محمد محسن عامر
الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 23:22
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
التجربة السياسية الأولى دوما كالحب الأوّل , إنها الإرتعاشة الأولى لوعي طفوليّ في أغلبه يريد أن ينزع بتمرّده لتأول العالم بشكل علمي , هكذا ينح المثقف في صيرورة نضاله يحاول أن يتطابق بفكره مع حركة التاريخ في نشاطه النظري يحاول من منطلق رفض السائد و تعبيراته أن ينتج حالة سياسية متسقة في مشروعها مع حاجات الواقع الموضوعي . في خضم "تراجع" أو "انهيار" أو "سقوط" المشروع القومي ( و إن تعددت التوصيفات التي في أغلبها صيحات من ثغور مشبوهة تندر محاولات تأصيلها على جدية بعض المحاولات ) و في زمن الإستنقاع الإقليمي شهدنا حركات بأكملها تتراجع من موقع النضال القومي الثوري موقفا و استراتيجيا و تكتيك إلى مواقع إقليمية مشبوهة زينتها في أغلب الأحيان تبريرات سياسوية معبرة عن وعي مأزوم. و في زمن اشتدت فيه قبضة النظام البوليسي في تونس حتى أصبح مجرد التضامن الفلكلوري مع القضية الفلسطينية مثلا من داخل الخطاب الرسمي للنظام موقفا مناضلا و ثوريا! ومن رحم كل هذه التراجعات ولدت تجربة الشباب العربي البعثي في 21 فيفري 2006 هذه الحالة الشبابية المناضلة داخل الحراك الشبابي التونسي استجابة لحاجة ملحة للفكر ليجدد نفسه أمام تغيرات اليومي العاصفة و لتترجم مشروعها لاحقا بانخراطها في معركة تأسيس حزب الطليعة العربي الديمقراطي ( و أقول معركة مصرا لأن أخطر مهمة مطروحة على المثقفين الثوريين هو إيجاد تطابق و اندماج بين فكرها و حامله الطبقي و هذا يمر ضرورة عبر تأسيس حزبها الثوري حزب العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين). في ذكرى الميلاد هذه لسنا في مجال بسط معطيات تاريخية على أهميتها و هذا ما سنعطيه حظا من هذا البحث لأنها ستكون حتما محل جدال غير موضوعي يحاول الجميع من منطلق شخصاني صرف دحض هذا المعطى أو تأكيد ذاك مع أنني سأحاول أن أكون موضوعيا قدر الإمكان على صعوبتها لأني ابن هذه التجربة , و لكن المهم في هذه السطور هو تبيان الحد النظري بين فكرين و ممارستين, هي بالذات ما أوجدت هذه التجربة النضالية الرائدة , فكر قومجي متكلس محتفي بالقديم يمنعه منطلقه المأزوم من رؤية الحاضر و تناقضاته له مبرره الطبقي و الأيديولوجي و فكر يحاول أن يتطابق من حيث الممارسة (أي سياسيا) مع حاجات الجماهير العربية.
لمحة تاريخية . لحظة الدراسة و الدعاية و التأسيس
الآن تطوى صفحة من تاريخ نهضتنا العربية وصفحة جديدة تبدأ، تطوي صفحة الضعفاء الذين يقابلون مصائب الوطن بالبكاء والانتحاب ويرجعون الأمر كله للرب بقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله، وصفحة النفعيين الذين ملئوا جيوبهم وأتحفونا بقولهم لا داعي للعجلة، كل شيء يتم بالتطور البطيء)، صفحة الجبناء الذين يعترفون بفساد المجتمع إذا ما خلوا لأنفسهم حتى إذا خرجوا إلى الطريق كانوا أول من يطأطئ رأسه لهذه المفاسد...وتبدأ صفحة جديدة، صفحة الذين يجابهون المعضلات العامة ببرودة العقل ولهيب الإيمان، ويجاهرون بأفكارهم ولو وقف ضدهم من في الأرض جميعا، ويسيرون في الحياة عراة النفوس هؤلاء هم الذين يفتتحون عهد البطولة...."
بهذه الكلمات الملهمة للمؤسس ميشيل عفلق أعلن رسميا عن البداية الفعلية لهذه التجربة و لئن تم الإعلان الرسمي عن الاسم السياسي لتجربة الشباب العربي البعثي في 21 فيفري 2006 إلا أن هذا الإعلان هو فقط نقلة من مرحلة إلى مرحلة , مرحلة جهد من اجل زرع وعي نظري خاضه مناضلو هذه التجربة منذ 2003 في جامعات القطر كانت إعداد تسلحت فيه هذه الشبيبة بالمعرفة النظرية سلاح الممارسة السياسية الثورية انطلاقا من القاعدة اللنينية الأولى لنشأة منظمات الشباب "تعلم تعلم تعلم".
نشط مناضلو هذه التجربة داخل أسوار الجامعة التونسية قبل 2006 في حلقات سرية كان لها دور ريادي في عديد المحطات النضالية منها المساهمة في التحركات الاحتجاجية ضد احتلال العراق و جمع التبرعات من اجل ضحايا الغزو الإمبريالي عدى المشاركة في كل الفعاليات النضالية النقابية داخل الجامعة التونسية .أصدرت هذه الحلقات نشريه دعائية "طلبة البعث" لسان حالها كانت مجالا لفضح ممارسات النظام العميل و الدعاية ضد ممارسته القمعية .
كانت الإنطلاقة الفعلية مع إعلان تأسيس الشباب العربي البعثي صباح 21 فيفري 2006 , هذه اللحظة الفارقة عبرت عن نضج التجربة التنظيمية و اتجاهها لمرحلة أرقى , صدع الصوت بما أمرت حركة التحرر الوطني في شعاب السكون القومي البهيم , فكانت الرجة التي ارعبت شيوخ القومية التقليدية الذين ينهون عمرا لم يتعافوا فيه من ضربة شمس بغدادية ضلت رواسبها عالقة في ذهنية ترفض التغير و تكفر به. بين الترحيب و التسائل و الريبة جاء الرد سريعا من مجموعات "تكفيرية" أكتفي هنا من منطلق الأمانة التاريخية بصياغة سطور كتبها أحد القيادات البعثية التاريخية حول حيثيات التأسيس "لن أنسى اصدار البيان الأول للشباب ..فبقدر ما اعتراني احساس جارف من الفرح والانتعاش والأمل والاعتزاز وأنا أرى هذه المجموعة من الشباب المليء عزما وحيوية ومضاء وإصرارا تكسر الحلقة المفرغة والغياب المريع ..بقدر ما أصبت بعدها بصدمة السقوط والسفالة التي تمثلت في بيان أصدرته حلقة لا علاقة لها بالواقع ولا بالزمن ولا بالفعل السياسي تخون فيه هذه المجموعةنشرته في موقع البصرة(طبعا الخطاب كالعادة لم يكن موجها للتونسيين بل للأخرين) ...التخوين كان منهج هؤلاء المرتعبين وظل كذلك لعقود... لم يصدر لهم بيان آخر في الشأن الوطني يوما ...ولا بيان واحد...ولم يعلم لهم حراك في الواقع...كان اعلان وجودهم في الوطن ببيان تخويني لهؤلاء الشباب البعثي الذي ضاق بالعجز ودراويش القومية ... بعد 14 جانفي زحف اللصوص وتحولوا إلى زعماء ومناضلين وتناسوا من ظل طيلة سنوات صمتهم وثرثرتهم يحفرون طرق الصعود الى الحرية....ومرة اخرى التجؤوا الى راسمالهم الوحيد وهو التخوين...الا تبا لهم والمجد لهؤلاء الشباب...". هذه اللحظة عبّرت عن صراع أيديولوجي محتدم في كل الوطن العربي كان هذا الموقف تعبيرا بليغا عنه بين فكر لا يجد نفسه إلاّ في سكونية ممتقعة بشعارات تراثية معزولة علن الواقع و تغيّراته , تلك المعتقدية الإيمانية التي تمركز وعيا دغمائيا متحجرا تعيد إنتاجه تضليل أيديولوجي مؤامروي في أغلبه , لا يعي الحدّ الفاصل في فهم تناقضات الواقع الموضوعي بين الإقليمي و القومي , يرى نفسه فكريا داخل نسق فكري صوفي يكفر بالتغيير يرميه تارة بالعمالة و تارة بالخيانة و أخرى بالتمركس و بين فكر ينزع رأسه من التاريخ يقحم في التجربة نقده يهزّها يهدم الساكن فيها , إنها معركة بين السكون و الحركة , بين التقليد و الروح المجددة , بين رماد الهزيمة الأيديولوجية و جمر المشروع النهضوي الملتهب , إنها حركة التاريخ لا تعود إلى الوراء في إطار مهزلة او تتقدم إلى الأمام بإنتاج ممارسة نظرية هي الترياق للفكر من تحجره . "هرطقة" فكرية و "مهرطقون" من منطلق الروح المبدعة و الفكر الرافض للثبات...
انطلقت تجربة الشباب العربي البعثي تلك الصخرة في مستنقع الفكر القومي الراكد مقتحمة جميع مجالات النضال اليومي , يكفي على سبيل الذكر لا الحصر تذكر الدور الفعال و الريادي في تأسيس منظمة إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين التي كان حسن الرحيمي و مسلم فرجاني و غيرهم من المناضلين عجر الأساس و محركها مع مجمل الفصائل اليسارية , كما نستذكر الدور الفعال في النضالات الميدانية في الجامعة التونسية و في صياغة مبادرات حل أزمة الإتحاد العام لطبة تونس و التحركات النقابية الميدانية في الشارع .
في علاقة الفكر و الواقع : الوعي المطابق , الممارسة , السياسة , الحزب
علاقة الفكر مع الواقع علاقة ترابط و تفاعل , هذه التي تحولت إلى بداهة داخل الفكر اليساري عموما و كأنها لا تحتاج إلاّ لمجرد الحفظ و التلقين , الفكر لا يوجد أبدا في نقائه المحض إنه أيديولوجيا طبقة معينة و هو المعبر بامتياز تناقض داخل الحق الأيديولوجي للصراع الطبقي . كيف يترابط الفكر مع الواقع , أي كيف يجد فكر طبقي تعبيره المادي الممارسي ؟ على تعقيد هذا السؤال و تشعّبه وجب تقديم بعض الملاحظات عسى أن تحل المعضلة , التغير في التاريخ لا يكون إلا عندما تنتج كل طبقة كتلتها التاريخية أي فكرها المتسق في حركته مع مهام الطبقة المعبرة عليه ,و بالتالي يكون المثقف بادوات إنتاجه المادي تعبيرا و تجسيدا فرديا للوعي الجمعي و إلا كان الفكر معزولا عن الواقع يتامله و لا يغيٍّه , لا يكون التغيير إذا إلا إذا أنتج الفكر تمثله المطابق للتاريخ, أي الوعي الطبقي , هذه مواجهة فكرية تتسلح فيها البرجوازية الكولنيالية بادوات التضليل و الزيف الأيديولوجي لتزيف الواقع و إظهار كل تعبيرات الواقع الموضوعي أنها على الحياد كالدولة و القانون و الاخلاق و غيرها , و تنحوا الطبقة العاملة في صيرورة نضالها الأيديولوجي لأن تظهر الحد المعرفي الفاصل بين فكرين حقيقة هذه الأيديولوجيا مضللة , هذا ما عناه ماركس بقولته الشهيرة "الحقيقة وحدها الثورية" . بالتالي موجه حركة نقيض الجماهير العربية الكادحة منعها من إيجاد تعبيرتها السياسية المطابقة , أي الحزب الثوري المعبر عن تطلعات الطبقة العاملة و جوع الكاحين العرب, من هنا تتحدد المواجهة امام المثقفين الثوريين و تستدعي تسلحها بسلاحها , نظرية الطبقات الكاحة حاملة مشروع التغيير , الوحدة و الحرية و الديمقراطية ...
معنى أن تكون قوميا عربيا
أن تكون قوميا عربياّ فهذا لا يعني أن تستقي فهمك لتناقضات الواقع العربي من "أيات بيّنات " من مراجع نظرية هي البلسم و الترياق المجهّز مسبقا و إلا تحول الفكر إلى كهنوتية خرقاء ترى نفسها فوق التاريخ تتأمله و لا تتأوّله... الفكر لا يوجد في نقائه المحض, إنه تعبير عن أيديولوجيا طبقة معينة , و هو من وجهة نظر الماركسية فكر الطبقة العاملة أدات التغير الثوري نحو مجتمع حر أي مجتمع يحققه ثورته الإشتراكية التي تحرر الإنسان , فتطوّر الوعي إذا أي الوعي الطبقيّ ليس عملية فكرية محضة بل"* هو في أساسه عملية سياسية , و لا يتحقق على صعيد الفكر المنفصل , بل في نضال عمليّ هو في جوهره نضال سياسي , و في ممارسة هذا النضال .و البنية الطبقية لا تظهر إلاّ لوعي طبقي , و هي تتحدد بهذا الوعي في ظهورها له" بالتالي لا يمكن تمثّل الوحدة العربية هذه المهمة الديمقراطية الكبرى المطروحة على الطبقة العاملة من وراء حجاب الوعي القوماوي الزائف المحتفي بالقديم المقدّس للتجارب "الكارزمية" للجمهوريات العنيفة في المشرق لا يرى فيها إلاّ ما تريه هي إيّاه و لكانت محاولة نقدها "مسّا ضالما و مجانيا لقيم عليا لا تمسّ"...
#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟