أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - متاهات














المزيد.....

متاهات


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4356 - 2014 / 2 / 5 - 07:12
المحور: الادب والفن
    




يجلس حسن متكورا قرب المنزل المكتري، ينتظر صديقه الأستاذ ؛ الباب مسدل، وضع حقيبته وجريدته، وانزوى قرب الباب، لاشيء يحيل على أنه أستاذ، لقد غادر قريته هذا المساء، ووضع حقيبته على ظهره، وهم بالمغادرة ؛ كانت القرية غارقة في الأوحال، ولم يسلم سرواله وحذاؤه من لطخاتها، إنه ليس أستاذا، ويحصل له الشرف ألا يكون كذلك . عاد إلى القرية، فاستبشر وجهه، وتخلص قليلا من تلكؤ الوزارة والتعليم، والعالم بأسره . فكل من التقاه يقول له : " أستاذ " ؛ إنه أستاذ بالاسم، حتى كره هذه اللفظة من أول حرفها إلى آخره .
سرواله ذاك، اشتراه منذ سنتين، أما حذاؤه الواشك على الانكسار، فاقتناه منذ أربع سنوات، لم ينل شيئا من التعليم غير أزيز التلاميذ، وشطحات المذكرات، وأوامر المدير، ونعيق الجرس...
وها هو الآن وصل إلى تلك المدينة الكئيبة، التي تتقاذفها همسات الكلاب، وأزيز الرياح، وتأوهات الباعة، مدينة يعمها الفقر، ويكتنفها البؤس، وتسكنها الفاقة، يختلط في متاهاتها، ويتوقف من حين لآخر لكي يقضم من الخبز الذي حمله معه من قريته، ولكن يجد صعوبة في قضمه، حتى وإن نخره الجوع، وهده التعب من جراء السفر والتنقل بين الحافلات والطاكسيات .
لقد لوت أمه الخبز بين مجموعة من المناديل، المنزل المكترى بعيد، والطريق طويلة، يفكر أن يستقل سيارة أجرة، حك جيبه، فتذكر أن النقود التي سلمتها له أمه لا تساوي إلا ثمن الكراء، ولن يبق له إلا بضعة قروش ستسد خصاصته مدة أسبوع شريطة أن يتقشف، لقد حثته أمه على الاقتراض، لكنه نظر في عينيها الكابيتين، وقبلها، وقال لها : " أمي إنني بخير، اعتني بوالدي المريض، أما أنا فلست بحاجة للمال "، فودعها، ووضع الحقيبة على ظهره، وغادر نحو المدينة التي يدرس بها التلاميذ، هكذا كانت علاقته بأمه عندما كان تلميذا، كانت تستقبله عند الباب، وتحثه بالكلام، وتمده بالنصائح، وتسلمه أجرا، لكنه كان يمتنع ولا يأخذ إلا القليل، فوالدته لا ترعى سوى ثلاث بقرات عجاف، ولا تبيع عجلا من عجولها إلا في غضون ثلاث سنوات، أو أربع .
كان يقول لوالدته : أنه بخير، أما هو فليس كذلك، لم يكن يفطر، ولم يكن يتغدى إلا بالخبز والشاي، أما في العشاء، فيتناول الحساء عند الجيلالي اللحية الذي يربض بكروسته قرب المسجد المجاور للثانوية . لم يكن يذهب إلى الحمام إلا في غضون أسبوعين، وغالبا لا يحترم هذا الوقت، فهو لا يفكر إلا في بطنه، فما بالك بأوساخه ؟ لقد ندم كثيرا على دراسته، وكان يتمنى في دخيلته أن يبقى جوار أمه يرعى الأبقار خيرا من التعليم في مجتمع يكره العلم، لن ينس في حياته حينما حث أحد التلاميذ بإعداد دروسه، فرد عليه هذا الأخير : " أنا ما بغيش نقرا، وزيدون نتوما مكتقريو والو، كتعرفو غير تريو في الفلوس "، فما كان من الأستاذ حسن إلا أن " خلا دار بوه "، فهو لا يعرف أن هذا الأستاذ قذف بين ألسنة النيران، وأنه ما كان يقوم بعمله هذا لو لم يفكر في مصير الشعب وهموم المنسيين، أليس هو أكبر منسي ؟ إن الأستاذ هو أكبر منسي حينما يزج به بين الأدغال والفيافي والعزلة، أما هؤلاء الذين يضعون المذكرات، فيتناولون فنجان القهوة بين مكاتبهم المكيفة . تلك هي مفارقة المفارقات .
ينتظر، وينتظر، لكن صديقه لم يأت ؛ يأخذ هاتفه، ويمازحه كما تمازح الرياح خصلات شعره، يحس بنوة تخترق أوصاله، ينكمش كالسلحفاة، ينظر نحو المصباح الكهربائي، يداهمه الجوع ثانية، يتذكر أمه، يحن إليها، ويشفق عليها وهي تريد أن تسلمه جميع ما يملك، يتذكر نظرتها الأخيرة كما يستشعر لحظة الوداع، يفتح حقيبته، يقضم الخبز، يمضغه، يقضم...يقترب من كوة نور، يتلاشى الليل البهيم، يأخذ ورقة ويكتب ....
وبينما هو يفعل ذلك، يطل عليه جاره حمودة " الميكانيك " قائلا : " صديقك لن يأت إلا في الصباح "، اقترب من الباب، وافترش الأرض، وفي الغد قرأ التلاميذ على ورقة تعبث بها الرياح :
" إلى كل الأساتذة ....اعتصام مفتوح من أجل استرجاع الحق المهضوم ...يا تلميذ...يا أستاذ...أنت لست بالمغبون، والثورة الثقافية هي التي ترجع لك حقك المهدور "



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبلة من الوادي
- منزلنا الريفي ( 32 )
- منزلنا الريفي (31)
- نحو رؤية هادئة للتملق
- منزلنا الريفي ( 30 )
- عائد إلى القرية
- حمى الاستسلام
- دروب التيه
- نشيج الكلمات
- منزلنا الريفي (29)
- منزلنا الريفي (28)
- منزلنا الريفي (27)
- منزلنا الريفي (26)
- منزلنا الريفي ( 25 )
- منزلنا الريفي (24)
- منزلنا الريفي (23)
- منزلنا الريفي (22)
- منزلنا الريفي ( 21 )
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة


المزيد.....




- -الجوكر جنون مشترك- مغامرة سينمائية جريئة غارقة في الفوضى
- عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
- -لوكاندة بير الوطاويط-.. محمد رمضان يعلن عن تعاون سينمائي مع ...
- العرض الأول لفيلم -Rust- بعد 3 سنوات من مقتل مديرة تصويره ها ...
- معرض -الرياض تقرأ- بكل لغات العالم
- فنانة روسية مقيمة في الإمارات تحقق إنجازات عالمية في الأوبرا ...
- جنيف.. قطع أثرية من غزة في معرض فني
- مسرحية -عن بعد..- وسؤال التجريب في المسرح المغربي
- كاتبة هندية تشدد على أهمية جائزة -ليف تولستوي- الدولية للسلا ...
- الملك الفرنسي يستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني فما ا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - متاهات