حسين علي الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 23:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ا
عودة اخرى للتحليق في اجواء بلاد الواق واق بواسطة الة الزمن او بدونها , وربما عن طريق (الكيه) صينية الصنع او عن اي وسيلة اخرى غير الاقدام في البدايه , لقد كان الشروع معها ولكن بطريقة محاكات السلحفات في الطريق الحلزوني المزروع بالسراديق من كل الالوان والاحجام, شجيرات مثمره بالرز والحساء والفواكه والعصائر والمياه المعدنيه وانواع المقبلات تصطف مع افخاذ الدجاج المحمره ولحوم الضان العابقه بالتوابل والمكملات , كل الموجودات تنصب لك الشباك وتتنافس في شدك اليها وباغراء مضاف تدغدغ انفك نكهات الشاي المهيل والعصائر الطازجه. كل ذلك ما بين سرداق وسرداق وفسحة واقل متها على امتداد اذرع الطريق الطويل وهو يباشر بنشر ثمراته بكرم لا تعد عطايا حاتم الطائي ازائه شيء يذكر .
البدايه كانت في مراب السيارات حيث غدت هزيلة الاعداد قي الخطوط الاخرى , ليس لتعاظمها في الخط المطلوب فقد كانت المساحه المخصصه له فاضية , فهو قداحتواها تماما ولكن لتغوص وتغطس في عمقه السحيق وليس واجهة البدايه, هي رحلة صعبه اذن..!
كنت ادرك ذلك ودوافعي لركوبها تختلف عن دواع الاخرين, فهي ليست ايمانيه او لطلب الاجر والثواب ففي اعماقي سبل اخرى اعتقد انها الاجدى في تحصيله , غير ان العائله باسرها اصرت على المشاركه فصرت بين امرين لا ثالث لهما , فآما الذهاب معهم او الانزواء وحيدا في مواجهة متطلبات غير قادر على تامينها والدخول مع الذات في حوارات غير مامونة الجانب , فاثرت السلامة ومواجهة متاعب الطريق معهم .
لم يكن خط سيرنا يفضي الى المدينه المقدسه مباشره بل يعرج على مدينة قبلها لنصطحب ابني القاطن هناك , ثم نعاود الزحف وعلى ذلك فقد ودعنا الكيه في المخرج المودي اليها , ولما لم تكن هناك سيارات لتنقلنا الى الطريق الام التقليدي فقد ركبنا اقدامنا ومضينا نقطة في البحر الصاخب وهو يبتلع المسافات في اجواء مشابهه تماما لما رايناه في اول الرحله فالسخاء في البذل والكرم وتوفير كل الوسائل التي تساعد السائرين في بلوغ اهدافهم حاضرة في كل مقاطع الطريق ومفاصله , حين وصلنا دار ولدي كانت الشمس على وشك الغروب , وكانت قدماي تولمني بشده وقد بلغ بي التعب ولارهاق مبلغه فاويت الى النوم وفي الصباح الباكر وقبل ان تصلنا خيوط الشمس لتخفف شيا من لسعات البرد القارس , انبؤني ان السيارات لن تحملنا لمسافه اكثر من عشرة كيلو مترات باتجاه (.......) وسوف نكمل الخمسون كلو متر الباقيه سيرا على الاقدام اي اننا سنشرع قي عملية سيرمتواصل لفترة لا تقل عن اثنا عشرة ساعه, وسالوني ان كنت مستعد لذلك ولا فبامكاني البقاء هنا مع زوجة ابني واحفادي حتى عودتهم ونباشر بالرجوع معا , ولما كنت اشعر بسعادة حقيقيه وراحة لا احسها في اي مكان اخر غير قربهم والاندماج معهم في العابهم ومرحهم و كذالك مابيني وبين زوجة ابني من ود متبادل قد رايت المقترح الثاني مناسبا لي تماما وهكذا بقيت ,آثرت المكوث بين طيات الفراء والتمتع بدفئه الذي يبعث على لاسترخاء , ولاستسلام لمقدمات الاحلام التي تجلب النوم , كانت العصافير تزقزق حولي , واجنحه ملائكية تلامس وجناتي بين الفينة ولاخرى وهمهمات جميله لمخلوقات حانية رقيقه تطرق اسماعي وتحاول ان تعيدني لعالم الصحو وانا اغالبها متشبثا با استغراقي ونومي ولم تتمكن من اقناع اجفاني بالانفراج والعودة لعالم الواقع الا قبيل العصر, فجلست مرتاحا مشروح الصدري ترفل سريرتي بالصفاء والقدره على الحوار ومناقشت الامور بموضوعية وتجرد.
.
لقد هالني ما رأيت من اندفاع الناس وتوجههم في تلك الحشود المليونيه الهائله وقد انتظموا في صفوف غطت البلاد باتجاه المدينة المقدسه , الكل يريد ان يحضر وان يشارك وقد شرعت الاطراف البعيده بالسير قبل عشرة ايام او اكثر في دفقات متلاحقه سيولا بشريه غطت كل المسارات ومرت باكثر بؤر السفاحين من الاتجاه المعاكس ,
فكانت ضحايا من الرجال والنساء ولاطفال ولم يعيق ذلك المد الجارق والطوفان الهائل المتطلع الى امام , بالامس سمعت ان بعض المعتوهين ممن يرتدون الاحزمه الناسفه قد تزيوا بزي الزائرين واختلطوا بهم ليفجروا انفسهم وسطهم فيتعاضم فيضان الدم البريء المهدور باسم الدين دون ان يخضع احده عقله لشي من الحوار والنقاش الداخلي فالدين في اساسه مجموعة من القواعد الاخلاقيه لتقويم السلوك البشري وليس شرعة او شريعه للقتل الذي هو بعيد كل البعد عن النهج الاخلاقي المستند الى الطهارة والنقاء فلا يمكن ان ينبع من محتوى انساني او الاهي على الاطلاق ...!ورغم ذلك فهم يصرون على انه جهاد في سبيل الله وكانما الله يامر بقتل عباده وذبحهم بمثل هذه الوحشيه فاي فهم اهوج واي تناقض هذا .لدين جعل من مفردة السلام تحية اللقاء والالتقاء بين افراده وسواهم, دين لم يرد في قرانه كلمة سيف وهو وسيلة القتال والتناحر في ذلك الوقت وحتى كلمات القتال فهي لا تعني حصراالفعل القائم على الفتك وسفح الدماء بمقدار ما تعني الركون الى كل الوسائل التي تحقق الهدف بما فيها الحوار او القتال ...!
لفد كانت طقوس العشرة الاولى تشغل حيزا محددا في كل محله من المدينه وليس المدن كلها على امتداد البلاد , رغم ما تحدثه من اعاقه للاعمال وقطع لارزاق بعض الشرائع , الا ان ذلك لا يمكن ان يرتقي الى حجم ما تسببه هذه الزياره من ارباك واضح في الحياة العامه على كافة المستويات , اجل ان البلاد ليست في عطله رسميه حسب المنضار القانوني غير انها كذلك من الناحيه الفعليه فكل الطرق معطله ولا احد قادر على الوصول الى محل عمله او انجاز اي فعاليه تعود انجازها في الاحوال الاعتياديه , وامر كهذا لا يخدم سوى الموضفين العاملين في دوائر الدوله فهم في اجازة مفتوحه وبراتب تام ....ّ! اما سواق التكسيات وعمال البنا ءوالاخرون في المهن الباقيه , وفيهم من لا يملكون اكثر من قوت يومهم فماذا يفعلون هولاء ولمن يشكون امرهم ..؟؟
ان الحياة نبدأ بالاختناق التدريجي بفترة قبل االزياره ولا تستعيد عافيتها الابعد مرور فترة اخرى على انتهائها فلو كنا دوله منتجه ولدينا زراعه وصناعه كما هو الحال في باقي دول العالم , فكيف يمكن تحمل الخسائر الماديه لهذا الشلل والانقطاع عند ذاك ...؟ .
ان المدينة المقدسه هي في واقع الحال منشآت ومباني نمت وامتدت مابين المرقدين الشريفين وهي محدودة المساحة والامكانيات وغير موهله بالمقايس العمليه على احتواء فعاليات يشترك قيها اكثر من عشرة ملايين شخص لذلك كان مابين موكب وموكب موكب , وقد صار – والحاجة ام الاختراع – الركون الى العلم في ابتداع وابتكار آلات قادره على انتاج وطهو كميات هائله من الطعام بسرعة قياسيه فتجهير (600) دجاجه في موقع واحد لوجبة واحده ليس بالامر الهين او المتاح بغير الابداع والانجاز العلميين , ا ما ما يتطلبه الامر من امكانيات ماليه ووسائل للتمويل والتجهيز فذلك امر يفوق الامكانيات الشخصية ايا كانت حدودها , ولا يمكن تحقيقه الا بجهود منظمه تتكفل بها هيئات او مؤسسات ذات امكانيات غير محدوده , ان هناك ما يمكن الاقتراب من تشبيهه بعمليات غسيل الاموال فالجهات التي تشفط المال العام ووتمارس كل العمليات الغير مشروعه للحصول عليه لن تتردد في دفع جزء منه للتكفيروهي تعتقد ان الانفاق في سبيل الامام سينضف الباقي , ويعود على المنفقين بالاجر والثواب والربح الوفير...!!
وهولاء ليسوا من رعاع القوم او الجهلاء بقدر ما هم من العليه التي تلتمس وسائل التبرير لكي تهون على النفس ما رتكبته من اثام وذنوب , اما اصحاب الامكانيات الفرديه المندفعين في هذا المجال بنفس الدوافع ايظا , ولكن من دون ان ياتوا مثل تلك الذنوب فهم ينشدون الاجر والثواب بالتقرب الى الامام والانفاق في سبيله وقد نمت في عقولهم مقولات الخطباء والرواديد من ان كل درهم ينفق في هذا الصدد انما فيه مغفرة عن الذنوب والخطايا وان من يبالغ في تقديم الاكثرسوف يشفع له الامام يوم القيامه .
ان مفهوم الشفاعه بالمعنى الصحيح والدقيق امرا لا يخص غير العبد وخالقه فهي مرتبطه بسعي العبد ذاته ورحمة الخالق فمن يشب على المنهج الاهي ويفني العمر في الالتزام بتطبيقاته , لن يكون محتاجا لاكثر من اذن الله ورضاه ورحمته , ومن اختار الطريق الاخرومضى في النهج المعاكس فلن يشفع له احد, وتلك حقيقه جوهريه في كل الاديان , جرى الالتفاف عليها في كل الاديان ايضا .
ان لامام قد صنع مجده ونال رضى الخالق وبركاته وخلوده بتضحياته وتمسكه بمنهج الله وتضحياته في سبيل تطبيق ذلك المنهج بدمه ودم ال بيته ودماء خلصائه واصحابه , فمن يستطيع يعد ذلك من البشر ان يضيف له شيئا ...؟
واذا كان الجواب لا احد قطعا ,فمانفع كل هذه المضاهر والطقوس والمغالات بكل ما تستهلكه من امكانيات هائله وجهود لو وضف بعضها في اي جانب من جوانب الحياة لازدهر ايما زدهار, غير اننا ابتلينا بمن لا هم لهم سوى نصرة المذاهب لا نصرت الوطن وهدر الثروات والطاقات بما لا يفيد او يخدم احد, واذاكان الامر كذلك وهو كذلك بالتاكيد , فان الجهد العام هو ليس حق لمذهب او طائف ويجب على السلطه التنفيذيه ان تختار واحد من اثنين فاما ان تنى بنفسها عن اي خصوصية مذهبيه ولا تدعمها بالمال العام والجهد العام وتعطل مصالح الدوله ( وهي مصالح الجميع )من اجل خصوصيات الطائفه
وان كانت غير قادره على ذلك لاسباب لن نخوض في تفاصيلها الان , فان عليها ان توضف جزء من تلك المصاريف والجهود في انشاء طريق خاص الى المدينة المقدس يحتوي تلك الحشود الراجله والمواكب الزاحفله في تلك الاوقات من كل عام وتحمي حياة الاخرين ومصالحهم وارزاقهم مما ليس لهم فيه ناقة ولاجمل .
#حسين_علي_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟