لو قلت له كلمة ناشفة شوية . هو والبنات ولادي بصحيح . البنات هُمّ مرايتي ، كل ما با بص لهم باحس بنفسي ، جسمي كله بيقشعر ، إيه حكاية القشعرة معايا ؟ عموما دي تختلف عن ديكها . كله حلو! ، لما تشوفهم تقدرني . عايز تِنظُرْني بصحيح سيبك من اللي واقفة قدامك دلوقتي ، رغم إني لسه ..، بُصِ لْهُم وملّي عينك . إسماعيل ربنا يديله الصحة والعافية ويخلي له ولاده حبايبي . إسماعيل محمود جمجوم . أقول إيه ؟ يا إسماعيل، قلبك راح فين ؟. لما جم يقسموا الحنية يا ترى إيه اللي حصل ؟ يا ترى عامل إيه مع مراته ؟ شايْفاهُم كويسين ، ربنا يسعدهم . باحس إنه قريبنا من بعيد ، دايما معانا في الوحشة قبل الحلوة .ما بيتأخرش الصراحة ، بييجي عشان يسجل حضور . وأول ما الظرف هااا بينصرف طوالي . إسماعيل ما شاء الله عليه طول وعرض ، طلته ماشُفتِش زيها الصراحة ، واخد مني الشكل بس ، والباقي كله من الجماجمة ، رِزِل – رزل . "
#مجاهد_الطيب (هاشتاغ)
Megahed_Al-taieb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قهوة علي مالك
-
جبال الألب
-
محمود ونوجة وصفية
-
النادي الفرنساوي
-
بأثر رجعي
-
شارع الحب
-
مصر الجديدة - الرابع والخامس من ديسمبر 2012
-
ليلي نهارك
-
نُؤْنُؤ
-
حراس الفكرة
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|