طلال الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 4362 - 2014 / 2 / 11 - 13:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدين أفيون الشعوب , والدليل : "ما بدار ال.. غير البريج والشربة"
طلال الصالحي
"الشربة" باللهجة الجنوبيّة .. ذلك الوعاء الفخاريّ االتمّوزيّ البارد المُبرِّد كشكل مجرّد لصبيّة سومريّة تمسك بكلتا يديها آنية فوق رأسها , واصطلاح "شربة" من "شربة ماء" وتعني رشفة ماء صغيرة تعبر "الزردوم" شرط عدم ملامسة شفاه حاشية فوّهتها شفاه العَطِش , كما وهي رمز عراقي شرقي عصيّ على الإلغاء مهما تقدّمت تكنولوجيا التبريد التي برع فيها الغرب بحكم تأمّلاتهم العميقة في الصناعة الطبيعيّة للثلوج , يُقال أنّ مهد الشربة ومكان لادتها العراق , لا نريد إرجاع أصول أيّ قديم لبلاد وادي الرافدين فندخل الانحياز أو العشوائيّة , لكنّ رياح السموم التمّوزيّة وشمسه الحارقة في العراق لمن عاشها تنقلب إلى ماء "جلّاب" منعش ما أن تلامس السموم سطح هذا الإناء الجلجامشي السحريّ الّذي وضع فيه جلجامش إكسير الخلود في رحلته الملحميّة وذلك وحده ما يُرجّح صحّة ما ذهبنا إليه , ليس وحده بل "الحِبّ" كذلك , هل شرِبَ أحدكم شربة ماء من حِبّ تحت شجرة تين وارفة ملاصقة لضفاف الفرات في عزّ عموديّة شمس تمّوزيّة عند استدارة هذا النهر الخالد عند منطقة "البغدادي" قرب "هيت" يرتشف من الحِبّ ب"كوز" مقيّر بقير بابلي؟ , كافية "شربةً" منه دبّ الانتعاش في أوصال عَطِش شارفه الموت , لذلك دخلت هذه الحافظات الفخاريّة بين ثنايا الحكايات الشعبيّة العراقيّة تُشعرك بما لا استغناء عنها ولو كنت أشدّ الناس حاجةً وعوًزاً وفاقة , و"القحبة" أو ما يُطلق عليها بائعة الهوى , والقحبة مشهور عنها فقرها الدائم وعوزها وبأشدّ من عوز لاعب القمار أو المراهن على "الرايسز" , فعند دخول أيّ متطفّل بيت عاهرة سيجد صحّة ما تتوارد الأنباء عن بيتها , خالٍ تماماً من أيّ نوع أثاث كمالي أو خدمي , حتّى موقد نار لا يُوجد في بيتها ! فقط "الشربة" و .. وآسف أن انطقها ؛ و "البريج" إناء الاغتسال من النجس "ولا حياء في الدين" ..
في العراق .. المباني , وهي البنى التحتيّة الإنشائيّة الوحيدة الّتي سلمت من النهب بعد الغزو , لولا صعوبة اقتلاعها لبيعت بأبخس الأسعار كالّتي بيعت من أسلاك نحاسيّة وأعمدة كهربائيّة و"شفلات" وبقيّة الآليّات الخدميّة بمختلف أحجامها وصنوفها وأسلحة الجيش بمختلف وظائفها والّتي كلّفت أكثر من 20 تريليون من الدولارات لوحدها بيعت بتراب الفلوس كما يُقال من قبل عراقيّين كُورد لو استطاعوا اقتلاع تلك المباني لفعلوا , إنّه المُبيّت من تفريغ العراق من جميع أسباب نهوضه وتقدّمه .. يا سيّدي حتّى التسعون طائرة الحربيّة المؤتمنة بِقَسَم إيمان مُغلّظ أمام الله وعلى مصحفه الكريم بين طرفين سبق واتّفقا على وقف الحرب بينهما طرف علماني دكتاتوري وطرف مؤمن خاشع عابد زاهد يخاف الله خوفة الحيّة كما يُقال , يعني الديكتاتوري أئتمن "البزّون" الورع التقيّ وعلى أرضه الإسلاميّة "شحمة"! أودعوها عند أكثر الناس قرباً لأخلاق آل البيت سلوكاً ونهجاً .. هؤلاء الجوقة من طيور الجنّة وزرازيرها سوف لن يُعيدوا تلك الطائرات الّتي بذمّتهم النقيّة البيضاء ولن "يعطوها" حتّى لمن "لا يريد أن يعطيها" ! رغم انّ العاطي والمُعطي وبفضل شيطانهما الأكبر , كليهما اليوم "ط .. بفدّ لباس !" ..
من شاءت الأقدار دخوله دار مُدمن مخدّرات أفيون سيتبادر إلى ذهنه فوراً دار بائعة الهوى ذاك , و "المدمن" لا يعجبه دخول عالمنا هذا بل عالم افتراضي لا علاقة لوجوده بوجودنا وما يوصله إلى ذلك العالم ويطيب البقاء في افتراضه إلاّ بتعاطيه "مطمئنات" ما أن ينتهي مفعولها حتّى يدخله مرّةً أخرى بتعاطي آخر وهكذا إلى أن يبيع آخر ما في داره حتّى "البريج" والشربة لن يسلما !.. فالمخدّر أنواع كما هو معلوم , مادّي و "فكري" والفكري أشدّ فتكاً من الأوّل , فالأوّل "المادّي" يتعاطاه فرد قد ينتقل لآخر لكنّه يبقى محدود الانتشار , فالعرب قبل الاسلام قبل تحريم الكحول كان لا يتعاطاه إلاّ البعض منهم أغلبهم أغنياء أو "مزاجيّون" وهم قلّة من المجتمع , والكثير من أصدقاء الرسول قبل البعثة اشتهر عنهم عدم تعاطيهم الكحول , فشبيه الشيء منجذب إليه , ومجتمعاتنا هذه , فيها جاهليّة غالبة , لكنّ أفرادها بغالبيّتهم لا يتعاطون الكحول , إذ ليس شرطاً الاقبال عليه في مجتمعات مثل هذه , "والحشيشة" مثالاً , فرغم رواجها بعد الغزو في العراق لكنّ الناس تعافها فيبقى محصوراً عند فئة معيّنة , يعني لا توجد رغبة اجتماعيّة لا قبل الاسلام ولا بعده في الاقبال على المخدّرات المادّيّة "كحول أو مخدّرات أي ليس كما يتصوّر البعض , فقط الاقبال على "الأساطير" قبل الإسلام أشهر من كان "يسطّرها عند الكعبة النظر بن الحارث" , ورواتها بعد الإسلام ما شاء الله ! ..
الأفيون ليس مخدّراً للفقراء بل للأغنياء تغريباً عن واقعهم نحو واقع افتراضي لكنه يبقى من ضمن حيز دنيانا هذه , مخدر الفقراء الأخطر على الإنسان من النوع الأوّل , ينقل متعاطيه "مستمعو الأساطير" الى عالم أبعد من عالم مدمن المخدّرات الافتراضي , إنّه العالم الآخر أي عالم الأموات ! فالّذي يتعاطاه قبل الاسلام , وبعده أخطر بكثير من تلك الّتي تُكلّف كلفاً مادّيّة عالية لن يصمد أمامها حتّى الابريج والشربة , فتلك تنقله إلى عالم "وردي" لكنّه يبقى دنيوي , فقط "افتراضي" , أمّا الأفيون الثاني الّذي وصفه التنويريين الاشتراكيين في عصر التحالف الكنسي القيصري بأفيون الشعوب , فخطره ما بات يرى أعراضه ونتائجه الجميع , فمدمنوه لا يتحسّسون خسائره مهما فحشت "فهي في سبيل اليوم الآخر في سبيل الله لا في سبيل مكاسبهم!" بحسب التحريف المخدّر بأساطير المعمّمون , ذلك أنّ الّذي يمكن للإنسان من لا يعجبه عالمه هذا تعاطيه الصنف المادّي , كما وليست فقط أصناف المخدّرات بل "الكلام الجميل" وإن احتوى "كذب أبيض" هو الآخر مخدّر لكنّه مخدّر لحظي منعش مؤقّت يحتاجه الانسان بين حين وآخر لتسهيل عمليّة "هضم المصاعب الحياتيّة" في بعض الأحيان عبر أغاني ومواويل الخ , لكنّ الغلوّ فيه وتلوّن كذبه بألوان أخرى تحدّد بفرشاته عوالم أخرى بعيدة عن عوالمنا , "الجنّة" أبرزها , ومحاولة تجييرها لفئات تتاجر بها , يبيعون عقارها بأساليب مخادعة , يستنزفون أدمغتهم مقدّما بأوصاف تلامس أوتار الجوع والجهل .. من يدخل دار "المفتي "الزاهد العابد التقيّ الورع" سوف لن يجد في داره سوى "البريج والشربة" .. بلّغوني ؟ هل تنازل إنسان شريف عن حقّه ما طال الزمن ؟ .. انظروا الغرب الّذي لا يُعجب هؤلاء "المستسقيّون" باستحلاب الدين من عرق الفقراء الجهّال ؛ بحرب عالميّتين اثنتين راح ضحيّتهما أكثر من خمسين مليون أوروبّي لأجل "استحقاقات" كلّ برقبة الآخر لم يوفّها له لجأ إلى القوّة بعدما يأس من السياسة ! بل وتوجد حرب كونيّة أخرى محتملة أتعس إن لم يعيدوا اعتبار "محور الشرّ" بقيادة ألمانيا ! ويعيدوا لها استحقاقاتها الّتي أجحفت باتّفاقيّتي فرساي وعن إذلال استسلامها الغير مشروط في الحرب الثانية .. أينهم دعاة شيعة علي : "ما ضاع حقّ وراءه مطالب ؟, أين نحن من هؤلاء القوم الّذين لم يهربوا بالأساطير لاستعادة الحقوق ! .. فهل التسعين طائرة قتاليّة مودعة لدى إيران المؤمنة استحقاق إيراني وفق العقل المُستسقي اللاأخلاقي يا أتباع الحسين كما تدّعون يامن هيهات تنامون على الذلّة , وغيرها وغيرها , هل تريدون العراق خالٍ من أيّ مظهر حضاري باسم هذا الدين اللعين "حفّ الشاربين" والهريسة وعبادة الطقوس "بحيلة تقديسها" , وتتركون الأصل من الدين ؛ استرجاع الحقوق , أنريد عراق "فندق" عراق لا يحتوي سوى البريج والشربة !؟ ..
#طلال_الصالحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟