عوني زنون أبو السعيد
الحوار المتمدن-العدد: 4357 - 2014 / 2 / 6 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن بعض أدعياء التدين من خوارج العصر الحديث لم يشبعهم ما يكابده أهالي قطاع غزة خاصة و الفلسطينيون عامة من ويلات الاحتلال من قتل و اغتيال و حصار و تجويع و تفقير و تدمير ممنهج للأرض و الإنسان و المقدسات و المقدرات .
فقد دأب بعض أدعياء التدين و العلم الشرعي من المتفيقهين الجاهلين بأبسط مباديء و أركان الإسلام و الإيمان إلى تهجير بعض شبابنا إلى سوريا بدعوى الجهاد و النصرة.
حملة محمومة مسعورة يشنها الخوارج الجدد لتزييف وعي الشباب في قطاع غزة ، و استغلال طيبة قلوبهم ، و نقاء سريرتهم ، و عشقهم لدينهم و أمتهم ، و كرههم للظلم ، لإقناعهم أن الذهاب لسوريا هو بمثابة شد الرحال لنصرة الدين و مناصرة المستضعفين ، و هو ما يضمن الطريق إلى الجنة .
فبأي عقل و بأي منطق تقنع هذه الفرق الضالة المضلة شبابنا بمغادرة أرض المقاومة الواضحة المتفق عليها من كل الأمة في الصمود على أرض فلسطين إلى صراع و اقتتال عبثي بين جماعات و ميليشيات داعش التي تقاتل الجميع سواء الموالين للنظام و الجيش السوري أو المعارضين له .
و لست هنا بصدد الحديث عن عصابات دولة الشام و العراق المسماة "داعش" التي ما إن تدخل بلدًا إلا و تدخل البلاد و العباد في معارك داحس و الغبراء .
فوسائل الإعلام و الشهادات الموثقة بصور الخراب و الأشلاء و الرؤوس المقطعة فيها ما يكفي لمعرفة فكرهم و نهجهم .
حتى أن ثلة كبيرة من علماء الأمة أفتت بحرمة الانتماء و القتال إلى جانبهم ، و نزعت صفة الجهاد و المقاومة عما يفعلون ، و صنفت حروبهم الداخلية في باب الفتن و الجرائم التي لا يقرها دين ، و لا يرتضيها منطق إنساني سوي سليم .
كما أن داعش لم تكتفِ بقتال الدولة و النظام و الجيش في سوريا ، بل تشن حملة قتالٍ ضارٍ ضد الفصائل المعارضة مثل الجيش السوري الحر و جبهة النصرة و كتائب أحرار الشام و جبهة ثوار سوريا و كتائب صقور الشام و لواء التوحيد و الجبهة الإسلامية .
و على كلٍ فإن الشعب السوري بمواليه و معارضيه لا يحتاج شباب غزة ، و لا مقاتلين من أي بلدٍ آخر ، و إنما هم في أمس الحاجة للدعم العربي و الإسلامي و الدولي لرأب الصدع و المصالحة الوطنية و إنقاذهم من النكبة التي عصفت بهم .
هم بحاجة للحرية و رفع الظلم و وقف نزيف الدماء ، كما حاجتهم الماسة الملحة للمال و الطعام لإنقاذهم من الموت جوعًا و بردًا .
ألا يعلم الخوارج الجدد أن خطف عقول الشباب ، و تشويه وعيهم ، و تعبئة عقولهم بأوهام خادعة كاذبة ، و تهجيرهم من غزة عبر الأنفاق إلى مصر ثم إلى ليبيا ثم تسفيرهم إلى سوريا ، و بدون استئذان من أهلهم ، و رغمًا عن ذويهم ، فيه من المخالفات الشرعية و القانونية ما يندى له الجبين .
كيف لأولئك الذين يتنعمون في الفراش الوثير في أحضان زوجاتهم ، مطمئنين على أولادهم ، الذين يلحقونهم بأفضل و أرقى الجامعات ، و يوفرون لهم الأعمال المريحة المدرة للأرباح و الثراء ، و يغدقون عليهم الأموال و وسائل الراحة و الترفيه ، أن يضحوا بأبناء غيرهم من الفقراء و الطيبين الذين لسذاجتهم خُدعوا بمعسول كلامهم و فتاواهم المنحرفة الحارفة .
كيف للضمائر أن تحتمل فجيعة أمٍ و أبٍ و أخواتٍ و جدٍ و جدةٍ و أخوةٍ و أسرة خرج ابنها و لم يعد ، و راحوا يبحثون عنه في سواد الليل و هجير الظهيرة ، و يتوسلون طوب الأرض لمعرفة سر اختفائه المفاجئ .
و أي رحلة انتحارية مهلكة تلك التي يسلمون فيها هذا الشباب الطيب المخدوع بين عصابات التهريب و النخاسة البشرية في سلسلة من المغامرات المخترقة لقوانين البلدان الذين يتسللون عبر حدودها .
و كم من المصائب و السلبيات جرَّت على غزة و أهلها بعد إلقاء القبض على بعض هؤلاء لتوجه لهم تهم الإرهاب و الإضرار بالأمن المصري.
وضعنا أولئك الخوارج الجدد أمام حالة نفسية و اجتماعية معقدة ، فأصبح غير قليل من الآباء و أولياء الأمور يحذرون و يتهيبون من إغضاب أبنائهم و تقويم بعض سلوكياتهم خوفًا من أن تتلقفه إحدى الجماعات – في لحظة غضب و إحباطٍ و طيش - و تهربه إلى خارج غزة ، و يفقده إلى الأبد .
و قد تواترت تهديدات بعض الأبناء عند أقل أزمة أو أبسط مشكلة ، أو كلما يشعرون بضيق ، أنهم سيهربون إلى ليبيا و سوريا ، كأن الأمر أصبح سيفًا مسلطًا على رقاب الأهل .
كما أن الأوجع و الأقسى أن تتلقى العائلة خبر وفاة ابنها و تعلم به من خلال مواقع الشبكة العنكبوتية "الانترنت" و عبر صفحات التواصل الاجتماعي ، في ظروف لا تعلم عنها شيئًا ، و في معارك و اقتتال ملتبسٍ ، غير مقنعٍ ، مَشْكُوكٌ في مشروعيته ، وأسبابه و أهدافه و غاياته و جدواه ، و في بلاد غربة .
فإن كان يؤلمنا و يقضُّ مضاجعنا جرائم الحرب التي يرتكبها العدو الصهيوني المحتل بخطف جثامين شهداءنا في مقابر الأرقام ، فكيف بمن يدفن أولادنا في مقابر الأوهام ؟!!
أيُّ غباءٍ يسوِّل للخوارج الجدد ترحيل و تهجير شبابنا من معركة الصمود و المقاومة في فلسطين الذين يواجهون عدوًا تجمع على عدوانه و مقاومته الأمة ، و كل الشرائع السماوية و القوانين الدولية ، و قذفهم في أتون معارك يقتل فيه العربي شقيقه العربي ، و يستبيح فيه المسلم دم و عرض أخيه المسلم ، و اقتتال مشبوه ملتبس تحيق به الظنون ، و تختلف عليه الأمة ، و تنقسم عليه و تتجادل بشأنه الهيئات و الأحزاب و العلماء و الدول و القادة .
أليس هذا قلبًا للواجب الشرعي و القومي و الوطني ، و عكسًا للحقائق الدامغة المتفق عليها بأن الواجب على المسلمين تأييد و نصرة و دعم شعب فلسطين للتخلص من عدوهم ليرجعوا إلى بلادهم المحتلة التي أُقتلعوا و هجِّروا منها ، و استرداد مقدساتهم و الأقصى الذي يدنسه المحتل .
عملًا بقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .
خلاصة القول أن الشعب السوري الشقيق مولاةً و معارضةً لم يطلب من كائنٍ من كان دعمًا بشريًا ، بل إنه يضيق ذرعًا بالغرباء و الأجانب ، و يطالبونهم بمغادرة أرضهم ، و هم يتدبرون الأمر بينهم .
و حاجتهم لكل شيء إلا لمقاتلين جدد ، و نحن في فلسطين بحاجة لأبنائنا.
أهل غزة و فلسطين يحبون لأشقائهم السوريين الوئام و الوحدة و الاتفاق و السلام ، و ينأون بأنفسهم عن فتنة قتل السوري لأخيه السوري .
كما أن الآباء و الأمهات و العائلات في غزة ليست لديهم فائضًا بشريًا ليلقون بهم إلى الفتنة و التهلكة ، و وطن أهل فلسطين لم يتحرر و هو أولى بأرواحهم الغالية و تضحياتهم و دمائهم الذكية .
و عليه فإنَّ دماء من يُقتل أو يسجن خارج فلسطين خاصة في سوريا و ليبيا و مصر و غيرها في رقاب أدعياء الضلال يُسألون عنها ، و سيُقتص منهم في الدنيا و الآخرة .
كما و تتحمل جريرة هذه الجرائم الجهات المسؤولة التي لا تلاحق و تحاسب هذه الفئة و تمنع خطرهم عن أبنائنا .
كفوا عنا أيها الخوارج الجدد
#عوني_زنون_أبو_السعيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟