أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 32 )














المزيد.....

منزلنا الريفي ( 32 )


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4347 - 2014 / 1 / 27 - 22:52
المحور: الادب والفن
    


مهمشون ماتوا ويموتون في صمت (2) ...

اسمه هكذا " عبد الله "، ولا تتوقف عبوديته عند حدود العمودي، بل إنها أفقية ؛ إن " عبد الله " هذا الإنسان الذي يرتدي أسمالا بالية، والذي يمشي على استواء مع الأرض، والذي ينفر منه جميع الناس كأنه كائن غريب ؛ يعيش عبودية على الأرض، فإذا كان قد ولد معاقا، وهذه عبودية بيولوجية، فإن هذه العبودية تحولت إلى ثقافية، فهو أولا معاق، وثانيا يحمل اسم " عبد الله الهرش "، وثالثا الأمران معا جرا عليه العبودية من قبل الناس .
يمتلك " عبد الله " " براكة " مهترئة، وهذه " البراكة " ليست قائمة كما ينبغي، فمن حين لآخر تسقط، وتترك صاحبها في العراء، والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن الأطفال يهاجمون " البراكة "، ويسيئون إليه بتصرفات نابية .
لا يتوفر " عبد الله " على ملابس، بل إن الملابس التي كان يرتديها من زمان مازال يملكها ؛ يغلق كل صباح باب " براكته "، وينطلق زاحفا نحو الطريق باحثا عن لقمة العيش، كان من زمان يمتطي أتانه، لكنها ماتت الآن، يتوقف لحظة، ثم يزحف، يتوقف، ثم يزحف ثانية، وفي يده القفة ؛ إن الأمر في بعض الأحيان يستغرق نصف يوم، أما القفة، فكثيرا ما يعود، وهي خاوية، إنه يتسول، والتسول عبودية يرزح تحتها الإنسان، وتفقد إياه امتلاءه الوجودي، وتتركه في عهدة الآخرين، أما الكينونة فتنتفي كفقاعات الصابون، وبانتفائها ينتفي الإنسان وتقتحمه عاصفة من الخواء الوجودي .
يقول الناس " لعبد الله " :
- اسمك جميل .
وهذا الكلام لا يخلو من استهزاء، فيرد " عبد الله " بكلام متكتم :
- في ماذا أفادني هذا الاسم ؟! إن السماء تنكرت لي، الأرض صفعتني، ففي كل سنة تتفكر السماء الناس وتبعث إليهم بالأمطار، أما أنا لم تتفكرني يوما لتخرجني من إعاقتي، تبا لهذا الاسم ولجماله " .
يقف " عبد الله " في الطريق، ولا سيارة أجرة تقف، يقول عبد الله :
- إنهم يقولون أن رائحتي كريهة، لماذا يشمون رائحتي أنا فقط ؟! هل لأنني معاق ؟ لماذا لا يشمون رائحة هذا الوطن المثخن بالفقر الكريه ؟ آه لقد عرفت ! إنهم عبارة عن كائنات خوافية جبلت على شم الخنوع، لهذا هم يشمون رائحة " عبد الله "، هذا المعاق الذي يرزح تحت ثقل الفقر والنسيان و الإهمال ... تبا " .
يتمم " عبد الله " :
- الإعاقة ليست دليلا على الخنوع، بل إن المعاق ثائر يتحدى صروف الإهمال، وعوادي النسيان، لا أمل في السماء، ولا أمل في الأرض، أترك " براكتي " خاوية، وأنطلق كريشة تعبث بها الرياح، ولا أعرف مصيري بعد ذلك، المهم أنني أوجد، وأناضل من أجل هذا الوجود، لا أعول على أحد، لأن هؤلاء أكثر إعاقة مني، فالسماء معاقة، مزاجية، ولا يحكمها منطق، ولا توزع خيراتها باقتدار وعدالة، أما الأرض فلا حديث ولا حرج، إن أفرادها هؤلاء، المعلقون في أوحالها ما فتئوا يبتهلون تعويذات الرجاء في سماء أسحت خيرها على بعض وتنكرت للبعض الآخر، إنهم أكثر إعاقة مني، فالإعاقة ليست جسدية فحسب، بل هي فكرية، وهذا هو الأخطر، انظر إلى هؤلاء الحثالات إنهم يسموني " بالهرش " كوني حسبهم هشا، بمعنى أنني غير قادر وعاجز، لكن ما كنت أستمر ستين سنة على هذه الحالة، وأنا على قيد الحياة، إنني ثائر والثورة تغلي في كياني، أما هم هم المعاقون لكونهم مازالوا على وضعيتهم يحكمون على الآخرين بالعجز، ويربون أبناءهم على قلة الاحترام، ولم يخرجوا بعد من إعاقتهم، إنهم فقراء، ويستخفون بمن هم أكثر فقرا منهم، أما أنا لم يقهرني الزمان، أنا من قهرته " .
لم يتزوج " عبد الله "، فالزواج مرتبط بالاستقرار، لكنه هو إنسان أفاقي، لا يحب الاستقرار، بل رحال دوما، " فبراكته " لم تبرح مكانها، فدائما ينتقل من مكان، يقوم الشباب بتحويل " براكته " مقابل أجر، وذلك تفاديا لشغبهم، ففي كل مرة يهاجمونه في منتصف الليل، ويبثون الرعب في داخله .
لقد أحب " عبد الله " يوما، لكن :
- تلك الشمطاء لم تبادلني إياه، كان اسمها " زهرة "، لكنها لم تكن كذلك، إنها كانت كالإسفين طمر الحب في قراري العميق، لكن أنا حي، وقيمتي نابعة من داخلي، وما تعيش البشرية بالحب دائما لصنع الإنسان، فصروف الحياة هي التي تصنع الإنسان " .
يقول الناس :
- عبد الله ميت .
يقول " عبد الله " :
- أنا حي
وتبقى رائحة الفقر الكريهة تخنق المهمشين، وهم يموتون في صمت ...
يتبع
عبد الله عنتار / واد زم / 27 يناير 2014 / واد زم - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (31)
- نحو رؤية هادئة للتملق
- منزلنا الريفي ( 30 )
- عائد إلى القرية
- حمى الاستسلام
- دروب التيه
- نشيج الكلمات
- منزلنا الريفي (29)
- منزلنا الريفي (28)
- منزلنا الريفي (27)
- منزلنا الريفي (26)
- منزلنا الريفي ( 25 )
- منزلنا الريفي (24)
- منزلنا الريفي (23)
- منزلنا الريفي (22)
- منزلنا الريفي ( 21 )
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة
- شرارة وعي من داخل التيه من أجل التيه - قراءة تفكيكية في أعما ...
- منزلنا الريفي ( 19 )


المزيد.....




- -ذبدبات من غزة- يظفر بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان لندن ال ...
- إعادة الإنتاج في 2024.. أفلام تبحث عن نجاح الماضي لكن النتائ ...
- نزل تردد قناة ماجد الجديد 2024 أحلى الأغاني المميزة لأطفالك ...
- دوناتا كنزلباخ.. ناشرة ألمانية وقعت في غرام الأدب المغاربي
- -منتدى أصيلة- يحتفي بـ-شغف وإرادة- محمد برادة
- ماضي الهيمنة والاستعمار.. هل تتغلب الفرنكوفونية على انحسارها ...
- نعي رسامة تشكيلية فلسطينية استشهدت رافضة النزوح من شمال غزة ...
- الإعلان 2.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 168 مترجمة على فيديو لا ...
- مسلسل الدم الفاسد الحلقة 10 مترجمة قصة عشق
- محاسن الخطيب: فنانة تشكيلية من غزة تنبأت بمقتلها في الحرب -و ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 32 )