مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 4346 - 2014 / 1 / 26 - 21:47
المحور:
كتابات ساخرة
(جَنّة جَنّة جَنّة الله يا وطنا) أغنية ما تزال تُحَرّك مَشاعري وتثير في نفسي أحاسيس مُختلطة لحُزن على وإشتياق الى وطَن ومَدينة هي بَغداد الحَبيبة، التي لم أكن أظن يوم غادَرتها بأني سأغادِرها الى الأبَد، وبأني لن أعودَ لأستقِر فيها رُبّما وﻻ-;- حَتى في لحد، بَعد أن باتت نَهباً للدُخلاء والطارئين إﻻ-;- ما رَحِم رَبّي، وبات أهلها أغراباً فيها وعَليها ولم يَعُد لهُم فيها مَوطيء قدَم. كما أني مازلت أرى هذه الأغنية رائِعة رَغم بَساطة كلِماتِها التي تبدوا ساذِجة بمَقاييس اليوم رُبّما لأنها صادِقة، ورغم بَساطة لحنها المُكوَّن مِن جُملة واحِدة تكرّر نفسَها رُبما لأنه نابع مِن القلب.
جَنّة جَنّة جَنّة الله يا وطنا
يا وَطن يا حبَيّب يا أبو تراب الطيّب
حَتى نارَك جَنّة
زينة زينة زينة نِحمِل يأيدينا
ونِدعي بالسَعادة القرية والمَدينة
إدعوا يا أهَلنا
دوري دوري دوري يا نوارس دوري
حَتى شوك بلادي ياسمين وجوري
وعِطرة مِن الجَنّة
دار دار أزورك وبيت بيت أطوفك
خوفي يا حَبيبي أموت وما أشوفك
يا أبو المَحَنّة يا أبونا كلنا
هو بالفِعل وطن جِميل حبَيّب وتُرابه طيّب، ولكن ناره لم تُصبح جَنّة، بل كبُرَت وامتدّت وأبنائه (الغيارى) يتفرّجون عَليها وهي تأكل أخضَرَه ويابسَه، ولا يُحَرّكون ساكِناً لإطفائِها، بَل يزيدونها حَطباً بأمراضِهم وعُقدِهِم. أما شوكه فلم يُصبح ياسمين وجوري بل العَكس، فياسمينه وجوريه هو الذي أصبَح شَوكاً يُغطّي أرضَه التي باتت قاحِلة ﻻ-;- زرع فيها وﻻ-;- ماء. لذا هَجَرَته النوارس ولم تعُد تحَلق في سَمائه سِوى الغُربان وطيور الظلام. كما لم يَعُد عِطره مِن الجَنة بَعد أن باتَت رائِحة عُفونة فساد ساسَتِه تُزكم الأنوف. والسَبب في كل ذلك هو أنه للأسَف إبتلي بما لم يُبتلى به وطن، فساسَته فاسِدون ومُثقفوه سَلبيّون وعَوامُه ساذِجون، وهُم مُشتركون جَميعاً في مَسؤولية إيصاله الى البُؤس الذي هو عَليه اليَوم.
عِندَما كنا أطفالا صِغاراً ثم شُبّاناً يافعين نُغنّي هذه الأغنية، تغمُرُنا السَعادة ويَملأنا الأمَل بمُستقبل مُشرق بَين أحضان وطن لم تسَعُنا لضيقها، لم نكن نعلم بأن أي مِن عِباراتِها لن تتحَقق بإستِثناء واحِدة فقط وحدَها التي تحَقّقت وكأنها نُبوءة وهيَ :
خوفي يا حَبيبي أموت وما أشوفك
بغداد والعراق.. لكما مِني السَلام حَيّاً كنت أو مَيّتاً، وما بَقي الليل والنهار.
مصطفى القرة داغي
[email protected]
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟