|
تزوير مسيحية يسوع – 24
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 12:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظة: هذه المقالة تُعتبر كتكملة لسلسلة المقالات السابقة تحت عنوان (تزوير مسيحية يسوع – 1 إلى 23)، ويجب أن تُقرأ المقالات السابقة كمقدمة أساسية وضرورية لهذه المقالة.
تطرقنا في المقالة السابقة [تزوير مسيحية يسوع – 23] إلى مثالين أوردهما كتاب فراس السواح (الوجه الآخر للمسيح) لعملية التزوير والتنقيح المستمرة حتى هذه اللحظة في نصوص العهد الجديد، وهذا على الرغم مِن أن العقيدة المسيحية تُصر على أن (الكتاب المقدس)، بجزئيه القديم والجديد، هو (نص معصوم من الخطأ) تولاه (الوحي الإلهي من خلال الروح القدس) [وبالمناسبة، الروح القدس، كمصطلح وكمفهوم، هو اختراع مسيحي بحت تولاه بولس، وبسبب أنه اختراع غريب عجيب في أنظار اليهود والوثنيين على حد سواء اضطر المسيحيون الأوائل إلى "تحصين" العقيدة فيه من خلال الإصرار على أن التجديف (الاستخفاف أو الانكار أو الكفر) على الروح القدس لا غفران له إطلاقاً على عكس باقي الذنوب كلها حتى وإن كان التجديف على يسوع ذاته (متى 12: 31-32) (مرقس 3: 28-29) وهذا على الرغم مِن أن العقيدة المسيحية تُصر على أن يسوع والروح القدس بالإضافة إلى الأب هم واحد، ولكن التجديف على الروح القدس لا يُغفر إطلاقاً والتجديف على يسوع يُغفر، وربما تكون هذه الجزئية موضوعاً لمقالة قادمة]. فلنبقى إذن مع فراس السواح ولنضرب مثالاً أخيراً من كتابه على (عملية تزوير فاضح واضح) تولاه كاتب إنجيل متّى بغرض (تزوير مسيحانية يسوع). هذا المثال وحده كافٍ لإثبات أن عملية تزوير مسيحانية يسوع كانت (واعية ومتعمدة وغير نزيهة إطلاقاً) وأن المسؤول عنها هم هؤلاء "الرسل والقديسون"(!) المسيحيون الأوائل وانخدع بها بسطاء الناس والأميين والفقراء. فلا وجود لمسيح تجلى في يسوع، هذا اختراع مسيحي بحت واضطروا بسببه إلى (التزوير) في نقولهم من العهد القديم لإثباته، وبالتأكيد لا وجود لإله تجسد في يسوع، فهذه (عقيدة وثنية بجدارة) ومقتبسة من الفضاء الوثني الذي كان يحيط ببولس وكنائسه التي كانت تتبعه. ولا يبرز هذا المسيح الإله المزعوم إلا في أوهام وخيال المؤمنين بهذا التزوير الواضح الجلي أمام كل إنسان عاقل.
تطرق كاتب إنجيل متّى إلى قصة ولادة يسوع (في بيت لحم اليهودية، في أيام هيرودس الملك) [متى 2: 1]، وأن مجوساً من الشرق قد أتوا إلى أورشليم (القدس) يسألون عن هذا الصبي الذي وُلِد، وهذا بدوره جعل هيرودس يجمع (كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، وسألهم: أين يولد المسيح) [متى 2: 4]. وينقل لنا كاتب إنجيل متّى إجابة كل رؤساء كهنة اليهود ومُعلّمي شريعتهم على سؤال هيرودس هكذا: (فقالوا له: في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي: "وأنتِ يا بيت لحم، أرض يهوذا، لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منكِ يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل) [متى 2: 5-6]. وكما قد أشرت في مقالات سابقة وبصورة مكررة، إذا قرأتَ في العهد الجديد إبهام لموضع الاقتباس مِنَ العهد القديم، كأن تقرأ (مكتوب بالنبي) من غير تحديد أين قال هذا "النبي" ذلك، فشُكّ في الأمر مباشرة، فهو على الأرجح اقتباس من العهد القديم قد تم التلاعب فيه أوعزله من سياقه الطبيعي لإبهام وتحوير معناه. إذ يجب على القارئ أن يعي دائماً أن نصوص العهد الجديد كانت موجهة في الأصل، أي في زمانها الذي كُتِبَتْ فيه، إلى أناس إما أميين أو محدودي المعرفة أو لا يملكون أية خلفية حقيقة لِما هو مكتوب في نصوص اليهود المقدسة. هذا الاقتباس الذي نقله كاتب إنجيل متّى هو من سفر ميخا، وهو هكذا: (أما أنتِ يا بيت لحم أفراتة، وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل) [ميخا 5: 2]. بالطبع، إذا رجعنا إلى سفر ميخا، الأصحاح الخامس، وقرأنا هذا الاقتباس ضمن سياقه هناك فسوف نعرف مباشرة أن المقصود هو ليس يسوع بالتأكيد، إذ لا شيء إطلاقاً مما يصفه هذا السفر ينطبق عليه إبداً، ولكن لن ننخرط في تحليل هذا النص من هذه الزاوية ولنركز انتباهنا بدلاً من ذلك على ما قاله فراس السواح في كتابه بخصوص هذا الاقتباس الذي تولاه كاتب إنجيل متّى. ولكن قبل أن نقتبس من كتاب (الوجه الآخر للمسيح) يجب علينا أن نضع النصين، نص سفر ميخا ونص اقتباس كاتب إنجيل متّى له، في مقابل بعضهما حتى تسهل المقارنة:
ميخا: (أما أنتِ يا بيت لحم أفراتة) ------ متّى: (وأنتِ يا بيت لحم، أرض يهوذا) ميخا: (وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا) ------ متّى: (لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا) ميخا: (منكِ يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل) ----- متّى: (منكِ يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل)
يُعلق فراس السواح على ما فعله كاتب إنجيل متّى بالآتي:
"لكي يُعطي [أي كاتب إنجيل متّى] قصته هذه مصداقية [يقصد قصة قدوم المجوس من الشرق وسؤالهم عن المولود وقصة سؤال هيرودس رؤساء وكهنة اليهود وجوابهم له]، نراه يقتبس من العهد القديم نبوءة حول المسيح المنتظر، ولكنه يُعدلها بطريقة تخدم أهدافه عندما يقول بأن ميلاد يسوع في بيت لحم يهوذا قد حقق النبوءة القديمة [...] وبما أن (أفراتة) التي يذكرها هذا النص [يقصد نص ميخا، والتي ألغاها كاتب إنجيل متّى متعمداً في اقتباسه، إذ ألغى كلمة (أفراتة) واستبدلها بـ (أرض يهوذا)] تقع في منطقة الجليل، على ما نفهم من عدة مواضع في سفر التكوين، وفيها تقع مدينة بيت لحم الجليلية التي كان مؤلف متّى يعرفها جيداً، فقد عمد إلى التلاعب بنص العهد القديم، وحوّل بيت لحم أفراتة، الصغيرة على أن تكون بين ألوف يهوذا، إلى بيت لحم أرض يهوذا التي ليست أصغر ولايات يهوذا، ومنها يخرج والٍ يرعى شعب إسرائيل". [انظر: الوجه الآخر للمسيح، فراس السواح، ص 23-24]. ويسترسل فراس السواح في موضع آخر ليُسهب في شرحه فيما يخص هذه النقطة: "إن ما لا يعرفه الجميع، وما تم التعتيم عليه تاريخياً، هو وجود مدينة في الجليل تحمل اسم (بيت لحم) تقع مقابل السفوح الشمالية الشرقية لجبل الكرمل. وقد كانت هذه المدينة قائمة ومزدهرة خلال حياة يسوع، على ما تثبته نتائج التنقيب الأثري في موقعها، والتي ترجع بتاريخها إلى نحو القرن السابع قبل الميلاد. وبيت لحم الجليل هذه تظهر في المصورات الجغرافية القديمة، ومنها مصور بطليموس الذي يعود بتاريخه إلى عام 160 م [...] وقد عرف محررو كتاب التوراة (بيت لحم الجليل) وأورد سفر يشوع [19: 15] أنها كانت في نصيب سبط زبولون الذي حدد له يشوع أراضيه في منطقة الجليل. وقد دعيت في الكتاب بـ (بيت لحم أفراتة) نسبة إلى منطقة أفراتة التي تقع فيها. والاسم (أفراتة) يعني الأرض الخصبة المثمرة، وإليها تشير النبوءة الواردة في سفر ميخا بخصوص الموطن الذي يظهر فيه المُخلّص [...] وقد اقتبس متّى هذه النبوءة بعد تحريفها وتحويل (بيت لحم أفراتة) إلى (بيت لحم يهوذا)". [انظر المصدر السابق، ص 119-120].
وما يقصده فراس السواح هو أن كاتب إنجيل متّى كان يعي تماماً أن هناك مكانين في فلسطين يحملان نفس الاسم، أي (بيت لحم)، أحداهما في الجليل وأخرى في يهوذا. وكان يعي أن يسوع قد وُلِدَ في (بيت لحم يهوذا) وليس في (بيت لحم أفراتة الجليلية) كما هو في نبوءة ميخا. وبالتالي فإن كاتب إنجيل متّى كان يعي تماماً أن تلك المدينة التي أدخلها في نص إنجيله هي ليست (بيت لحم أفراتة) الجليلية الصغيرة المقصودة في سفر ميخا [أنظر الهامش أدناه للبرهان الآثاري على مدينة بيت لحم أفراتة الجليلية]، وهذا ما جعل كاتب إنجيل متّى مضطراً إلى أن يتلاعب بنص سفر ميخا، فألغى كلمة (أفراتة)، وأضاف كلمتي (أرض يهوذا)، ثم (غيّر متعمداً) كلمة (صغيرة) في نص سفر ميخا إلى (لستِ الصغرى) لأن بيت لحم يهوذا في زمنه لم تكن بالفعل صغيرة، وبعد ذلك تلاعب بالنص ليحوّل (متسلطاً على إسرائيل) في سفر ميخاً والذي لا يخدم غرضه لأن يسوع لم يتسلط على إسرائيل فجعلها (مدبر يرعى شعبي).
هل رأيت تزويراً أكثر شناعة وصفاقة من هذا التزوير الذي قام به كاتب إنجيل متّى؟!! وليس العجب منه، ولكن العجب كل العجب من هؤلاء "المؤمنين" المعاصرين الذين تتوفر لهم سُبل المعلومات والمقارنة ولكنهم يختارون إلغاء عقولهم أمام كل تلك البراهين.
فلا يغرك ادعاء المُدعين اليوم بالتنوير والأفهام والعقلانية، فموضوع إيمانهم يكشف تهافتهم.
... يتبع
هـــــــــــامــــــــــش:
1- رابط الاكتشاف الأثري لمدينة بيت لحم الجليلية المذكورة في العهد القديم على أنها صغيرة، أي بيت لحم أفراتة، وهي قرية صغيرة مختلفة تماماً عن مدينة بيت لحم المعروفة اليوم على أنها مكان مولد يسوع، وتقع حوالي مئة ميل إلى الشمال من بيت لحم المعاصرة، مع ملاحظة أن (الموقع متأثر بالرؤية العقائدية المسيحية ويحاول أن ينقل موقع ولادة يسوع إلى تلك المدينة الصغيرة المكتشفة على أنها بيت لحم أفراتة). فيجب أن يبقى ماثلاً في الذهن دائماً أن الرواية الإنجيلية هي مزيج من الخرافة والتزوير والأسطورة ولا تُمثل إطلاقاً "تاريخاً" يُعتمد عليه:
http://www.npr.org/2012/12/25/168010065/dig-finds-evidence-of-pre-jesus-bethlehem
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تزوير مسيحية يسوع – 23
-
تزوير مسيحية يسوع – 22
-
تزوير مسيحية يسوع – 21
-
تزوير مسيحية يسوع – 20
-
تزوير مسيحية يسوع – 19
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الأول
-
تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الأول
-
تزوير مسيحية يسوع - 16
-
تزوير مسيحية يسوع - 15
-
تزوير مسيحية يسوع - 14
-
تزوير مسيحية يسوع - 13
-
تزوير مسيحية يسوع - 12
-
تزوير مسيحية يسوع - 11
-
تزوير مسيحية يسوع - 10
-
تزوير مسيحية يسوع - 9
-
تزوير مسيحية يسوع - 8
-
تزوير مسيحية يسوع - 7
-
تزوير مسيحية يسوع - 6
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|