|
المتناهي و اللامتناهي في تطور مجتمعنا العربي (الفكر الجدلي عند كيركجور)
علي مجالدي
الحوار المتمدن-العدد: 4331 - 2014 / 1 / 10 - 19:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعتبر سورين كيركجور أحد أبرز الفلاسفة الذين تبنوا الفكر الجدلي الذي إبتكره هيجل، و حاول أن يطوره و قد ساهم في ذلك بالفعل و جاء بما يعرف بالجدل العاكطفي ، حيث كان لظروف حياته و شكله الفيزيولوجي الكثير من التأثير على أفكاره ، إن لم نقل لها كامل التأثير فهذا الفيلسوف كان قبيح الوجه سقيم الجسم كان يعاني من اعوجاج في ظهره و عدم القدرة على السير في ثبات ،و في مقابل ذلك كان يمتلك ذهنا سليما ذو قدرة عالية على التفكير و الخيال فهذه المتناقضات بين الجسد و الروح هي التي كونت العقل الجدلي عند كيركجور، حين كان يقول "عندي أن كل شيء جدلي". من هذا كله يتضح لنا كيف كان كيركجور يشعر بصراع عنيف في داخله،و كيف كان يحس أنه تعبير حي عن التناقض و إلتقاء الأضداد حيث ذهب إلى أن الذات تتألف من عاملين هما المتناهي و اللامتناهي و الإمكان و الضرورة، و لو تأملنا قليلا هذين العاملين لوجدنا أنهما تعبيران عما كان يستشعره في داخله من صراع بين الجسد و الروح ، فالجسد هو العامل المتناهي الذي يحدد و يقيد انه عامل الضرورة، أما الامتناهي فهو عامل الاتساع و الخيال، عامل الامكان و الحرية ،و على حد تعبير جال فال:"بأن العالم اللامتناهي يعتبر آلة تعذيب مستمرة لأنه يقيد الإنسان و يجرده من حريته". و لفهم فحوى هذه الأفكار و كيفية تشكلها لدى كيركجور ،هناك حادثة ذهابه إلى الطبيب من أجل علاج هذا التنافر بين الجسد و الروح، لكن خاب أمله حين نزع منه الطبيب كل أمل في الشفاء فما الذي حدث.....؟ فلنستمع إلى ما قاله تعليقا على رأي الطبيب و هي عبارة قد تبدوا غريبة للغاية :"عندئذ إخترت ، إخترت هذا النقص المؤلم بعذابه المنتظر.............و اعتبرته شوكة في الجسد حدي و صليبي.." و لكن ما وجه الغرابة في هذه العبارة ؟وجه الغرابة أنه ليس ثمة مجال للإختيار قط و هذا هو المعنى الحقيقي للإختيار عنده فهو دائما اختيار الظروري ، ليس إختيار بين ممكنات و إنما هو اختيار ما لابد من إختياره،إختيار الضرورة أو إذا شئنا الدقة هو إختيار الإستسلام أو الإذعان على نحو ما سنرى توا يقول عن كيفية وجود الحرية :" لا توجد الحرية وجودا فعليا إلا بسبب أنها في نفس اللحظة التي توجد فيها هذه الحرية و هي حرية الإختيار تندفع مسرعة بسرعة متناهية لكي تلزم نفسها بشكل مطلق باختيار الاستسلام أو الإذعان و هو الاختيار الذي لا يكون فيه قط أي ظل من الإختيار". إن المتناهي و اللامتناهي و الضرورة و الإمكان هي مقاربة يمكن تبنيها لفهم ديناميكية التطور لدى المجتمعات خاصة لدى مجتمعنا العربي ،ببعض الاضافات التي تخدم الموضوع فالمتناهي الذي نعبر عنه هو الواقع المعاش بكل أجزائه ، و ليس الجسد الذي عبر عنه كيركجور ،واقع بائس سقيم كجسد كيركجور بالضبط، و إن كان حقيقة أشد بؤسا منه و أكثر اعوجاجا من عموده الفقري، أما اللامتناهي فهو فهو عالم الأفكار و الروح كما عبر عنها الفيلسوف كيركجور بالضبط، فعالم الأفكار و الروح مرتبط بالامكان و الحرية و المثالية ،أما الواقع فمرتبط بالظرورة و الحد من الإختيار، و لو ضربنا مثال بسيط عن فرد عربي يعيش في مجتمع و واقع يتميز بالتخلف ،و قمنا بدراسة عالم أفكاره و ماتعبر عنه روحه خلال مرحلة دراسته الجامعية، و دونا هذه الأفكار في دفاتر و عدنا إليه بعد 20 سنة و قمنا بدراسة لتطور حياته الواقعية لوجدنا تناقض كبير بين عالم الفكار التي دوناها و عالم الوقائع فنجده خضع و استسلم لظروريات الواقع ،وسيقل هذا التناقض بشكل كبير لو اجرينا الدراسة على انسان في العالم المتقدم، فهذا الانسان لم يكن امامه طريق آخر يسلكه و لم يكن في استطاعته أن يفعل شيء فهو سجين هذا الواقع الشائه، إن المجتمع الذي لا يطور في عالمه المتناهي و اللامتناهي لا يتطور بكل بساطة فتجده يتميز بالجمود و التخلف و عدم القدرة على تلبية حاجات أفراده التي يعبر عنها بعالم أفكارهم. فلو أخذنا مثال آخر عن حال الجزائر أثناء الإستعمار و بالتحديد قبل سنة 1954 (تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية)، فلوجدنا ان المجتمع كان يعبر عن عالم أفكاره و روحه في رغبة ملحة في العيش بحرية و توفير قدر من الامكان يعبر عنه بحرية الاختيار بعيدا عن جو الإستعمار و هذا يمثل العالم اللامتناهي للمجتمع الجزائري ،أما العالم المتناهي فيعبر عنه بالإستعمار الواقع البائس الذي يمثل ضرورة العيش البائس و الاستسلام و الخضوع للمستعمر.و لكننا نلحظ و أنه و بعد ثورة نوفمبر 1954 و هي ثورة اللامتناهي على المتناهي ثورة الإمكان على الضرورة ، فلقد استبدل المجتمع الجزائري بعد استقلاله عالمه المتناهي بعالمه اللامتناهي فأصبح ما يصبو اليه واقع ، و شكل عالم لا متناهي جديد مكون من أفكار جديدة فهذ الجدل متناهي لا متناهي هي ضرورة لتطور المجتمع ، فنحن اليوم بحاجة إلى ان نثور على عالمنا المتناهي و نستبدله بعالمنا اللامتناهي الذي نصبو اليه.فجو الاستقلال الذي كان يبدو فكرة مثالية و امكان تحده الضرورة أصبح واقع اليوم ليس في الجزائر فقط بل في جميع الأقطار العربية تقريبا، فهذا الواقع المتناهي اليوم الاستقلال كان فكرة لامتناهية في الماضي.لقد كون العقل العربي عالم جديد من الافكار كيفية تحقيق التقدم و استبدالها بالتخلف و استبدال الظلم الاجتماعي بالعدالة الاجتماعية ، فنحن اليوم بحاجة إلى جعل هذا العالم اللامتناهي عالم متناهي ، من أجل استمرار تطور مجتمعاتنا التي توقفت عن التطور و استسلمت لعالم الضرورة و الإدغان.
#علي_مجالدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية حضارة الغرب
-
السيناريوهات المستقبلية للصراع بين الولايات المتحدة الأمريكي
...
-
أهمية مضيق هرمز بالنسبة لإيران
-
القوى الإقليمية الفاعلة في الصراع الأمريكي الإيراني في بحر ق
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|