أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - تحت سماء محايدة














المزيد.....

تحت سماء محايدة


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 06:22
المحور: الادب والفن
    


• قصة قصيرة ... ___ تحت سماء محايدة .. ___

** .. كانت الدموع تهمي غزيرة من عينيَّ .. فيلوح ليّ أخي الميّت كأنه يغرق في ضباب , وأمّي كانت كطيف غائم , يتراءى ليّ من بعيد .. كان بيننا جدار مهوّل من الألم والضباب والخوف . ولما مسحت الدمع عن عيوني , تبدّد الضباب .. فبانت ملامح امّي , كتلة ضامرة متلفعة باسمال سود . كتلة متشكّلة من الجوع والدموع واليأس , ترتعش تحت سماء واطئة متماسكة مغلقة محايدة !! ترتعش وهي ترى إلى الحطام الذي صاره اخي ! .. ترى إلى تلك الجثة المفروشة بكامل صمتها وخرابها ..الجثّة التي كانت قبل الآن اخي . .. لم تعد ترى غير ذلك الرميم , الرميم الذي كان أبّنها وهو يلاحقها بعينين منطفئتين أو ثقبين حفر فيهما الظلام عميقا . كان يبادلها النظرات الميّتة فتزداد موتا اكثر من الميّت !! فتشرع يديها لسماء وهي تطلق صراخا ملتاعا يتمدّد في الهواء .. لم استطع ملاحقة انهيارها , فقد غدت اقرب ما تكون الى كتلة من الشمع تذوب سريعا تحت حرارة الحزن القاسي . لم ارها بوضوح , كانت ارهاط من البشرتحجبها عني .. ارهاط من النساء الملّفوفات بالسواد المشكّلات عبر زحامهنَّ جدار من الاكتظاظ . . ومن بعيد عبر الزحام لمحت أبي , يقتفي اثر امّي في الزحام , ينزلق ثقيلا بين الابدان بلحيته النافر وردائه الرث الطويل , لم يرني ,كنت متجمّد هناك ساندا ظهري إلى الحائط البعيد , مستغرقا في فاصل طويل من البكاء واللوعة . . كان اخي الميّت ما يزال ممدودا بكامل صمته وخرابه وقامته المديّد التي اتّلفها الرصاص , رصاص المسدس الكاتم الذي نخلها نخلا ورصّعها بالثقوب , لما لمحت اميّ تهوي فوق صدره المترع بالثقوب , تهوي بكامل كتفيّها المتهدّلتين الشائختين , فيما كان شعرها الناصع بالبياض ينسفح في الريح واصابع يدها الرخية تجوس في المساحة المشوّهة المحفورة بثقوب رصاص الاغتيال , كان وجهها يغطي مساحة مروّعة من تلك الثقوب المدماة .. ولما امتدت اليها الايادي لأنتزاعها او فك التحامها بالجثة , اطلقة صرخة مريعة تنضح عذابا ورثاءا ولوعة , فازداد التحامها بالجثة __. كم كانت تبدو شقية في تلك اللحظة المفعمة برائحة الموت والذكرى __ ... لم افطن إلى جدّتي وهي تهبط بيدها برفق على كتف امّي الا في وقت متأخر , تطلب اليها : انّ تدع الجثة , ولكن امّي كانت في دنيا أخرى , ذاهلة عن كلّ مايحيطها , تغط في مجرى عميق من اليأس والحزن واللاجدوى .. رأيت أبي يشق طريقه المحفوف بالزحام صوب امّي , رأيته يقودها برفق من يدها , فيما كان صراخها يتحوّل على نحو غامض إلى عواء يتصاعد في الهواء الثقيل . . عواء اشعر كما لو انه يتدفق من الجثة ! .. وبينما انا مستغرق في الانصات لعواء الجثة المتخيّل . لمحت امّي تجري بمنأى عن ابي . كأنها تعدو بلا خطوات ! فيما كان ابي يرى اليها وكأنه يراها من بعيد , دون انّ يقوى على اللحاق بها , وهي تركض كانت تمدّ يدها الى السماء , وفي اثرها تتصاعد فتائل غبار تهمي على عينيها فيشتد ركضها المنهك فتشد على قامتها وتدور دورات شائخة مهدودة تقودها ناحية الجثة وهناك ترتمي بكامل خوائها وما لبث انّ عاد ابي واقفا فوق رأسها , يتحين فرصة اقل تعاسة وقسوة وعواء , كي ينتزعها او يقودها بعيدا عن الجثة , .. تلك الجثة المشوّهة التي قذفوها في لحظة ما , شديدة الرعب ,من بدن سيارة مظلّلة وفروا مسرعين بلثاماتهم السود , تركوا الجثة على مقربة من باب البيت الخارجي , لم يفطن احد اليهم في بادىء الامر , كانت لحظة مروعة صادمة .. كنت في تلك اللحظة العصيبة اغط في النوم ,.. لما تناهى لسمعي صراخ امّي .. كان صراخا مرعبا يتصاعد لاذعا في فضاء من الصمت .. صراخ كانه يتدفق من الجدران والريح والجيران والنوافذ !! .. لم ارَ في اوّل الامر الثقوب ولكن لما بت على مقربة من الجثة .. يا للهول لاحت لعيني ذلك التشويّه المهول , وفي لحظة شديدة اليأس شعرت اني لا املك انّ افعل شيئا سوى انّ ابقى احملق ذاهلا مأخوذا ..فجعلت ارى إلى أبي وانا ساند ظهري للحائط مسمّرا لا ابدي حراكا , في اثره جدّتي تمشي بخطوات خاملة , ترفل بعبائتها الرثة الفضفاضة المتهدلة على كتفيّها الشائخين الرخويّن , اسمعها تهتف بنبرة فاترة وهي تمدّ يدها لأمّي , امّي المشغولة للغاية , مشغولة بما حدث وبما سيحدث .. تشيح بوجهها عن وجه جدّتي , تشيح عن كلّ الوجوه الا وجه اخي الغارق في مجرى مهوّل من الصمت والثقوب والتشّويه , كان ابي في تلك اللحظات الجنائزية يغالب احزانه والدموع التي جعلت تلتمع وقوره عزيزة في رموشه ... ولكن اي دموع بوسعها انّ تعبر عما يجيش في روح ابي . اي قوّة تستطيع انّ تنسيه تلك اللحظة الغامضة المخيفة لتي رأى فيها اخي جثة مشوّهة مقذوفة على مقربة من باب الدار انتهت /



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطفولة ليست بريئة دائما
- كلهم سيهربون
- نزوح صوب مرافىء الجوع والتيه


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - تحت سماء محايدة