|
اللاعنف (قصة قصيرة)
عبدالله عبدالرحيم الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 29 - 00:34
المحور:
الادب والفن
اللاعنف حين اعتلى المنصة شعر ان جميع احلامه تحققت ، القاعة الكبيرة التي اكتضت بزملائه واقرانه الذين يحملون هموم الامة كانت تهتز بالتصفيق وضجيج التهاني الممزوج بالغبطة والحسد ، لم يكن يتصور وهو يؤلف كتابه الاخير - اللاعنف - انه سوف ينال به جائزة الامة الكبرى ، تلك الجائزة التي يحلم بها جميع زملائه الذين كرسوا مواهبهم وقدراتهم الفكرية للدفاع عن الحريات ونبذ العنف . لقد اعتلى هذه المنصة كثيرا قبل هذه المرة ، لالقاء خطب عن الحرية او محاضرات تنمي افكار نبذ العنف في المجتمع او لنيل الجوائز والشهادات التقديرية ، لكن هذه المرة تختلف كثيرا ، انه النجاح الكبير الذي يغبطه عليه حتى المفكرون الكبار الذين يعتبرهم اساتذته . اعتلى المنصة وهو يحضن الجائزة الكبرى في نفس القاعة المغلقة التي شهدت نجاحاته الكثيرة ونجاحات زملائه والسابقين لهم ، الابواب موصدة ، لم يفكر احد يوما بفتحها ، وربما لم يلتفت احد ان لهذه القاعة ابواب اصلا ، وسبب ذلك هو انكبابهم على العلم والمعرفة بجدية ومثابرة لتقديم الافكار والحلول الرصينة بصورة ابداعية رائعة تستحق التقدير والاحترام ، والاشادة والشهادات والجوائز ايضا . النوافذ مختبئة خلف ستائر سميكة ، صممت لكي تفضي على القاعة منظرا راقيا جميلا فقط ، حيث ليس لها علاقة بالاضاءة او التهوية او حتى بمعرفة الليل من النهار ، مصابيح دائمة التوهج تخفي ظلمة الانغلاق ، افواه حرة تتدفق الكلمات منها متى تشاء حيث لاوجود لجنود الصمت ، الهواء معطر بذرات الثقافة والعلم والفن والابداع والرقي ، القاعة مكتضة بالناجحين والنجاحات والابداعات والحرية واللاعنف ، كل شئ يوحي بالنجاح والتفوق . عندما بدأ ببيان موضوع كتابه الجديد ارتفع التصفيق وهز الجدران . حتى ايدي الحاسدين تصفق بحرارة ، لا احد يستكثر عليه نجاحه الكبير لان الكل يعلم انه اكثر ابداعا واكثر اخلاصا لقضايا المجتمع ، والدليل على ذلك - حسب التصنيف الوطني - هو كثرة الاصدارات والمؤلفات التي اغنى بها مكتبة القاعة المغلقة ، وكذلك الخطب الرنانة التي كان يلقيها ببراعة فائقة ليمتلك بها مشاعر السامعين وربما عقولهم ، ومحاضراته التي يحرص على حضورها اكبر المبدعين والمفكرين في الامة وربما نال بها حضوة المسؤولين ايضا . يرتفع ضجيج التصفيق كلما قرأ شيئا جديدا من صفحات الكتاب الناجح الى ان اصبح الضجيج كالرعد المجلجل لكي يتناسب والكلمات القيمة الرصينة الممتلئة بالابداع والفطنة والمعرفة . لم يلتفتوا حين تمزقت الجدران شيئا فشيئا من شدة التصفيق الا بعد ان تحطم جدار القاعة المقابل للمنصة ، عمّت القاعة فوضى كبيرة وصراخ وضجة مرعبة وتزاحم واضطراب ، كل منهم مشغول بنفسه ، يتحرك ويزاحم ويصرخ ويناشد لوحده ، لايدري ماعليه ان يفعل . ولكن في لحظة واحدة ، هرع الجميع ، مسرعين نحو الجدار المهدم ليعيدوا بنائه خائفين مذعورين ، وذلك لما انتبهوا الى ان ذرات الابداع بدأت تتسرب الى الخارج مبتعدةً عن المنصة مع ذرات الهواء التي اختلطت مع الهواء الخارجي الملوث بالجهل والتخلف ، ومع الاضواء المختنقة التي هربت لتختفي بين الظلام بينما التصقت بشحوب باقي الاضواء التي مازالت تعصرها المصابيح الخاصة على الجدران والاثاث والكتب . هرعوا مسرعين وعيونهم وجلة تنظر الى الخارج ، ليل بهيم ، ووجوه شاحبة مرهقة ، افواه تحولت الى معتقلات موصدة تعتقل فيها جنود الصمت الكلماتَ ، بسبب الخوف والرعب الذي امتلأ به قلب الواقع المرير الذي تكور مرعوبا يرتجف خلف جدار القاعة ، كان يصرخ منذ سنين ، يتوسل ان تفتح له الابواب ولم يكن احد يسمعه ، لان صراخه اختفى بين ضجيج التصفيق الى ان ارهق وتلاشت قواه وصوته . هرعوا مسرعين ليعيدوا بناء الجدار ويمنعون الواقع من ان تطأ قدماه ارض القاعة فيلوثها بجراحاته العميقة ، فدخوله يمثل لهم مشكلة حقيقة ، لانهم بذلك سوف يصبحون ويمسون على نوحه وبكائه بدل صدى التصفيق الذي يستشعرون بسماعه لذة عميقة وكذلك ربما يلتهون عن المنصة بمعالجته ومداواته . في تلك اللحظات بدا مذهولا وهو يقف على المنصة كالتمثال ، يحضن جائزة الامة ، ينظر في الظلام الى الواقع الذليل وهو يتوسل ويتذرع بالمبدعين الذين يسرعون في اعادة بناء الجدار غير ابهين به . اكملوا الجدار وتنفسوا الصعداء ، التفتوا الى المنصة ليستأنفوا الاحتفال بالنجاح لكنهم لم يشاهدوا امامهم غير الجائزة الكبرى ، لقد تركها لهم على المنصة ، وفتح احد الابواب الموصدة بوجه الواقع ، وخرج يلملم فشلهم بين الزوايا الخائفة في الظلام .
#عبدالله_عبدالرحيم_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكمة داخل الانا (قصة قصيرة)
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|