|
جنيف2 وانعدام الأفق
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4357 - 2014 / 2 / 6 - 11:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إبراهيم اليوسف الإعلان عن نظام الجولات الحوارية، ضمن مؤتمرجنيف2، كمحاولة للخروج من المأزق، أحد أشكال التنصل من إعلان نعوة هذا المؤتمرالذي يعني قبل كل شيء، دقّ المسمارالأخيرفي نعش"تضامن الأسرة الدولية"، لئلا تكون هناك سلسلة جنيفية بأرقام، متناسلة، ضمن متوالية موازية لسيل الدماء الهادر، الذي لم يتوقف حتى أثناء فترة المفاوضات، حيث كان شريط ضحايا قصف النظام يظهر، أسفل التغطية المباشرة للمؤتمر، بل إن عويل الأطفال المحاصرين في حمص، لم يكن ليسترعي انتباه ممثلي القطبين الدوليين، الأمريكي الذي حاول إعطاء دورلشريكه، النقيض، ضمن لعبة دولية، وشريكه المقامر، وهويجرب نرده، مرة أخرى، بعد حوالي ربع قرن من ابتعاده عن ممارسة الدورالسياسي الدولي، في الوقت الذي يدرك كل متبصر، أن مايجري الآن، ماكان ليصل إلى ما انتهت إليه الأمور، لو أن في نية أولي الأمرالأمريكيين، وضع حد لمايجري، بل أن ظهورالروس، على المسرح السوري، بأساطيل أسلحتهم، وخبرائهم، وفيتواتهم المتلاحقة،و المتلاقحة ، مع الصين، ماكانت لتظهر لولا أن ذلك يتساوق مع مخطط، استراتيجي، بعيد المدى، يعرف السوريون أبعاده، وآماده، عن كثب. قبل كل شيء، إن من بدأ الثورة السورية، بعيداً عن محطات المرورالإجباري التي فاجأتها، ككوابح، وكواسح، ومدمرات، وفق إرادات"الريمونت كونترول" الأممي، وضع نصب عينيه جملة أهداف، وفي مطلعها: حرية وكرامة شعبه، وأنه قدعلم بعد معايشة أربعة عقود، أن وجود استمرار النظام الفاسد، بأركانه، كافة، يتناقض مع هذه الأهداف، ما يعني أن ماهو مرجو من الحوارليس إلا سعي من أجل استمرارالأسد، على سدة الكرسي، المغتصَب، وفق تواطؤ، ومؤامرة، من قبل النظام الأخطبوطي، وأدواته، تحت قبة مايسمى ب"مجلس الشعب" في العام2000، عقب أيام معدودات - فقط من موت حافظ الأسد- وهومرفوض، ولايمكن أن يكون ضمن فضاء أيِّ حوارسياسي، افتراضي، أو واقعي. هذه الرؤية كانت شعارالنوى الثورية التي أشعلت الثورة، وقد فرضت نفسها، على الواجهة الرئيسة في المعارضة السورية"المجلس الوطني السوري"- كمجسد للشرعية ضمن أمد محدد- وهوالذي انضمَّ إلى الائتلاف، بعد لأي" حيث سأتعرض له في وقفة أخرى" ثم اختلف معه- في موضوع الحوارالجنيفي، مرافعاً عما تبقى من مصداقيته، حيث أن أية خطوة من قبل أي واجهة معارضة، لايمكن أن تأتي إلا بالتناسب مع واقع مايجري- ميدانياً- ووفق مصلحة من انبثقت عنهم الثورة، وكانوا وقودها، رغم أنه لم يكن في بال أحد منهم أن يترتب على النداء السلمي بمطالبة- مجموعة إصلاحات حقيقية- كل هذا الإرث، المتفاقم، من الدم الذي يمتد على شريط زمانيٍّ تجاوز، حتى الآن، الثلاثين شهراً. ثمَّة خطاب منافق، متناقض، أعلن عنه القائمون على مفاوضات جنيف، عشية إطلاقها، من أجل استدراج الطرفين إلى فخاخهم، بغرض الحفاظ على"ماء وجوه" دعاة المشروع، ودرءاً لافتقاد هيبتهم، وانطلاقاً من هذه الغاية، فقد غضوا الطرف عن تغطرس النظام الذي كان يتحدث عن"لاءاته"، لاسيما في ما يتعلق ب"رأس النظام" الذي لاتفاوض على إبعاده عن سدة الحكم، وحتى في مايتعلق ب"جسده" وأطرافه الأخطبوطية، لأن مفاوضي النظام، هم من صلب هذا النظام نفسه، ومجرد تنطعهم بمهمة التفاوض يعني أنهم بصدد تكريس دورهم المقبل، بهدف ابتلاع الثورة، وإجهاضها، والالتفاف عليها، وهم ضالعون- تاريخياً- في مفردات الخطاب التنميقي الذي هوجزء من سياستهم، من جهة، وجزء من مآخذ السوريين عليهم، ممن أدركوا على حين غرة، أنهم كانوا في سبات مغناطيسي، لابدَّ من وضع حدٍّ له، مادام هذا الخطاب كان الغطاء للفساد، والاستبداد، والانهيارالأخلاقي للطغمة الحاكمة. منبرمونترو، وطاولة جنيف، كانا كافيين، أن يبينا أن ثمة هوَّة،لاتردم، ولاتجسر، بين وفدي النظام والمعارضة، ليس من خلال تناقض الخطابين على اعتبارأحدهما يرافع عن خراب سوريا، ووأد السوري، وجريان دمه، بلاتوقف، بيدأن الآخر كان ينطلق من أن يكون لسان حال السوري، ضحية السلاحين الفيزيائي، والكيميائي، لأن كليهما يستهدفانه، وإن كانت دوامة الحرب لن توفرأداة القتل، وهوأمرمحسوب له، في عرف القاتل، مادام أن من دأبه الانطلاق عما يترتب على لحظته، من دون أن يعنى بما رتبه هوعلى من هومواطنه افتراضاً، ووطنه افتراضاً، هواستهداف ينوس بين أبعاد الزمن: حاضراً، ومستقبلاً، فماضياً، حيث تراث السوري-نفسه- صارفي مرمى أهداف اللصوص، مادام أن السوري يعرف، بحكم تجربته، أن لا لص في وطنه غيرالنظام، ومن هوربيبه، أوأداته.
ومن هنا، فإن قارىء السياسة في ضوء المختبرالواقعي، بات يدرك مدى شساعة البون بين من هوممثل النظام واقعاً، ومن هوممثل الثورة افتراضاً، وهو أمراستقرأه متابع السياسة في مختبرالاستنتاج العلمي، من قبل، لأن أي إقبال من لدن ممثل الثورة على أي مؤتمر، سيشارك خلاله، ممثل النظام هواء الغرفة الواحدة، وتحت مسمع، ومرأى الروسيّ- وكيلاً عن الإيراني ومرافعاً عن سادن القتل الأول ذاته- كما هوشأن الأمريكي، في أداء أكثراستتاراًًًًًًًًًً،وإن كان في حقيقته، السبب الرئيس، في ما آلت إليه حال السوريين، لاسيما أنه غيرراض –في الأصل- عن أي هبوب ربيعي، تبعثرت فيه أوراقه، المطمئنة، إلى عقود، وهوردٌّ على من رأى في هذه الثورات ترجمة لتآمر راسمي"الشرق أوسطية"- معتبرين أن رؤى شمعون بيريز ماهي إلا مرجعية لها، إذ أن إطالة أمد كرسي النظام، ومده بأوكسجين الديمومة، وإنهاك من يواجهه، وبعثرة صفوفه من خلال تحويل البلاد إلى مقبرة للإرهاب، وغضِّ النظرعن دخول هؤلاء، وأسلحتهم، مسرح الثورة، ماكان له أبعد الأثرفي ترميم روح المستبد، في بثِّ بعض الحياة فيها، ناهيك عن خدمة رؤاه، وتقديمه في صورة المنقذ، الحامي، المعول عليه. لا يمكن لأي متبصرانتظار أي إنجاز، يسجل لجنيف، في ظل وجود- موقفين لايلتقيان- بحيث ينتج عنهما أن لكل منهما"سقفه" الذي لايستطيع التنازل عنه، إذ أن النظام الذي جاء إلى جنيف هوجد واضح، فهومارس كل ماقام به من قتل ودماروتهجير، من أجل استمراريته حتى في لحظة مفاوضاته، ومابعدها، ولوأنه كان في نيته الاستغناء عنها، لما ارتكب كل هذه الجرائم، التي لا تبدرإلا عمن عميت بصيرته، وتندى جبينه بالعار، ولهذا فإنه في ظل وجود مفاوضات جادة، بين أي طرفين، متناقضين، لابد من كسرالسقف الأعلى، من المطالب الافتراضية، وإن كان أول مايعنيه السقف، هنا، هوأننا في حضرة مسألتي: حياة/أوموت لدى النظام، مايعني أن لا" تفويض" في التفاوض بين يدي وفد النظام، الذي يرتهن وجوده بعدم المساومة على مرجعيات الثورة السورية، لاسيما أن المحاور- الفطن- لن يغيب عن باله أن رضا الأمريكي عنه، لن يعدو أن يكون إلا امتداداً لماقاله كيسنجر عن الرئيس المصري الراحل أنورالسادات- وبعيداً عن أي تقويم أو إطلاق حكم متأخرين- عشية كامب ديفيد " إنه امرؤ أرعن"، كي يقول عنه بعد كامب ديفيد: إنه" شجاع بطل"، حيث لامسافة قيمية، في عرف ممتهن السياسة، البراغماتي، بين الحدين الأقصيين، المتناقضين، لاسيما أن تربيتات اللاعبين الكبار، في مسرح السياسة، لاترتكز، ولاتنطلق من أي بعد أخلاقي، أو واقعي، إلا بقدر خدمة معادلاتهم العالمية، القائمة على منافعهم، وأدواتهم، المجربة، في آن معاً.
إن معرفة كل هذا- وهوما أشرنا إليه- يجعل من مؤتمرجنيف مكشوف النتيجة، قبل أن يبدأ، وذلك لأن وجود نوايا جادة من قبل صانعي جنيف لوضع حل لمأساة السوريين، لايحتاج- في الأصل- إلى أي مؤتمرمن هذا النوع، لأنه بمجرد ممارسته للدورالمناط بالأسرة الدولية فإن القاتل ماكان في إمكانه استمرار مواصلة العهرالعسكري السياسي، الذي بلغ الحد الأعظمي، في التاريخ المعاصر،على نحومابعد خرافي، لذلك فإن جنيف- ووفق التصورات المسبقة عنه- أشبه بمسرحية، موزعة الأدوار، معروفة الخاتمة، غرضها لايكون في خدمة سوريا وشعبها، بل إن تناسل مواعد الحوارات، له أغراضه، في التنفيس عما يتم، والتهرب من الواجب الأممي إزاء مايجري، وهي لعبة لا أحد خارج مسؤوليتها:صديق الثورة، وذارف الدموع على مصيرإنسانها، كماعدوالثورة، وداعمه، عدة، وعتاداً، وإعداداً،الأكثرعدوانية في المعادلة. إن على من هم وراء كرنفالات جنيف الحوارية، لكي يبينوا مصداقيتهم، أن يصوغوا خلاصات ماهومطلوب لوضع حدٍٍّّ لجنون الحرب التي تجري في سوريا، لأن نظاماً جباناً خرجت ميليشاته بعد ساعات-فحسب- من لبنان، عندما وجد ضغطاً دولياً، حقيقياً في العام2005، بل ووصل إلى مرحلة الانهياربعيد اغتيال الرئيس الحريري ، وقد تكرر مثل ذلك- تماماً- عندمااشتم رائحة ماهوجدي بعد استخدامه الكيماوي، على نطاق واسع في الغوطتين، فتخلى عن ترسانته التي كانت إحدى المفردات الرئيسة في مزاعم ممانعاته، وصموده، وتصديه، كحامي الحمى القومية، إن هذا النظام، لايفهم إلا لغة القوة،الرعناء، الهوجاء، هذه اللغة التي يستخدمها- في مابعد لحظتها الوحشية المفرطة- وهويرتب على وفد الائتلاف أن يعتذرعن حضوراجتماعات الجولة الأولى، مالم يكن ذلك تمهيداً للتوقيع على الإقراربرحيل بشارالأسد، والملطخة أيديهم، وأفواههم، بدماء السوريين، وإبعادهم عن أية حكومة مقبلة، لئلا يكون ذلك مشاركة منه في استمرارمسرحية"استرخاص الدم" التي تجري في سوريا، وهي معروفة التأليف، والحدث،والعقدة، والسيناريو، والإخراج، والإعداد، والتمثيل. [email protected]
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في حضرة الشعرالمحكي
-
اللغة الصحفية
-
الكرد وأكاديمية الثورة العليا
-
الكرد والائتلاف افتراضات أولى
-
بوابة جنيف2: انتبه منزلق خطير إجباري....!
-
فوضى المنهج
-
حيادية أدوات النص الأدبي:
-
الاستبداد الرقميُّ والاستبلاد التقانيُّ
-
الثقافة والتحديات الكبرى:
-
اللُّغة وجوداً
-
دماء جديدة أدب جديد..!
-
مانديلا الشخصية الأسطورية
-
تلاغيات سورية على أبواب -جنيف-
-
حين تكون -مصر- دون فاجوميها
-
حول زيارة البارزاني إلى- آمد-
-
ولادة مفهوم الزمن
-
موت النقد
-
إلى مكاني محاصراً بالغرباء..!
-
درس ميكافيلي
-
حريق لا يزال مشتعلاً*
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|