عبداللطيف أسرار
الحوار المتمدن-العدد: 4354 - 2014 / 2 / 3 - 06:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عود على بدء :
واهم اليوم من يفصل بنى الاستبداد في عامل الظرفية الضيقة التي سرعان ما تزول ,هناك حقيقة مفادها الأرضية المشتركة التي ينبني عليها النسيج الاستبدادي عموما ,فالتخلف والفقر والجهل والتسلط والظلم هي وليدة ما تعيشه الشعوب من اضطهاد من قبل الأنظمة الحاكمة ,فلا غرابة أن الإصلاح وهم ليس إلا ,وهم الشعوب بالتغيير و التطلع إلى المستقبل الذي يرسمه مهندسو دولة الفساد والاستبداد .
,فلا الخطابات ولا المواثيق الرسمية الممنوحة تجيب عن الإشكالات المجتمعية المطروحة ولو كانت في أعلى عليين ,إذ لاتشكل الإفراز التاريخي والاجتماعي لهذه الشعوب والمجتمعات...ناهيك عن التراكمات المترسخة في العقل الاستبدادي ,نتيجة العديد من العوامل, منها ما هو تاريخي وسياسي اجتماعي ونفسي وثقافي ,لا يسعنا المقام هنا للوقوف على كل عامل بإسهاب وتفصيل ...
فالاستبداد دولة داخل دولة ,وإيديولوجية تعمدها هذه الأخيرة من أجل استمرار مسك الشرعية السياسية والاجتماعية والدينية ..,فمرجعية الدولة المخزنية تتمركز حول هذا المعطى ,لأن البنيان السياسي المخزني يحوي في أدبياته السياسية مرجعية استبدادية بامتياز والدساتير الممنوحة(هبة من عند الحاكم ) تعزز هذا النسق وتكرسه في إطار إيهام الشعب بأن هنالك إرادة للإصلاح ,في حين لا يغذو الأمر سوى إعادة تقوية الأدوار وتعزيز مكانتها وإعادة ترتيب العش الداخلي للدولة ,بما معناه أن دار المخزن على حالها ,والسطوة عنوانها والاستبداد خطابها ,وهو ما يتجلى بشكل ملموس في الواقع الملموس ..
فليعي الجميع أن مشكلتنا ومعركتنا ضد الاستبداد ضد الظلم والطغيان ضد الفساد ضد الحاكم المستبد, مهما كانت هويته وطبيعته ,أشخاصا ومؤسسات,دولة ومجتمعات..حكاما كانوا أو خداما من أحزاب ومنظمات ..
الرفض ثم الرفض لأشكال استغلال الإنسان ,بالتسلط السياسي على الجماهير باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان فواقعنا ينذر بأشياء يعجز العقل المخزني عن احتوائه..
فما آلت إليه أوضاعنا اليوم على جميع المستويات والأصعدة ..من تردي واندحار إلى الحضيض في (التعليم,الصحة,الاقتصاد,الثقافة, العدل, الحريات الفردية والجماعية ,وحقوق الإنسان والخدمات, والفوارق الطبقية الصارخة..).لينم عن الفشل الذريع في الآليات المعتمدة فيما يسمونه بالإصلاح الاجتماعي والسياسي ,لان المدخل السياسي كبناء ديمقراطي يظل مغيبا ,إذ يتم إعادة التاريخ نفسه ,ونحن نعلم إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا ليحول الملهاة إلى مأساة تأتي بالطبع على الأخضر واليابس ,وهنا الإشارة إلى المدخل الذي اعتمده النظام السياسي المغربي وما رافقه من تجليات الفعل الاستبدادي والمتمثل في قمع الحركات الاحتجاجية ,وصعود قوى الإصلاح التي انخرطت بالأمس في صفوف الجماهير في لعبة التوازنات السياسية ,لتتحول إلى شريك في إجهاض حلم الشعب في القضاء على الفساد والاستبداد ,ولا نقول قوى الإصلاح كان معولا عليها في هذا الباب إنما كان من باب كسب المعركة لفائدة الجماهير وتوحيد الصفوف ,وهنا نعيد من جديد الإشكالات النظرية في الإصلاح الذي لا يمكن أن يحسم في ظل تواجد التشخيص الإيديولوجي الهجين الذي يعتمد على التحليل الميكانيكي وخصوصا الايديولوجيا الدينية ,وقس على ذلك المكونات التي تعد حية في الخطاب الرسمي ..
ولا أعلم لما يصر الفاعلون السياسيون الرسميون في هذا الوطن العزيز على رسم صورة وردية عن واقع مرير حالك قاتم يحكي عن عنفوان الفساد واشتداده بل وانغراسه في نفوس الأفراد والمجتمعات ,والصورة هنا شاملة تقيدا بالمنطق السببي .
فالطبيعة الاستبدادية للمجتمع تنبني على التسلسل ,كآلية للإخضاع ,هذا التسلسل الذي يوازيه تنظيم سياسي وإداري في الدولة في إطار تنفيذ المهام الإيديولوجية للدولة ,وذلك بتصريف نفس الآليات والتوجهات في إطار تفويض الاستبداد عبر التنظيمات الإدارية المحلية التابعة للدولة (المركزية اللامركزية ).ولو كان المجال متسعا لأفردنا بيانا تسلسليا يبين طبيعة تفويض الاستبداد داخل هذا التنظيم السياسي والإداري .
فصورة مغرب يتحرك أكذوبة يسوقها الإعلام الرسمي ,في وطن يموت فيه الناس جوعا والأطفال بردا,والشباب من شبح البطالة يأسا والنساء ظلما واحتقارا,وقرى منعزلة ومنفصلة عن مغرب يُخاطب فيه الشعب المحروم بلغة لا تجيب عن واقعه اليومي ,جوعى و فقراء , وأموال الشعب تصرف في إعلام فاسد ,لا يتقن إلا لغة التقريظ ولغة الورود ولا ينفث إلا برامج يائسة تعيد تنميط الذهنيات وتُعد أرضية الإجماع حول كل القضايا التي تخدم المخزن في سياسته,ويتناسون الحديث عن مشاكل الشعب ومعاناته مع الظلم والاحتقار..,فواهم اليوم من ينتظر أن ينبلج الغذ مشرقا في ظل هذا الوضع ,إن لم يكن العزم كل العزم على تبني أطروحة التغيير ,تغيير النفوس والعقليات ليتأتى المجال فسيحا لتغيير منظومة فاسدة ,عاشت عقيمة وجامدة منذ ردح من الزمن وستعيش إن لم تتحلى بالإرادة الفولاذية للجماهير بما يكفي من إصرار نحو قيادة التغيير الديمقراطي .ونشدان الحرية .بالطبع وفق شروط تتضح متى يحين اوانها, مما يفرض علينا جميعا نهج إصلاح عميق مهما كلف الثمن ولو اختلفت رؤى الشعوب حول طرائق الإصلاح بين نزع الشرعية الشعبية وإطاعة الأوامر الفوقية فلا مفر لنا من إصلاح جذري عميق قطعي لان الديمقراطية التي تنشدها الجماهير غير الديمقراطية التي يتبناها خدام وحكام الأعتاب الشريفة ...
فمتى نعي أننا نسير ضد مجرى التاريخ حينما كانت الفرصة تاريخية ولا تزال تضيع في زحمة ضجيج دستوري وخطاب رسمي ميئوس منه لا يمكن أن يوصف إلا بالمهزلة ,فلا أحد يحسم في القرارات المصيرية للجماهير فالمعركة مازالت متواصلة...ضد من يستعبدون أبناء هذا الوطن الجريح...وضد من يتحدثون عن الاستثناء خارج التاريخ ..
مشكلة الاستبداد السياسي بالذات هي عمق المشكل قد نختلف في طبيعته ,ولكن لن نختلف في ازاحة جذوره وبنيانه وهذا بالطبع أمر لا يختلف فيه اثنان ولا يتناطح عليه كبشان .
وما كان لننتظر أن تكون صرخة "ابا ايجو" * شيئا غريبا ومعزولا عن منظومة ينخرها الفساد حد الغرق في المستنقعات من لوبيات الفساد العقاري و الأمني والقضائي في شتى المجالات, بل كانت صرخة قامت بها وسقطت عن الكل ,فلا نحتاج لنذكر فراعنة اقتصاد الريع من هم... ,ليس مقامنا الحديث عن النسيج الاقتصادي والعقاري ومن يسيطر عليه , بما نؤكد أن الأمور لا تنفصل عن بعضها البعض عملا بمنطق السببية , فالأمن والقضاء والتنظيم السياسي والإداري بالبلد عموما ,هو خطوة والية للضبط قبل ان تكون مهامها الحماية وتحقيق العدالة والتسيير ..كذلك كل الأمور تسير ليس إسقاطا عموديا أو مؤامرة أو تصفية حسابات ,بقدر ماهو منطق تقوم عليه أركان دولة الاستبداد المخزنية وكل الذين يستظلون بظلها ,ويسارعون إلى مباركة كل ما يأتي من سمائها .
قد يعي خدام الأعتاب الشريفة أنهم أخطأوا طريق الإصلاح ,بمدخل يشكل بدوره أزمة مجتمعية وهي التعاقد السياسي الذي بني على باطل ,ولكنهم لم يعوا أن الاصطفاف إلى جانب الجماهير خير من ان تبيع الوهم لهم ببرنامج لا يجيب عن الإشكاليات والأزمات التي هي بالأساس إشكالات سياسية ,ومتى أصبحت البرامج تعد في مقرات الأحزاب والمنظمات ,بالقدر الذي أصبح فيه قانون التعليمات هو اسمي قانون بالبلد ..متى نعي أننا تركنا التاريخ وراءنا يسجل بتؤدة ما نحن سائرون إليه من تخلف وجهل وفساد ...متى نعي أننا أخطانا الموعد مع التاريخ ..
وفي الأخير أود أن أرفع تحية إجلال, تحية صمود إلى كل من وقف في وجه الظلم والاستبداد ,وقال لا, كما قالتها المرأة العجوز بنبرة تحمل في طياتها معاناة هذا الوطن المكلوم المغلوب ,قالتها بصوت ينم عن ما رضخ عنه من أحس بالظلم في نفسه وكتم ظلمه وغيظه خوفا من بطش حاكم أو استبداد طاغية ..
فالي كل الملايين من المظلومين والمظلومات في هذه الرقعة التي أبى حكامها وفراعنتها إلا أن يحكموا البلاد والعباد بالسيف ,ويستخفون بمطالب شعوبهم من أجل التغيير نحو الأفضل.. تحية إلى ابا ايجو التي أبت إلا أن تقول في وجه الطغاة والجبابرة لا وألف لا ,والخزي لمن سولت له نفسه أن يحيا ذليلا عبيدا في وطن يغشاه الظلم ,يصول ويجول أكابر من يستأسدون ويحتمون بظل الدولة المخزنية ,التي ترعى الريع والفساد وتحضنه ...
تحية إلى كل من وقف وقفة صمود وقفة الشموخ مع المرأة العجوز إحساسا بالظلم والغبن ,إحساسا عميقا بان هذا الوطن هو وطن المظلومين بامتياز ...
إننا لسنا عدميون, بقدر ما نسعى ان نحيا حياة الكرامة حياة الإنسان بأبسط المعاني والدلالات ,نريد للظلم والطغيان والاستبداد والجبروت والفساد إن يزول ..إلى الأبد .
وان قلنا عود على بدء ليس لأننا نخطئ المواعيد مع نضالات الجماهير ,ولكن صرخة ابا ايجو وبنبرة حارقة هي جزء لا يتجزأ من أنين وصراخ وآلام آلاف المجروحين والمكتوين بنار الاستبداد بكل تجلياته ولبوسه .نعم صرخة لا تتجزأ عن صراخ كل المظلومين ...لذا فكل من اعتقد أن قاطرة الإصلاح في الطريق الصحيح عليه أن يعيد النظر في الأدوات التي كانت موضوعا للإصلاح ,فالدولة المخزنية لا تفصل بينها عهود وأزمنة بين عهد الديمقراطية الحسنية وديمقراطية العهد الجديد ,هي ديمقراطية واحدة اسمها ديمقراطية المخزن ديمقراطية الطغاة الجدد وكل ما ينضوي تحت لوائه من أحزاب إصلاحية مخزنية ,ومن يقول تقدمنا عليه أن يتبث لنا ذلك ,فله من الوقت ما يكفي ليحدثنا عن انجازات المغرب الذي يتحرك بالطبع إلى الوراء بآلاف العهود والعقود.. !!!
*ابا ايجو اسم أمازيغي ويعني عمتي ايجو ,نظرا لكون التقليد يحتم مناداة الشخص الأكبر بأحد أسماء القرابة أولا (ولو كان بعيدا ولا يمت له بأية صلة ) ثم يليه الاسم الشخصي له ,وهو تقليد سائر بالمناطق الامازيغية لاعتبار الاحترام الذي يكنه الأمازيغ لمن هو اكبر منهم في السن والتجربة والحياة ...وهنا فقط توضيح لمن ليس له إلمام ومعرفة بهذا المعطى .
عبداللطيف أسرار
#عبداللطيف_أسرار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟