|
سيرَة حارَة 14
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 22:32
المحور:
الادب والفن
1 قلنا أنّ قريبنا، " قربينه "، قد حصل على هذا اللقب بفضل طرافة طبعه وغرابة تكوينه الخلقي. كان فارس الجلسات والسهرات بصوته الخشن القويّ، فيقصّ على مسمع الآخرين مغامراته العاطفية، التي لا يمكن أن يصدقها سوى الأغرار. فأي فتاة كان من الممكن لها الوقوع في شباك فارسنا هذا؛ هوَ من كانت بشرته بلون كامد وغامق، علاوة على ضخامة جثته وتقوّس قدميه.. أي أنه كان شبيهاً حقاً بالبندقية العثمانية القديمة ( القربينه )....! في بداية السبعينات، كانت فرص العمل متوفرة نوعاً. ولكنّ الكرديّ آغا، قبل كل شيء؛ فلا يقبل الشغل عند الدولة كمستخدم أو عامل. وإذاً، بعد أن تسكّع " قربينه " طويلاً مع عربة الفول، دبّر له أحدهم شغلاً كجابي باص على خط الحيّ. من ناحية أخرى، كان " قربينه " عازباً عريقاً؛ وللجسد حقوقه في هذه الحالة. فدأبَ مكتوياً متحسّراً، فيما هوَ يرى حسان الشام يخطرن في الحافلة الكبيرة على مرمى من بصره. ولكن، العين بصيرة واليد قصيرة....! ذات مساء، كان " قربينه " يقف في آخر الحافلة بعدما انتهى من جبي الرسوم المعلومة. فأخذ بالتنصّت، مواربةً، على حديث فتى مراهق مع فتاة بلباس الفتوّة الثانوي. كانا جالسين ثمّة، يتبادلان على ما يبدو حديثاً حميماً، مطوّلاً. أما صاحبنا " قربينه "، فإنه كان يحسد ذلك الفتى في داخله بينما أنفاسه الحرّى تطلّق الحسرات. على الأثر، تحرّكت الفتاة تهيئاً على ما يبدو للنزول في المحطة المقبلة. وكان الباص قد وصل عندئذٍ إلى " ساحة شمدين "، وإذا بالجابي يصرخ بأعلى صوته: " ساااااااحة! ". عند ذلك، قفز كلا العاشقين على وقع الصوت مرعوبين بشدّة.
2 " أبو كاش "؛ اشتهر في أواخر السبعينات بجامعة دمشق، حينما كان يقدّم اسكتشات فكاهية على مسارحها. حينما كنت طالباً بموسكو، في أواسط الثمانينات، تعرّفت على هذا الشاب الخفيف الظل ( أصله من كرد حيّ المهاجرين ) فارتبطت معه بصداقة حميمة؛ حيث كان يلقبني بـ " الآغا "....! كان " أبو كاش " يؤمن بتحضير الأرواح، ويزعم معرفته بطقوسها. ذات ليلة، كنا مجتمعين في حجرة أحد أصدقائنا، فطلب هذا من المشعوذ العتيد أن يُحاول تحضير أرواح أقاربنا الراحلين. عند ذلك، وزع علينا " أبو كاش " أوراقاً صغيرة طالباً أن يكتب كل منا اسم قريبٍ ميت على الورقة وأن يطويها ويضعها على الطاولة. ثم اطفأ النور، واستعاض عنه بضوء شمعة صغيرة. بعدما تمتم المشعوذ بمفردات غير مفهومة، إذا بإحدى الأوراق تتحرك فجأة. هنا، انفجر أحد الحضور بضحكة مغتصبة ( ربما بدافع الخوف )، مما أدى إلى هروب الأرواح وانزعاج مُحَضّرها....! في الشام، وفي نفس الفترة تقريباً، كان الرفيق الشيوعي " أحمد " قد دعيَ إلى سهرة مع آخرين من الأصدقاء. ثمة، في مطبخ الشقة، كان صهر محضّر الأرواح ( وهو صديقنا خلدون ) متعهّداً تحضير المازة للشرّيبة الجالسين في الصالون. إذاك كانت الأنوار مطفأة، باستثناء ضوء الشموع الخافت. فما أن ثقلت رؤوس الحاضرين بفعل الشراب، حتى حوّل أحدهم الحديث إلى موضوع تحضير الأرواح. عندئذٍ راحَ صاحبنا " أحمد " يسخر من الموضوع، باعتباره خرافة وشعوذة. على غرّة، انفتح باب المطبخ بعنف، لتندفع منه إلى داخل الصالون مخلوقة منقبة بملاءة سوداء وهيَ تصرخ بجنون: " عااااااا..! ". فما كان من " أحمد " سوى القفز من مجلسه مرعوباً، وهوَ يردد: " يا لطيف..! ". في اللحظة التالية، انحسر النقاب عن وجه صديقنا " خلدون " ما غيره. فراحَ هذا يقهقه بصخب، فما لبث أن شاركه الآخرون الضحك ومن ثمّ التعليق على المقلب الطريف. أما " أحمد " المسكين، فقد انقلب لون وجهه من الأصفر إلى الأحمر
3 في انتخابات الإدارة المحلية الأولى، في بداية السبعينات، شاء مدير مدرستنا الاعدادية أن يخوضها مستقلاً. كان المدير ذا هيئة مخيفة وشديداً على الطلبة، فلقبوه " أبو جهل "....! حينما انتشرت على جدران الحيّ صور المدير العتيد، فإن طلبته وجدوها فرصة للانتقام منه، فأخذوا يشوّهون الصور بالرسوم والعبارات الساخرة. وفي طريقهم، كانوا يفعلون الأمر نفسه ببعض المرشحين الآخرين. مثلاً، أحد المرشحين ( وهو من الصالحية )، كانت كنيته " عبد ربه "، واذا بهم يضيفون نقطة لحرف الراء....! " الدكتور محي الدين "؛ كان في البداية مرشحاً مستقلاً دائماً للادارة المحلية، ولم ينجح في أي من الدورات بالرغم من لحيته الورعة وكراماته ودعم جماعة مروان شيخو له. ذات مرة، كان يقف في مركز الاقتراع بثانوية " ابن العميد " بعدما أخذ يشك بأن ثمة تزويراً يحصل. فما كان من ضابط الأمن هناك، الذي ضاج بالمرشح وكثرة تحركاته، سوى طرده من المكان. في غمرة المجادلة، دخل الزعيم الشيوعي المعروف، " بكداش "، الى المركز لكي يدلي بصوته. والمعروف عن هذا الزعيم، أنه كان يميل للمرح والطرافة. عند ذلك، صرخ " الدكتور محي الدين " بالزعيم محتجاً: " يا أبو عمار!.. وينها الديمقراطية؟ ". هنا، بدأ " أبو عمار " يفتش في جيوبه ويقلبها، ثم أجاب ذلك المرشح: " والله ما بعرف..! ". ثم أعقبَ يسأل من حوله بصوت خافت: " هل هذا الشخص عاقل أم مجنون؟
4 " أبو النور "؛ صديقنا القديم، كان مأثوراً عنه الطرافة والظرافة. حينما كان طالباً بالبكالوريا، في ثانوية " ابن العميد "، يبدو أنه وزميله " مزكَين " لم يكونا يهتمان بالدوام اليومي. ذات صباح، قررا الذهاب الى السينما، فما أن انتهت الفرصة الأولى حتى تنكب كل منهما حقيبته واتجه نحو سور المدرسة. صعد " مزكَين " أولاً مع حقيبته، فما أن حل دور الثاني إذا بصوت يأتي من الخلف. كان الموجه " ماميش "، ذو الشارب الأسود المعقوف، المحتل معظم السحنة السمراء. ليس فقط شكله، بل أيضاً حركات هذا الموجه كانت تجعله شبيهاً بالتحري السري " مسيو بوارو " في روايات " أجاثا كريستي ". عندما سئل " أبو النور " عن سبب وجوده تحت السور، أجاب ببساطة انه كان على وشك الالتحاق بزملاء صفه إثر انتهاء الفرصة. بحلق " مسيو بوارو " بالحقيبة، التي يحملها الطالب، وسأله عنها. فعاد الطالب ليجيب ببراءة، أنه كان بحاجة للكتب كي يدرس. هنا، انفجر الموجّه قائلاً بنبرة توعّد: " كل الأدلة ضدك؛ فالأفضل أن تعترف قبل أن أسحبك إلى المدير بتهمة الهروب المتعمّد من المدرسة "....! " أبو النور "، كان إلى ذلك تقدميّ الفكر. ذات يوم، وكان درس العلوم، أخذ أستاذ المادة " قباني " يسخر من نظرية تطور الأنواع. فنهض صديقنا لكي يفند وجهة نظر أستاذه. فقال هذا الأخير ساخراً وهو يقيس بعينيه جسم الطالب السمين: " إذا كنت تؤمن بأن أصل بني آدم قرداً، فأنا أتساءل كيف ولدتك أمك وأنت بهذا الحجم؟! ". عند ذلك، تطلع صديقنا " أبو النور " في النظارات الطبية في وجه معلمه، ثم سأل بدوره: " استاذ، عندما ولدتك أمك كنت بنظارات أو بدونها؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة حارَة 13
-
سيرَة حارَة 12
-
سيرَة حارَة 11
-
سيرَة حارَة 10
-
سيرَة حارَة 9
-
سيرَة حارَة 8
-
من أجل عَظمة
-
أحلام مشبوبة
-
الشاطيء الشاهد
-
النمر الزيتوني
-
فكّة فلوس
-
القضيّة
-
الطوفان
-
مسك الليل
-
خفير الخلاء
-
البرج
-
طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
-
طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
-
طنجة؛ مدينة محمد شكري
-
سيرَة حارَة 7
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|