حيدر حسين سويري
الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 00:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هاجس البحث عن الخلود
*******************
لطالما حَلُمَ الإنسان وتمنى ، في أولويات وجوده ، أن يكون خالداً لا يفنى ، وأراد أن يقهر الموت الذي لم يكن يفهم له معنى ، فسعى.... إلى من ظن أنه عدوه الذي يحرمهُ الحياة ويسلبها منهُ كرها ، ليقتله قبل أن يصل إليه ؛ وسعى... من جهة أخرى ...... إلى الذي ظن انه يمنحه الحياة ، ليستأ زر به ، وظنه المنجى ........
ولما رأى .. من الطبيعة من حوله .. ما رأى ، قدرة لا تجارى ، وصواعق ورعد وأخرى ، علم بأنه عاجز بكل ما آتى ، من قوة وحول فلا منجى ، فاستسلم طبقا لما رأى.......
ثم خاف .. وبدا يخشى .. فجعل من الطبيعة القوة الكبرى ، فسّخر نفسه عبداً لها .. كلً أو جزءا ، فآله للخير وآله للشر, وماء وتراب وشمس وقمر و نار تصلى ، وابتكر طقوسا وتعويذات جما ، فترنم وتغنى ، وأوجس خيفة فافتدى ، بذبح عزيز ، وسفك دماء ، لعلها ترضى ، فسلب الحياة وهو يطلبها ، فانتكس وتردى ، وتأكد من انه ليس يقوى ، على أن يكون خالداً ......... وسيفنى .
تخبرنا الأساطير والحكاوى ، إن هنالك من تمرد و طغى ، ثم سعى.... ليقهر قانون الدنيا ، فلجأ إلى الطبيعة مرة أخرى ، واستنجد بها عساها إن تجد له ترياق الأبدية ، فها هو "كالكامش" وصديقه "انكي دو" وأسطورتهما المشهورة و"الفراعنة" وغيرهم ؛ عبدوها وهي صماء بكماء ، لا ترد لهم جواباً، و لا تملك لهم ضرا أو نفعا .......
ولكن من الغريب أن نجد هاجس وعملية البحث عن الخلود اخترقت جدران الديانات السماوية ، وكتبها المقدسة !! ، وإذا كنا نستطيع أن نشكك في بعض هذه الكتب المقدسة فإننا كمسلمين قطعا لا نستطيع التشكيك في القرآن الكريم ﴿-;- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9] ﴾-;- وقوله تعالى ﴿-;- لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت : 42] ﴾-;- ........
فهذا نبي الله ادم "ع" يخبرنا القران الكريم عنه أنه أول البشر وأبو البشر ، جعله الله "عزوجل" خليفته في الأرض ﴿-;-وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة : 30] ﴾-;- وأدخله الجنة ﴿-;- وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [البقرة : 35] ﴾-;- ، ووعده الله "عزوجل" ﴿-;- إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [طه : 118-119] ﴾-;- ، ونبهه إلى عدوه الذي رفض تعظيم الله "عزوجل" لآدم "ع" بالسجود ﴿-;- وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه : 116-117] ﴾-;- ، ولكن رغم هذا العطاء الكبير ، والتحذير الخطير نجد أن عدوه وصل إليه و لزوجه ﴿-;- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ [البقرة : 36] ﴾-;- ، مستغلا ((انتباه رجاءاً )) فكرة الخلود ومتكأ عليها ﴿-;- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف : 20-21] ﴾-;- و بالنتيجة ﴿-;- فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه : 121] ﴾-;- .......
فاتجاه ادم "ع" إلى الطبيعة لحل المسالة أوقعه ، وكانت الطامة الكبرى ، ولم تمنحه الطبيعة الخلود ، بل أعطته المشقة والتعب ، والكد والنكد..... والأعداء وكثير بلاء ...... ﴿-;- ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه : 122] ﴾-;- .... لكن ﴿-;- وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه : 115] ﴾-;- ...وهنا مفارقة كبيرة أتجنب ذكرها ، لعل مضرتها أكثر من نفعها أو إن لها وقتها ، فإذا حان حينها أخبرتكم خبرها......
والملك الصالح (ذو القرنين) الذي جعل له ربه ، من كل شي سببا ، ﴿-;- فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾-;- ، وبلغ مغرب الشمس، ﴿-;- فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾-;- وبلغ مطلع الشمس ﴿-;- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ﴾-;- ؛ تخبرنا الروايات إن هذا الملك كان يبحث عن ماء الحياة ، وعين ماء الخلود ، وعند وصوله قريباً من المكان المحدد ، تعددت الاتجاهات و الطرق ، فبعث من رجالاته في كل طريق منهم نفرا ، فلم يجدوا شيئا ، فاكتشف الحكمة وتخلى ..
فكانت الحكمة التي اكتشفها وجعل الحكماء منها تعليلا لذلك هي : " إن الذي نستشفه من الروايات والحكاوى ، إن الإنسان خالد بعمله لا بجسمه وتراكيبه الصغرى " . فهل ترك الإنسان بحثه عن الخلود الجسمي ، يا ترى ؟؟؟!!!
لم يتوقف الإنسان أبداً ، ولن يتوقف ؛ وكأن المسالة تعلقت بفطرته ، فهو يعود عبر موجات التاريخ المتلاطمة ، ليبتكر وسيلة له أو سلوى ، من حيث يشعر أو لا يشعر ، فها هو الطب الحديث ، يبتكر أنواعا من العلاجات ، ويجري الكثير من العمليات ، ليتمكن من أن يمد عمر الإنسان ، لأطول فترة ممكنة ، ولو للحظات حتى .......
وهذا تعبير يوضح أنهم موقنون بالموت ..... لكن عندما نتجه إلى الواقع العملي لديهم نجدهم يبحثون ويفتشون عن الخلود ... سواء من الطبيعة أو ما وراءها ...... المؤمن منهم والملحد على حد سوى .... ويجدون لهم تعاليل كثيرة ونظريات أكثر ...... ولكن دون جدوى ..... لحد ألان ؛ والكلام يطول ...... والبحث سيبقى .........
والسؤال : هل يوجد " خالدون " جسمانياً ؟ ومن هم إن وجدوا ؟ ........ لعـلي (فيما بعد) اُحـدث لكم منه ذكرا......
#حيدر_حسين_سويري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟