|
جدليّة الكولونيالية !
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4334 - 2014 / 1 / 14 - 19:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يوجد بلد واحد في العالم باستثناء جزر نائية ومناطق محدودة متفرّقة بعد انتهاء نظام جنوب أفريقيا العنصري في العام 1994، يخضع للاستعمار المباشر، لا سيّما الاستيطاني، وتمارس على أرضه وشعبه العنصرية بكل أشكالها من الإجلاء والاحلال والتمييز والتهميش مثل الشعب العربي الفلسطيني، رغم مرور 53 عاماً على صدور الإعلان العالمي للقضاء على الكولونيالية. وبالعودة إلى القواعد القانونية الدولية أو القضاء الدولي، فقد أصبح الإقرار بحقوقه العادلة والمشروعة أمراً واجباً على جميع الأصعدة، لكن ذلك وحده ليس كافياً، فهو يحتاج إلى تضافر العديد من الجهود، خصوصاً الدولية والدبلوماسية الفلسطينية والعربية، الحكومية وغير الحكومية، لا سيّما فيما يتعلق بمبدأ حق تقرير المصير. كلتا القراءتين تنطبقان على فلسطين وحقها في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، الأمر الذي يحتاج إلى إثارته في جميع المحافل الدولية، لا سيّما بعد وصول اتفاقيات أوسلو 1993 إلى طريق مسدود جعلت محكمة العدل الدولية حق تقرير المصير في الكثير من قراراتها قاعدة قانونية آمرة وملزمة Jus Cogens، باعطائها هذه المكانة الرفيعة. وقد ورد مبدأ حق تقرير المصير مرتين في ميثاق الأمم المتحدة، الأولى فيما نصّت عليه المادة الأولى (الفقرة الثانية) المتعلقة بأهداف الأمم المتحدة، حيث جاء فيها: «إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس المساواة في الحقوق، وحقها في تقرير مصيرها»، والثانية: فيما نصّت عليه المادة الخامسة والخمسون حين أكّدت «الرغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريتين لقيام علاقات سليمة وودية بين الأمم، مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها، حق تقرير مصيرها». وقد شغل حق تقرير المصير، حيّزاً هاماً من مناقشات الأمم المتحدة، منذ قيام المنظمة الدولية وبشكل خاص منذ العام 1950 خلال مناقشة مصير الشعوب والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والمشمولة بنظام الوصاية. ولعلّ تقنين مبدأ حق تقرير المصير جاء واضحاً في الإعلان العالمي لتصفية الكولونيالية (الاستعمار) الذي جرت الإشارة إليه بالتأكيد على: حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها، واعتبر الإعلان جميع الأعمال العسكرية أو الإجراءات القمعية ضد الشعوب غير المستقلة، غير شرعية، وينبغي أن تتوقف، كيما تمارس هذه الشعوب حقها وحريتها في الاستقلال الكامل وفي السلام. وللأسف الشديد لم يتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان The Universal Declaration of Human Rights الذي تبنّته الأمم المتحدة في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948 الذي صدر عقب النكبة الفلسطينية، وقيام دولة "إسرائيل" في 15 أيار (مايو) 1948، أية إشارة إلى حق تقرير المصير. الأمر الذي يعتبر نقصاً فادحاً، وهو ما جرى تداركه لاحقاً سواءً بالعهدين الدوليين أو بإعلان الأمم المتحدة حول السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية الصادر في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1962 (الدورة السابعة عشرة) أو الإعلان العالمي حول حقوق وواجبات الدول الاقتصادية رقم 3281 الصادر في 12 كانون الأول (ديسمبر) 1974 أو غيرها. لكن مبدأ حق تقرير المصير بما حمله من وهج نضالي وقانوني وإنساني، ظل مطمحاً لشعوب وأمم كثيرة، لا سيما في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تجسّد في إعلان القضاء على الكولونيالية كما تمت الإشارة إليه، وكما ورد في العهدين الدوليين الصادرين عن الأمم المتحدة: الأول في 16 كانون الأول (ديسمبر) 1966، (العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الذي دخل حيّز التنفيذ في 3 كانون الثاني (يناير) 1976، والثاني (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) الذي دخل حيّز التنفيذ اعتباراً من 23 آذار (مارس) 1976، حيث نصّت المادة الأولى لكليهما على مبدأ حق تقرير المصير. تقول المادة الأولى من كلا العهدين ما يلي: 1- لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرّة في تقرير مركزها السياسي وحرّة في السعي، لتحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. 2- لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، الحق في التصرّف الحرّ في ثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي، ولا يجوز في أي حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة. 3- على الدول الأطراف في هذا العهد -بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية- أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير، وأن تحترم هذا الحق، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن النص الصريح بشأن حق تقرير المصير الوارد في العهدين الدوليين، وهما اتفاقيتان دوليتان شارعتان أي منشئتان لقواعد قانونية دولية جديدة أو مثبّتة لها يعتبران مُلزمين منذ تاريخ نفاذهما تجاه جميع الدول الموقعة عليهما. ناهيكم عما يتضمناه من قوة معنوية وأدبية، أخلاقية وسياسية، فضلاً عن حجيتها القانونية بالنسبة للشعوب المطالبة بهذا الحق. ولعلّ ثمة اختلافات فقهية بخصوص النص ومدى شموليته، ناهيكم عمّا ذهبت إليه الأعمال التحضيرية التي تفضي قراءتها وتدقيقها إلى اعتبار النص حقاً شاملاً، لا سيّما تجاوز الحالة الاستعمارية الواردة في القرار 1514 الصادر في 14 كانون الاول (ديسمبر) 1960 إلى ما بعدها. أي استمرار وظيفة حق تقرير المصير حتى بعد الحقبة الاستعمارية، لا سيما إذا خلا العالم من الاستعمار، وإذا كان ما ورد يفيد المستعمرات، إلاّ أن الشعوب يمكنها الاستفادة منه أيضاً، حتى بعد أفول نجم الاستعمار، فما بالك باستمرار الاستعمار الاستيطاني في فلسطين؟! إن القراءة التي تعتبر النص شمولياً وحقاً لا يتوقف لمجرد انتهاء الحالة الاستعمارية التقليدية، هي قراءة تنطلق من الموقف الذي تعتبره منسجماً مع المادة الأولى من العهدين الدوليين التي تفرض على الدول الأعضاء التزامات محدّدة، ليس فقط تجاه شعوبها، بل تجاه كل الشعوب غير القادرة أو تلك التي جرّدت من إمكانية نيل الحق بتقرير المصير. وهذه القراءة أكثر تساوقاً مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ولعّل الاستنتاج المهم الذي يقوم عليه هذا الاتجاه، هو أن حق تقرير المصير يعتبر حقاً شاملاً لا غبار عليه، ولا إبهام فيه. أما القراءة الثانية التي تميل إليها بعض الدول ذات التنوّع القومي والاثني، لا سيما القوى المتسيّدة فيها، خوفاً من التفكك والانفصال، استناداً إلى مبادئ الوحدة الإقليمية واحترام الاستقلال السياسي ووحدة الأراضي وسيادة الدول، تعتبر أن حق تقرير المصير يخصّ الحق الخارجي لشعوب رازحة تحت نير الكولونيالية. أما الحق داخلياً، فيمكن التعبير عنه في إطار الدولة الموحدة بأشكال مختلفة للحكم الذاتي. كلتا القراءتين تنطبقان على فلسطين وحقها في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. الأمر الذي يحتاج إلى إثارته في جميع المحافل الدولية، لا سيّما بعد وصول اتفاقيات أوسلو 1993 إلى طريق مسدود، خصوصاً مرحلتها النهائية العام 1999، التي لا نزال نعيش ذيولها رغم مرور عقد ونصف العقد من الزمان تقريباً، حتى وإن تم تحريكها من جانب إدارة الرئيس الأمريكي أوباما مؤخراً، إلاّ أنها ستظلّ تدور في الفلك نفسه، طالما ترفض "إسرائيل" حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، ولو بحدّه الأدنى (العودة إلى حدود 4 حزيران/يونيو/1967) وتفكيك المستوطنات وإقرار حق العودة.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العودة إلى ما قبل أوسلو
-
تركيا وبرزخ «الفساد»!
-
صفاء الحافظ وصباح الدرّة :ثلاثون عاماً على الإختفاء القسري
-
أحقاً هي السلطة الرابعة؟
-
هل استوطن الإرهاب في العراق؟
-
البحرين: إضاءات على طريق الوحدة الوطنية والتغيير والعدالة!
-
رذيلتان لا تنجبان فضيلة
-
عبد الرحمن النعيمي اليساري الأكثر اعتدالاً: حين يعجن وسيلته
...
-
مانديلا وثلاثيته الأثيرة!
-
براغ والقدس
-
نيلسون مانديلا .. الأسود الأكثر نصاعة
-
موسم الانتخابات العربية
-
الجاسوس والجاسوسية!
-
التغيير: الشرعية ونقيضها
-
الإعلام والإرهاب: السالب والموجب !
-
الروس قادمون.. نعم ولكن
-
من هو قاتل عرفات!؟
-
حقوق المرأة والخلاف في الجوهر
-
جراح الذاكرة والإفلات من العقاب
-
دبلوماسية مكافحة الإرهاب!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|