|
وداعا جورج حاوي ! 3 من 3
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 1239 - 2005 / 6 / 25 - 15:39
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
كنت في موسكو عام 1989 ، حين كان الأتحاد السوفيتي العملاق يموج بتغييرات هائلة كانت تهزّ العالم وتهزّ الأصدقاء قبل الأعداء، وكانت تكشف انواع الشخصيات والتجمعات ؛ مخلصة، علمية، انتهازية، نفعية ومعادية، اضافة الى المدّعية والعارفة او تصوّرت نفسها عارفة . . اضافة الى الحالمين المتنوعين، من الذين تصوّروا الغرب جنّة مفتوحة، الى الآخرين الذين انتظروا جمعية خيرية ما ستغطي نفقات سفرهم في رحلات مجانية حول العالم ! . . الى مهرجان الديمقراطية وشعرائها وخطبائها شبه الدائم في ساحة " بوشكين " الذي تحوّل بعدئذ الى مهرجان يومي صاخب، بشكل طابور انتظار، بمناسبة افتتاح محل لسندويتشات " مكدونالد ". . . ومن مهرجان شارع " أربات " وتزايد السكيّرين في الشوارع المحيطة وهتافات بحياة الدولار نهاراً . . الى هتافات كانت تتصاعد بشكل شبه مستمر ليلاً، من مجاميع ضمّت فقراءأً وسكّيرين كهول تجمّعوا او تنقّلوا في محطات المترو، وفي الساحات العامة كانوا يسبّون غورباجوف ويهتفون بحياة ستالين ! كان القلق ومحاولة معرفة حقائق ما كان يدور، يلّف النشطاء من اكثر من بلد عربي، الذين كانوا يحرصون على لقاء بعضهم بعضاً وعلى تبادل آخر الأخبار والتصورات عن آفاق منطقتنا الشرق اوسطية وكيف ستكون وكيف وكيف . . بعد ان هزّتنا كثير من الأمور والحقائق من بين سيول هائلة من الأكاذيب . . كان من ابرز الحقائق، الندوة التي عقدتها اللجنة الأقتصادية المركزية للحزب والدولة السوفيتية، حين قال مسؤولها صادماً الحضور بان لااحد في اللجنة العليا درس كتاب " رأس المال " لماركس يوماً !! وايّده الحاضرون بقولهم انهم اعتمدوا بذلك على ملخصات لعدد من مساعديهم؟ ! اضافة الى ما اعلنته اللجنة العسكرية العليا للدولة في ندوتها في معهد العلوم الأجتماعية، بان الأتحاد السوفيتي بسياسته الماضية اصبح يمتلك قدرات تدميرية اكثر من اللزوم، كانت تكفي لتدمير الولايات المتحدة الأميركية اربعمائة مرة !! بسبب جهود الأستعداد العسكري وما اشاعه التخوّف من هجوم محتمل علينا . . كلّفت شعوبنا تريليونات فلكية من العملات الصعبة، وكانت السبب في افلاس خزينة الدولة (1) !! . . الأمر الذي دلل على ان انهيار الأتحاد السوفيتي لم يكن بفعل عوامل داخلية فقط، وانما بسبب تصعيد سباق التسلّح الدولي والحرب السايكولوجية وغيرها، من العوامل الخارجية في ساحات الصراع بين القطبين الأعظمين . كان المناضلون اللبنانيون يعكسون في نقاشاتهم وتققيماتهم المتنوعة، وجود فسحة من الحرية والتنوّع داخل حزبهم، ساعدت وتساعد على احتواء المتغيرات العالمية الجديدة وتأثيرها في بلدهم، التي لم تكن لدينا على سبيل المثال . . عللها بعضنا، انها كانت بسبب القمع والأرهاب ومخاطر الأندساس، فيما اعتقد بعض آخر، انها بسبب طبيعة المجتمع ودرجته الحضارية وموروثه ووليده المتطرّف، التي قد لاشكّ في منطقيّتهما، فيما سايرها بعض آخر بحكم العادة او بايمان . . ولكن قد لم يخطر على بالنا امكانية " الوحدة في التنوّع " التي تزيد القدرات الذاتية من جهة، وتقرّب اكثر للواقع وتجمعاته الجادة، ونحو اغنائه وتطويره بمعارف وحاجات جديدة من جهة . . وتساهم في خلق التطوّر التدريجي والحضاري في بلد تكالبت عليه قوى النفط والمال والعسكرتاريا، وازدادت تكالباً . . في الظروف الجديدة خاصة، من جهة أخرى . وفيما اهتم المناضلون اللبنانيون بالثقافة والمعرفة، وفرّغوا عدداً غير قليل من كادرهم لذلك، فناقشوا وغاصوا وبحثوا عماّ يمكن ان يلاقي مكوّنات البلد ببعضها، من اجل نهضته وتمدنه، فانهم اضافة الى الشهداء حسين مروّة وتلميذه مهدي عامل اللذين عملا وبحثا في المشروع الأسلامي والأجتماعي، وآخرين، يأتي الشهيد حاوي في بحثه وتطبيقه في المشروع القومي التحرري . . في اطار محاولة لأيجاد ارضية مشتركة للنضال معاً في المرحلة الحالية الشديدة الحساسية، ومن اجل برنامج واسع يتسع لأبناء البلد على اختلافهم . . ورغم مايشير البعض الى مارافق ذلك من اخطاء، الاّ انه وباتفاق غالبية المطلعين والمتابعين وما دللته " انتفاضة الأستقلال " وعملية الأنتخابات . . كان نهجاً قوىّ من تثبيت اليسار الديمقراطي على اساس الوحدة في التنوّع من جهة، وتفعيله من جهة اخرى، في مسيرة المجتمع نحو مرحلة اكثر تقدّماً من الحضارة والتمدن والتقدّم الأجتماعي، في ظروف الواقع اللبناني . . . . . في مساء شتائي عام 2002 اتّصل بي صديق عزيز من قدامى المناضلين واخبرني بوجود المناضل " جورج حاوي " في المدينة التي كنت فيها، واخبرني عن رغبته بلقائنا كعراقيين من اليسار الديمقراطي والشيوعي . . وقد لبيّت الدعوة . التقيت الشهيد حاوي بعد مرور اثنين وثلاثين عاماً على لقائنا الأول آنف الذكر، في اطراف صور . . تصافحنا وتعانقنا بحرارة، وكنت اراه على مظهره الوسيم وهدوئه وابتسامته، لم تؤثّر عليه السنين والأحداث، ولم يؤثّر عليه ميله الى البدانة مع تقدّم العمر، رغم الشيب الذي كان يبدو اكثر وضوحاًً . . من امور نعاني منها جميعاً . كان ذلك في بيت لعائلة لبنانية، وكان معنا عدد من الضيوف من الوجوه اللبنانية والفلسطينية وآخرين . بعد تبادل كلمات الترحيب والمجاملة، دخلنا في موضوع الساعة، موضوع تفاقم مخاطر اندلاع الحرب على صداّم، التي استعرض فيها الشهيد عدد من النشاطات المتنوّعة من اجل عدم اندلاعها وحل المشاكل دون اللجوء اليها، وعبّر عن قلقه من ان الحرب اذا اندلعت في المنطقة فانها لن تنتهي بسهولة، على ضوء الموقف من السياسات الأميركية والأسرائيلية في المنطقة طيلة عقود مضت، اضافة الى انعكاسات اندلاع الحرب، التي ستؤديّ الى تغييرات كثيرة قد تكون غير محسوبة، او تغييرات قد لامجال فيها لمشاركة القوى الوطنية بوضعها وخطابها في دول المنطقة . . الأمر الذي يستدعي تحرّك لتقريب وجهات نظر مختلف قوى المنطقة من اجل تفعيل المواقف والمصالح الوطنية . ومن جانبنا فقد اشرنا الى مواقف عدد من القوى العراقية ضد الحرب وخاصة الحزب الشيوعي، حزب الدعوة الأسلامية وغيرها، وان قوى معارضة صدام باطيافها عموماً تزداد حرجاً بمواقف صدام المتعنّتة من قرارات المنظمات الدولية، اضافة الى محاولاته لأقلمة الحرب، ودعمه للعمليات الأنتحارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتوسيع رقعة الحرب اذا اندلعت . . وان ظلم صدام وجوره وفتح البلاد وثرواتها لأنواع الطامعين، واستعداده اللامبالي بآلام شعبه ودماره، للقيام بكل شئ لفتح البلاد على مصراعيها لأنواع الطامعين . . جعل الشعب العراقي المجوّع والمحطّم يكرهه وسيفرح لسقوطه، واعرب البعض عن، ان الناس لن تدافع عن صدام بعد ان اذاقها تلك العذابات . . لقد اوصل الناس بظلمه ووحشيته الى حالات مؤلمة من اللاأبالية من القادم، وادىّ بسياسة حافة الهاوية التي كان يتّبعها، وبمقولته الكريهة " ازمة اشتديّ، تنفرجي "، الى سدّ طرق التغيير بعد ان تبددت وتتبدد اموال المنطقة على حماية كراسي زعامات وحاشيات، ولاتنتج الاّ التطرف والأرهاب . كان الشهيد يبحث عن سبل تشكيل الموقف الوطني الجديد في المنطقة، وعن سبل تقارب وتوافق اطرافه بالأرتفاع على الحساسيات والعقد القديمة . . على ضوء التغييرات العالمية وتأثيراتها في المنطقة، والتطورات اليومية الحثيثة، ومن اجل بنائه على اساس التقدم والمدنية والعلمانية، ووحدة الموقف الوطني بعيداً عن التمزّق الديني والطائفي، من اجل تكوين اسس للتوصّل الى نظام اقليمي وبالتالي عالمي يقوم على اساس المنافع المتبادلة، بعيداً عن القهر والحروب . وتطوّرت الأحاديث الى تصوراته بعد التطورات العاصفة عن النظرية الماركسية ومدى حيويتها وعن قناعاته . . عبّر الشهيد حاوي بهدوئه وتمهله في الأجابة، في تلك الجلسة الودية، عن تمسكه بخياره الفكري اليساري الديمقراطي المادي، وعن اعتقاده بان النقص يكمن في النظرية ذاتها، وان ذلك النقص هو الذي ادىّ الى النواقص والأخطاء في التطبيق، وان الموضوع يتطلّب وقتاً وشيئاً من الهدوء لتحديد وصياغة ذلك . وفي الوقت الذي لايسع المرء فيه، الاّ التعبير عن الألم والحزن لخسارة الشهيد " جورج حاوي " ، احد القادة البارزين لليسار الديمقراطي في الدول العربية، فأنه لايسعه الاّ التعبير عن الثقة بامكانية توصّل جهود الساعين الى التجديد والديمقراطية والتقدم الأجتمـــــــــــاعي في عالمنا العربي الى نجاحات جديدة !
24 / 6 / 2005 ، مهند البراك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) اشار الى ذلك بتفاصيل، زيغنيو بيرجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، الذي نشره في كتابه " العالم بين قطبين " .
#مهند_البراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعا جورج حاوي ! 2 من 3
-
وداعا جورج حاوي ! 1 من 3
-
المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟! ـ 3 ـ
-
المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟! ـ 2 ـ
-
المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟! ـ 1 ـ
-
عن الأحزاب وحركة المجتمع . . والعولمة !
-
صدام بين المحاكمة وقضية الواقع الدامي !
-
في عيد ربيع الطلبة !
-
ذكريات عن يوم السباع الخالد في - الصدور- !
-
طلبة البصرة والنضال ضد ملامح الأستبداد الجديد !
-
- بحزاني - على ابواب عام جديد !
-
ماذا يكمن في الصراع حول حقوق المرأة ؟
-
من اجل حكم تعددي ودستور مدني في العراق!
-
- قانون ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية والجمعية الوطنية الأ
...
-
- قانون ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية والجمعية الوطنية الأ
...
-
الأنتخابات عيد البداية الواعدة !
-
نعم لقائمة - اتحاد الشعب- الأنتخابية !
-
من اجل التوافق لمواجهة الواقع العراقي ! 2 من 2
-
من اجل التوافق لمواجهة الواقع العراقي ! 1 من 2
-
وحدة قوى التيار الديمقراطي دعامة اساسية لعراق فدرالي موحد !
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|