|
مرة أخرى حول العلاقة بين المثقف والسلطة!
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 4355 - 2014 / 2 / 4 - 13:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد مرَّ مثقفو العراق من النساء والرجال خلال السنوات الواقعة بين 1963-2003 بتجارب مريرة وغنية في آن، حيث كانت السلطات الثلاث، إضافة إلى السلطة الرابعة، الإعلام، بيد القوى القومية والبعثية الشوفينية، ومن ثم حزب البعث القومي الشوفيني الجائر، حيث أُجبر الآلاف المؤلفة من المثقفات والمثقفين، من العلماء والأدباء ومبدعي الفنون الجميلة، من السياسيين والنقابيين ومن مختلف الفئات الاجتماعية إلى الهجرة والعيش في الشتات العراقي مع الملايين من أبناء الشعب الذين وجدوا طريقهم إلى الهجرة لأسباب كثيرة، ومنها بشكل خاص هيمنة إرهاب الدولة والتسلط والعسكرة والقهر السياسي والاجتماعي والحروب والحصار الاقتصادي الدولي والحرمان والبؤس والفاقة والقبور الجماعية. وقد سقط للشعب العراقي مئات الألوف من القتلى والجرحى والمعوقين والمصابين بالعلل النفسية والاجتماعية. لم يكن خروج الكثير جداً من المثقفات والمثقفين مجرد رغبة في الهروب من نظام ظالم وفاشي لا يحارب الإنسان بالرزق والسجن والتعذيب حسب، بل كان الهروب بمثابة تفادي الموت المحقق على أيدي الأجهزة الدموية لمن كان يناضل بشتى السبل ضد الدكتاتورية الغاشمة. ومن بقي منهم أجبر على الاصطفاف على مجاميع ثلاث: 1 . مجموعة كانت تناضل بهدوء آخذة بنظر الاعتبار طبيعة النظام والواقع القائم وتمارس أساليب غير مباشرة في الكتابة أو الإبداع الفني والعمل السري. ورغم ذلك لم ينج من هذه المجموعة عدد كبير، إذ قتل بشتى الصور على أيدي أجهزة النظام الأمنية. 2 . مجموعة ركنت نفسها جانباً وصمتت بأمل الحفاظ على الكرامة والحياة في آن، كما رفضت، دون ضجيج تدنيس نفسها بتأييد النظام الدموي. وقد تعرضت مجموعة غير قليلة منهم إلى العوز والحرمان والخشية من أجهزة النظام، بل وأحياناً غير قليلة تعرض أفرادها إلى الموت . 3 . مجموع كانت بالأساس مع النظام أو التحقت به خشية منه على حياتها أو باعت نفسها له بعقلية انتهازية صرفة. وأصبح جزء من هؤلاء في الكثير من الأحيان سيف مسلط على رقاب المثقفين والمثقفات ممن بقي بالبلاد. ومع ذلك فعلينا أن نميز في كل الأحوال بين الضحية والجلاد، إذ يفترض أن تتوجه إدانتنا أساساً صوب الجلاد كنظام وقيادة حزبية وحكومية وأجهزة أمنية سادية التربية والسلوكية. هكذا كان الوضع في زمن الشوفينية العربية التي حكمت البلاد 45 عاماً. فكيف هو الوضع في زمن الطائفية السياسية الحاكمة؟ هل يعيش المثقفون والمثقفات مرة أخرى ذلك الواقع المرير السابق في فترة ما بعد إسقاط الدكتاتورية الغاشمة؟ وهل بدأوا من جديد ترك العراق والهجرة صوب الشتات العراقي؟ هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها علينا في ضوء ما يجري حالياً بالعراق. يواجه المثقفون والمثقفات ببلاد الرافدين أوضاعاً معقدة وتزداد يوماً بعد يآخر تعقيداً وتشابكاً وتفاعلاً مع عوامل أخرى ما كان الإنسان يتصور إنها ستحل بالبلاد وتعيد إنتاج الماضي بصورة أخرى. نحن أمام ثلاث مسائل تؤثر مباشرة على أحوال ومواقف المثقفين والمثقفات بالعراق، وأعني بذلك: ** طبيعة السلطة السياسية من حيث بنية النخب والأحزاب الحاكمة ونهجها الفكري والسياسات اليومية التي تمارسها. ** طبيعة المجتمع والعلاقات الاجتماعية السائدة ومستوى وعي الإنسان العراقي السياسي والاجتماعي والتنوير الديني. ** طبيعة المشكلات الناشئة عن هذين العاملين محلياً والتأثيرات الإقليمية والدولية على مجمل الوضع القائم. والتحليل المكثف حول ما يجري بالعراق يشير دون أدنى ريب إلى قيام نظام سياسي طائفي مقيت يمارس التمييز بين أبناء وبنات الشعب على أساس ديني ومذهبي وقومي وجنسي، إضافة إلى التمييز الفكري والسياسي على أنقاض نظام قومي يميني وشوفيني مقيت. لم يكن الشعب يرجو ويتمنى نشوء دكتاتورية دينية – مذهبية طائفية جديدة ظالمة على أنقاض دكتاتورية قومية شوفينية ظالمة. ومثل هذا النظام الجديد يعمل على مدار الساعة في خلق أجواء ضاغطة وطاحنة ضد عمل المثقفات والمثقفين ويصادر بشراسة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبارهما القاعدة الأساسية والضرورية لانتعاش الحياة الثقافية الديمقراطية التي تعبر عن روح الشعب وتراثه الإنساني وبعيداً عن تركة الماضي البعيد وما برز فيها من ثقافة صفراء قاتلة. ومثل هذا النظام الطائفي يصادر بشكل خاص الهوية الوطنية الحرة والمتساوية للإنسان العراقي ويفرض عليه التخندق خلف هويات فرعية أصبحت في أجواء العراق الجديدة قاتلة لروح المواطنة العراقية. ومن جانب آخر ساهمت السياسات السابقة المتراكمة وما يمارس اليوم من سياسات في حصول تدهور كبير في الوعي الاجتماعي والسياسي. ومع غياب التنوير الديني الإنساني والتخندق الديني والمذهبي لدى الجماعات الدينية والمذهبي سمح بنقل الصراع على السلطة والمال والنفوذ بين الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية إلى الشارع والمجتمع العراقي وفرض عملياً توجه هذه الجماعات صوب انتخاب القوى والأحزاب أو القوائم الطائفية السياسية وكرس النظام السياسي الطائفي بالبلاد الذي عمدت قوات الاحتلال إلى شرعنته وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أساسه. وهو ما يعاني منه العراق حالياً. ومما زاد في الطين بلة فعل أربعة عامل إضافية: 1 . ولوج قوى الإرهاب الإسلامية السياسية المتطرفة إلى داخل العراق بعد سقوط الدكتاتورية مباشرة، إذ فتح المحتلون أبواب العراق أمام جحيم الإرهابيين لتخليص شعوبهم وبلدانهم منهم. لقد كانت عملية نقل المعركة من داخل الدول الغربية إلى أفغانستان والعراق. 2 . التدخل الفض والمتواصل للدول المجاورة وبشكل خاص جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى سوريا وحزب الله وبعض دول الخليج، في شؤون العراق الداخلية ودعم الإرهابيين بالمال والسلاح والمساعدات اللوجستية للوصول إلى العراق وممارسة الإرهاب المتنوع فيه. 3 . الأجواء الطائفية المتفاقمة والسائدة في منطقة الشرق الأوسط بفعل السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والنظم العربية الأخرى التي تساعد على تفاقم هذه الصراعات في غير مصلحة الجميع تحت شعار "فرق تسد". 4 . الدور السلبي المتفاقم للمؤسسات والمرجعيات الدينية التي ساندت الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية وما تزال تساندها وتصدر الكثير من الفتاوى التي تفرط بوحدة الشعب وتثير الصراع والنزاع في المجتمع، وتعيد إنتاج صراعات بدأت قبل أكثر من 1400 سنة وكأنها تحصل اليوم لتثير الصراعات والنزاعات في الأوساط الشعبية البسيطة وتستند في ذلك إلى دعم السلطة واستخدام أموال الشعب المغدور بحياته أيضاً. إن هذه التعقيدات والتشابكات تشكل ضغوط شديدة على المثقفين العراقيين والمثقفات وعلى حريتهم في اتخاذ مواقفهم السياسية النابعة من ضمائرهم. فهم يعيشون أجواء عقيمة مؤذية لنشاط ين والمثقفات ودورهم في الحياة الثقافية والعامة، كما أدت إلى انقسامه وتوزعه على مجموعات: المجموعة الأولى: وهي مجموعة تضم أعوان السلطة من مثقفات ومثقفين بسبب إيمانهم بالطائفية السياسية وضرورة سيادة الفكر الواحد. ومثل هذه المجموعة تلحق أضراراً فادحة بالوطن والمواطن وبعموم الشعب، لأنها تساهم في نشر الهويات الفرعية التمييزية القاتلة وتكريسها ونشر الثقافة الصفراء المزيفة والمشوهة المانعة للتنوير الديني والاجتماعي. المجموعة الثانية: وتضم جمهرة صغيرة من وعاظ السلاطين ممن تخلوا عن مبادئهم الفكرية والسياسية، أو من الانتهازيين الحريصين على الاستفادة من الوضع القائم لصالحهم وضد مصالح الشعب. وهم متقلبون في مواقفهم ويلحقون أضراراً أفدح بالفرد والمجتمع لسلوكهم الانتهازي، أو ممن يخشون من عواقب عدم الوقوف إل جانب الحكم الطائفي المقيت، ولهم في ذلك تجارب مريرة سابقاً وحالياً. المجموعة الثالثة: وتضم المجموعة العناصر المناهضة للاستبداد والطائفية والإرهاب ونهب المال العام والفساد المالي والإداري، وهم بالتالي يقفون في وجه الحكام المستبدين والطائفيين والقوى التي تساند الإرهاب ونهب المال العام. وتقف هذه المجموعة إلى جانب هوية المواطنة الحرة والمتساوية وضد الهويات الفرعية القاتلة، ولكنها تحترم كل الهويات الفرعية التي لا تمارس التمييز بين الناس على أي أساس غير إنساني. وهذه المجموعة تشكل اليوم أكثرية مثقفي ومثقفات العراق. ولكن صوتهم غير مسموع بالدرجة المطلوبة والضرورية لأسباب ترتبط بسياسات الحكم في سد أبواب العمل والرزق بوجوههم وفتحها على مصراعيها أمام أعوانهم ووعاظهم. وقد ضاق صدر النظام بنشاطهم وراح يفتعل الذرائع لاعتقالهم، كما في محاولة اعتقال الصحفي والكاتب البارز سرمد الطائي، أو الاعتداء اللاأخلاقي والمسيء للشاعر والصحفي المميز عبد الزهرة زكي والذي بدا للجميع وعن حق بأن السلطة تقف وراء هذا الاعتداء الجبان والتي عملت بطريقة "اقتله ثم سر خلف جنازته". لا يمكن أن يطلب من كل مثقفات ومثقفي العراق أن يكون في مواجهة النظام الذي يتحول يوماً بعد آخر إلى مستبد بأمر رئيس الحكومة، خاصة وإن الموقف أصبح شديد التعقيد وخاصة في المحافظات الغربية حيث تداخل الإرهاب مع المطالب العادلة للناس والتي سمحت الحكومة بحصول هذا التشابك بفعل عدم استجابتها السريعة للمطالب العادلة وليس بالضرورة لكل المطالب. وبالتالي حين ينتقد النظام على ذلك وعلى أساليب عمله الأمنية والعسكرية بعيداً عن الفعل السياسي اللازم، يقال بأن هذا الكاتب أو ذاك يقف مع الإرهاب، وهو غير صحيح. وحين يهاجم الإرهابيين بكتاباته يبدو وكأنه يقف مع سلطة طائفية مقيتة حقاً. إنها المحنة التي تواجه الكثير من الكتاب والصحفيين ويحاول وعاظ السلاطين ممارسة دورهم في الطعن بالناس، وهم المطعون بأخلاقياتهم وسلوكهم الرديء. المطلوب من المثقفين والمثقفات الديمقراطيين الواعيين لقضية شعبهم ووطنهم ومصالح هذا الشعب المستباح من الإرهاب والطائفية ونهب المال العام والفساد المالي والإداري أن يكون لهم موقفاً واضحا جداً: رفض الإرهاب والإرهابيين بكل أصنافهم ومن يقف خلفهم في الداخل والخارج ومساندة الجيش العراقي في عملياته ضد هذه الجماعات التكفيرية الحقيرة أولاً، ولكنهم يقفون أيضاً ضد السلطة السياسية الطائفية التي تقود البلاد وتدفع بالشعب إلى حرب طائفية مدمرة ثانياً. المطلوب التحرك لمنع تفاقم الصراع والنزاع بين أبناء وبنات الشعب من مختلف القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية الديمقراطية والسليمة والبعيدة عن الشمولية والاستبداد والتكفير.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهورية الثانية بالعراق - الفصل الأول حزب البعث العربي الا
...
-
هل من دور للمثقفات والمثقفين في الحياة السياسية العراقية في
...
-
المثقفون والهوية الثقافية الوطنية العراقية!
-
شرطة المالكي تهين كل مثقفي العراق بالإساءة للشاعر عبد الزهرة
...
-
قراءة في كتاب -أحاديث برلينية حول قضايا أوروبا والإسلام وفي
...
-
المالكي وعسكرة العراق!
-
لتتوحد جهود الشعب والجيش لدحر قوى الإرهاب، ولكن لا ينبغي إفل
...
-
برنامج التحالف المدني الديمقراطي والموقف من الملاحظات التي ت
...
-
وستنقضي الأيام والخير ضاحك يعم الورى والشر يبكي ويلطم للشاعر
...
-
إلى متى تغوصون بدماء بنات وأبناء الشعب العراق أيها القتلة ال
...
-
ولوج هادئ وودي على خط النقاش الحامي في عمٌان
-
برنامج التحالف المدني الديمقراطي يجسد شغف الشعب بالحرية والد
...
-
مانديلا الموحد للشعب والمالكي المفرق للصفوف
-
من المسؤول عن الفساد وكيف يكافح؟
-
تحية وتهنئة وشكر إلى المشاركين في مؤتمر أصدقاء برطلِّة بالعر
...
-
هل ينسجم وضع صورة المالكي في -جواز سفر إلى حقوق الإنسان- مع
...
-
رسالة مفتوحة إلى سماحة السيد عمار الحكيم حول التغيير السكاني
...
-
بغداد ومدن أخرى تغرق ... هلهولة للدعوة الصامد...هلهولة..
-
قراءة في كتاب صيدُ البطَّ البرّي للروائي محمود سعيد
-
هل مشكلات البلاد تحل بالعراق أم في البيت الأبيض؟
المزيد.....
-
بريتني سبيرز تقول إنها أمضت أفضل عيد ميلاد في حياتها لهذا ال
...
-
الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل عن الأهداف التي قصفها للحوثيين
...
-
لماذا تجند فرنسا جماعات متطرفة بالجزائر؟
-
خطوة إسرائيلية -مفاجئة- بعد توغل عسكري كبير في ريف محافظة در
...
-
علويون يدعون للتهدئة بعد حرق مقام الخصيبي
-
عبد المنعم أبو الفتوح.. التحقيق في قضية جديدة للمرشح الرئاسي
...
-
خليجي 26.. السعودية تفوز على اليمن بثلاثة أهداف مقابل هدفين
...
-
عودة 18 ألف سوري إلى بلادهم عبر الحدود الأردنية، ولبنان يتطل
...
-
أقل من نصف السوريين بألمانيا لديهم عمل: فما فرص بقاء الآخرين
...
-
بيربوك تقترح تعليق عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|