أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - لماذا تضحك وأنت ميتٌ جوعاً؟














المزيد.....


لماذا تضحك وأنت ميتٌ جوعاً؟


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 4334 - 2014 / 1 / 14 - 01:39
المحور: الادب والفن
    


إلى اليرموك


ينشب المخيم أظافره في أرواحنا كلما مسّه الصراخ، نختبئ في زوايانا كأرانب خائفة، ماذا سنرد عليك؟ كيف سنفهم انفلاتك من حضن العقل والتجاءك إلى الله وحده؟ كيف سنفسر لأنفسنا أننا بشر أسوياء ونحن نقضم سيرتك ساعةً بساعة، ونعلق على ذبولك خيباتنا وركودنا اليومي؟ كيف سنقلب الصفحة على مأساةٍ أخرى ونحن لم نزل في المأساةِ ذاتها؟ أجلتُكَ كثيراً لأني كرهتُ أن أكون بهذا الجفاف أمام حيرة الدمع في عيون الأمهات، كرهتُ السياسة والخطابات والاتهامات، وكرهتُ الأمنيات التي لا يسمعها أحد، كرهتُ النياشين والميكروفونات، كرهتُ حدود قلبي أيضاً، لأنني لم أستطع أن أقول لك أن الصراخَ شوّه أذني فسمعته في كل شيء حتى في أذان الفجر.

فلتمت من الجوع، وسنكتبك كما كتبنا تل الزعتر من قبلك، ستنجو قصائدنا وتموت أنت، ستنجو قصائدنا وتموت أمنياتك الصغيرة على البوابات التي يحاصرها الوهم قبل أن تحاصرها الدبابات، لم يعد مهماً من يطلق النار، ولا من يستقبلها، ما دام الجوع يفرفط على الشبابيك المستحيلة، الشبابيك التي ترى الله ولا ترى ملائكة بأجنحةٍ من ضوءٍ تحمل في طيرانها كبشاً لينقذ الأولاد الصغار من الذبح، الشبابيك التي صنعتموها لتطل على الشمس لا على الخراب، ستسيل أمنياتكم على شفاه الرصاص، ويصرخُ قائدٌ آخر معدداً مجزرةً جديدة...

تمرُّ الوردةُ من بين مقصّين، أحدهما يريد أن يعدمها ليفسح مجالاً لوردته الخاصة، والآخر يريد أن يضعها في مزهرية على الطاولة، وفي الحالتين، وفي المقصين، الوردة مقتولة لا محالة.

تبكي طفلة من الجوع، ويظهر جلدها الأزرق كلونٍ إضافي على الطبيعة، ويكتب الشعراء فيها نصوصاً بهيّةً، لكنها تموت، ولن تقرأ نصاً، ولن تأكل رغيفاً حتى لو دخل اليرموك طعاماً بعد ذلك.

ليس العالم بهذا الوضوح الذي للدم النازف، من أين تأتي بالدم لتنزفه وأنت جائع؟ أليس في هذا حيرة السؤال أمام الطبيعة والتاريخ؟ من أين تأتي بقدرتك على الصراخ بينما الماء والملح عائدان من حفل تتويج؟ من أين تأتي بكل تلك القنابل التي تنفجر في وجوهنا ولا نموت؟ فقط نحصل على المزيد من التشويهات، لا أنف لا عيون ولا شفاه، وما زلنا نظن أننا أجمل الكائنات.

لقد تعرينا جميعاً، فقدنا القدرة على ارتداء ملابسنا من جديد، وفقدنا جلدنا لنرتدي الملابس فوقه، وفقدنا عظمنا لنضع فوقه الجلد، وفقدنا الشرايين كي يرتكز العظم عليها، فقدنا انبهارنا بالمجزرة، فقدنا حريتنا في أن نكون مأتماً للخارجين من فرن الحياة متبلين بالمأساة، فقدنا حتى ما عاد لدينا ما نفقده.

تستمر الفتاة بالجلد الأزرق في الحضور، تفتت الهواء، نضغط زر الريموت كونترول كي نزيحها من الهواء، لكنها تظل، وتضحك؟ لماذا تضحكين ونحن ما عدنا مضحكين؟ لماذا تضحكين وقد متِّ جوعاً؟ هل يضحك ميت من الجوع؟ لم أجرب أن أحاور ميتاً من الجوع كي أعرف، لكنها تضحك وتسكب رأسها الربيعي الطازج على كتفي وتصرخ بأغنية ربما كانت هي الأغنية الوحيدة التي تعلمتها من أمها قبل أن تفقد الذاكرة والحياة: فلسطين الحرة بلادي... يا لها من بلادٍ أيتها البنت، ويا لنا من رجال لم يتعلموا كيف ينقذون بنتاً من الموت جوعاً، يا لنا من صناع تاريخ... ويا له من تاريخ.

تصبُّ السماء رأيها على شكل فَرَسٍ بيضاء بذيل أحمر، الأحمر ليس دماً بل خطاب الروح إلى ما تبقى في الأرض من وجع، ستموتون كلكم من اليأس أو من خفة الأقدام في طريق الحرية، لن يبقى أحد ليشي لأحد بألم أحد، ستنتفض الفرسُ ويخرج من حوافرها أولادٌ ماتوا في مقدمة العمر، ويخرج من حوافرها زهور ياسمين لم يتمكن أب من وضعها على قبر ابنه الذي لم يعرف مكانه، سيخرج من حوافرها خبزٌ وماءٌ ولن يجد من يأكله، ستخرج من حوافرها صلوات كثيرة لن يصليها أحد، ولن يستجيب لها أحد، وسيفنى الجميع، أما الدمعُ المصحوب بعتابٍ لم ينطق به أحد، فهو الوحيد الذي سيبقى معلقاً في الهواء كتعويذةٍ ملعونةٍ ستلعن كل من يمر تحتها إلى أبد الآبدين.

الثالث عشر من كانون ثاني 2014



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أريدُ شيئاً من هذا العالم...
- مملكة جرجيريا قصة للأطفال
- ربَّما يَحْدُثُ شيءٌ كهذا...
- كلبٌ أعمى
- أقلُّ من بلادٍ قليلةٍ وأقلّْ
- على من سأبكي أولاً؟ قصة قصيرة
- وجاء في كتابِ البلاد
- محمد عساف: أذهب بعيداً حيث يحلق البلبل
- خالد يطلق العصافير قصة للأطفال
- مثل كركزانٍ حزين
- غْزِيْزْلِة وخْنِيْنِص قصة للأطفال
- أنا من سرقتُ الخيلَ
- سامر العيساوي، لم أرَ من قبلُ جيشاً في نظرةِ عين...
- استشهد ميسرة أبو حمدية، ماذا عن الآخرين؟
- أنا مَنْ قالوا لكِ عنْهُ
- أجل، ستناغيك الوردة
- فيما كنتُ بذرة موسيقى
- تدمر دمشق تدمر
- يا صاحب المقام
- وليد يريد أن يكون قائد سفينة قصة للأطفال


المزيد.....




- شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43 ...
- اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
- ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران- ...
- 80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع ...
- بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب ...
- مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند ...
- كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت ...
- إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
- هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف ...
- كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - لماذا تضحك وأنت ميتٌ جوعاً؟