|
سوران وبهدينان ... إقترابات
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 12:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل توجد هنالك معايير واضحة ، تُحّدِد ( صِفات ) شعبٍ ما ؟ .. كأن نقول مثلاً ، ان الألمان أذكياء ، او ان الروس شُجعان ، او ان المصريين مَرِحون ... الخ ؟ .. وهل ان إطلاق النعوت ، على مُدُنٍ أو مناطق ، شئٌ صحيح ؟ كأن نقول ان أهل الموصل بُخلاء ، أو ان سُكان الجبايش بُسطاء ومتواضعي الفهم ؟. المُشكلة .. انه ليس فقط ، الشخص العادي ، يستند غالباً على هذه " المعلومات " التي تحّولتْ تدريجياً ، الى أحكامٍ مُسبَقة مُسّلَمٌ بها.. بل حتى بعض المهنيين والإختصاصيين في الإجتماع والسياسة ، يفعلون ذلك أيضاً ! . ولكي نحصر الموضوع ، في نطاقٍ ضّيِق ، دعنا نتحدث عن ( منطقة بهدينان ) في مُقابِل ( منطقة سوران ) .. وهذه من المواضيع [ المسكوت عنها ] من الناحية الرسمية ، في حين أعتقد ، ان الأحزاب السياسية الكردية ، خلال الخمسين سنة الماضية ، وبدلاً من سعيِها الى توحيدٍ فعلي بين المنطقتَين ، فأنها فاقمَتْ في الواقع ، من الفروقات بينهما ، بصورةٍ متعمدة من أجل مصالحها الحزبية أحياناً ، أو بصورةٍ غير متعمدة أحياناً أخرى ، من خلال ضيق أُفقها السياسي . - بالنسبة لكردستان العراق ، فأن بهدينان تشمل محافظة دهوك بالكامل ، إضافة الى بعض القرى والقصبات العائدة الى أربيل . في حين ان سوران تضم محافظة السليمانية كلها ومعظم أربيل . علماً ان كافة القرى الكردية في سهل نينوى وكذلك سنجار ، تُعتَبَر بهدينانية ، في حين ان كركوك ومخمور وخانقين ، تُصّنَف ضمن سوران . الفرق الرئيسي هنا ، هو بين [ اللهجتَين ] : السورانية والبهدينانية ، عموماً . علماً ان اللهجة السورانية ، تضم العديد من اللهجات الفرعية المختلفة ، وكذلك البهدينانية ، تشمل الكثير من اللهجات الفرعية المتنوعة . - معظم كرد تركيا وسوريا يتكلمون اللهجة البهدينانية ، وكُرد إيران يتقاسمون اللهجتَين . أي بعبارةٍ أخرى ، فأن النسبة الأكبر من مجموع الكُرد ، يتحدثون البهدينانية بلهجاتها الفرعية المختلفة . علما ان كُرد تركيا ينفردون بالكتابة بالحروف اللاتينية . غير ان عدد المتكلمين بالسورانية ، في أقليم كردستان العراق ، أكثر من المتكلمين بالبهدينانية . - ان إختلاف " اللهجات " الكردية ، ليسَ شيئاً فريداً ، فكل لغات العالم فيها الكثير من اللهجات المحلية المختلفة الى حدٍ كبير . وأقرب مثالٍ على ذلك ، ان العربي اليمني مثلاً ، لايفهم اللهجة التونسية او الجزائرية ، ولا المغاربي يفهم اللهجة الخليجية .. ولكن الذي يجمعهم ، هو اللغة العربية الفُصحى . وهذا هو بالضبط ، ما ينقص الكُرد : أي الإفتقار الى ( لُغةٍ كردية فُصحى مُشتركة ) . وذلك هو الذنب الكبير الذي يتحمله القادة السياسيون الكُرد ! . فلو كان القُرآن قد ساهمَ الى درجةٍ كبيرة ، في صياغة اللغة العربية الفصحى وقّربَ ثقافات القبائل العربية الى بعضها البعض .. فأن الزُعماء البريطانيين بعد الثورة الصناعية ، فرضوا اللغة الإنكليزية الموحدة ، فرضاً ، على جميع أجزاء بلادهم ، كذلك فعلتْ فرنسا وإسبانيا وألمانيا ... الخ . ان المجمعات اللغوية الكردية ، رُبما تكون مُقّصِرة ، في هذا الجانب ، وتتحمل جزءاً من المسؤولية .. لكن فشل الزعماء السياسيين ، في الإتفاق على صهر اللهجات الكردية الرئيسية ، في لُغةٍ كردية فُصحى مُوّحدة .. يدلُ على قصورٍ شنيع ، في نظرتهم السياسية ، وإفتقارهم الى نهجٍ وحدوي إستراتيجي .. إذ ان [ اللغة ] المُشتركة ، هي من أهم متطلبات الأُمّة وبالتالي خطوة جدية نحو تشكيل الدولة المُستقلة . ان إبتداع لُغة كردية فُصحى مُوّحَدة ، بحاجةٍ الى [ قرارٍ ] سياسي جريء . ................................... ان إسقاط مسألة إختلاف اللهجات وما يتبع ذلك من فروقات ثقافية ، بين بهدينان وسوران ، على الوضع السياسي الإجتماعي الحالي في أقليم كردستان ، يستدعي الملاحظات التالية : * محافظة دهوك الحالية ، كانتْ عائدة الى لواء الموصل ، لغاية نهاية الستينيات من القرن الماضي . ومدينة دهوك لاتبعد سوى ستين كيلومترا فقط عن الموصل . أي ان الجغرافيا فرضتْ تأريخياً ، أن يكون تأثير الموصل كبيراً ، على " بهدينان " سياسياً وإجتماعياً . وكذلك التأثير التركي لاحقاً ، أي " بعد 1991 " ، بفعل الحدود المشتركة والمصالح المتبادلة . في حين ان كركوك ، تُشكل " عازلاً " ، بين السليمانية وبغداد .. والسليمانية بفعل تطرفها شرقاً وحدودها المشتركة وقُربها من إيران ، فأن التأثير الإيراني واضحٌ تأريخياً في مُختلَف المجالات . إذ نستطيع القول ، ان بهدينان ، أقربُ " ثقافياً " الى الموصل / بغداد ، ومن ثم لاحقاً تركيا .. في حين ان السليمانية أقرب الى إيران . بينما أربيل ورغم إمتلاكها لحدودٍ مع إيران في حاج عمران ، فأنها ، بالمُجمَل تُشكِل حالةً وسطية بين السليمانية ودهوك ، ليسَ فقط ، جغرافياً .. بل ثقافياً أيضاً ! . * قبل أكثر من سبعين سنة ، حين كانتْ هنالك بعض المدارس " الكردية " في السليمانية ، فأن دهوك كانتْ مُجّرد قضاءٍ تابع للموصل .. قبل عشرات السنين ، كانتْ هنالك منتديات ثقافية عديدة في السليمانية ودور سينما ومسارح ومعارض تشكيلية وفُرق موسيقية وغنائية ، في حين ان مُدن بهدينان كانتْ خالية تقريباً من هذه المنشآت الى سنوات قريبة .. أي إجمالاً .. هنالك فرقٌ واضح ، يجب الإعتراف به ، حول البون بين ، الواقع الثقافي في المدينتَين .. * أرى انه في الذهن الجمعي لمُجتمع أقليم كردستان ، هنالك شُبه إنطباع ، على ان الحزب الديمقراطي الكردستاني ، هو [ حزبٌ بهديناني ] ، وان الإتحاد الوطني الكردستاني ، هو [ حزب سوراني ] .. على الرغم ان كِلا الحزبَين ، ينأيان بنفسَيهما ، عن هذه ( التُهمة ) ! . والمشكلة .. ان حركة التغيير ، ورثتْ عن الإتحاد الوطني ، هذه التَرِكة .. وعانتْ التغيير منذ تأسيسها ، من هذه المُشكلة ، ولا زالتْ تُكافح على أكثر من جبهة ، من أجل إبعاد هذا الإنطباع المناطقي ، عن نفسها ! . * فشلتْ وزارة التربية في الأقليم ، طيلة السنوات الماضية ، في وضع سياسة إستراتيجية واضحة المعالم ، حول " لغة تعليم مُوحدة " ، وتخبطتْ في توجيهاتها في كل سنة دراسية ، مما أربك الإدارات والطلبة معاً .. ولا سيما في مناطق بهدينان .. حيث ان الوزراة ، من دون ان توفر الكادر التعليمي المتمكن ولا المُستلزمات الضرورية .. فأنها فرضت اللهجة السورانية ، على مدارس بهدينان .. فلا المُعّلِم كان يستطيع توصيل المادة ، ولا التلاميذ كانوا يفهمون .. فتأثر جيلٌ من الطلاب ، سلبياً .. نتيجة هذه السياسات التربوية المستعجلة وغير المدروسة . * بعد إنتخابات 1992 ، فأن هنالك حزباً واحداً فقط ، يُحكم قبضته على السُلطة في محافظة دهوك ، هو الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ويُسيطر على الموارد وعلى مفاتيح التجارة والمقاولات والعقارات .. الخ . ويُهيمن على النقابات المهنية والمنظمات المدنية والهيئات " المُستقلة " .. أي بعبارةٍ اُخرى .. يستحوذ على جميع آليات [ القُوة ] : وسائل العُنف ، المتمثلة في البيشمركة والشرطة والأسايش والأجهزة الأخرى ، المال ، الإعلام ، القضاء . الفرق بين بهدينان / الحزب الديمقراطي ، وسوران / الإتحاد الوطني .. هو ليس " وداعة " الإتحاد ، مُقابل " شراسة " الديمقراطي .. فالإتحاد لايقل عن الديمقراطي ، مَيلاً الى الإحتكار في كل شئ ، إينما سنحتْ له الفُرصة . لكن " هامش " الحُريات ولا سيما النقد والمُعارضة ، رُبما كان أوسع قليلاً في السليمانية ، مُقارنةً مع دهوك .. إضافةً الى وجود شخصٍ قيادي بارز في الإتحاد ، مثل " نوشيروان مصطفى " [ بغض النظر سواء إتفقنا معه أم إختلفنا ] ، إستطاع الخروج من شرنقة الإتحاد ، ونشط علناً في تحّدي السُلطة ، من دون تعّرُضه الى التصفية خلال السنوات الماضية . إذن الصفات " المدنية " الغالبة على مجتمع مدينة السليمانية ، والثقافة التراكمية ، وظهور قائدٍ كاريزمي .. كُل ذلك أدى الى ان يكون الحِراك السياسي في السليمانية " السورانية " ، نشطاً وفعالاً . مُقابل ، الطبيعة " العشائرية " الغالبة على مجتمع دهوك ، والمظاهر الثقافية الجديدة نسبياً ، وعدم توّفُر زعيمٍ يستطيع إستقطاب مُعارضة فعالة طويلة النَفَس .. أدى الى ضُعف الحراك السياسي والإجتماعي في دهوك " البهدينانية " ! . * الإتحاد الوطني الكردستاني ، ومنذ 1976 ، لم يستطع ان يجعل من بهدينان ، مكاناً لنشاطٍ حقيقي يستطيع مُنافسة سلطة ونفوذ الحزب الديمقراطي ، وحتى ان قيادات بارزة في الإتحاد ، كانتْ تقود تنظيمات الإتحاد في بهدينان ، بين فترةٍ وأخرى .. لكنها فشلتْ جميعاً ، في تغيير المُعادلة على الأرض . ولم ينجح الإتحاد في ، خلق قيادات محلية فاعلة تستطيع المقاومة في وجه إغراءات سُلطة الديمقراطي ، من جهة ، والصمود في وجه تهديداتها من جهةٍ أخرى . فحتى القيادات " البهدينانية " في الإتحاد ، الذين يُعّدون على أصابع اليد الواحدة ، كُلِفوا بمهمات أخرى في الموصل او الخارج . * حركة التغيير ، ومع مُحاولتها الإستفادة ، من تجارب وأخطاء الإتحاد الوطني ، في بهدينان .. إلآ انها عجزتْ حتى الآن ، عن العثور على آلية مناسبة ، ليس لخلق تنظيمٍ واسع ، فذلك بعيد الإحتمال حالياً .. ولكن فقط ، بناء أساسٍ معقول ومتين للحركة في دهوك ، يستطيع المواصلة والتعامل مع السُلطة . ............................ صحيح ان المُظاهرات والإعتصامات والحركات الإحتجاجية ، أكثر حدوثاً في السليمانية .. وصحيحٌ أيضاً ان الحركة الثقافية المتنوعة ، أنشط في السليمانية .. وصحيح ان هامش الحُريات بمختلف أنواعها " رغم محدودية هذا الهامش أصلاً " ، أكبر في السليمانية .. فلا أعتقد ، ان البناء ، على أساس : سوران أكثر ثورية وبهدينان أقل ، أو سوران أكثر ثقافة مقابل بهدينان أقل .. ليس سوى تسطيحٍ للواقع وتبسيط للأمور . إلا ان ( عُقدة ) سوران وبهدينان ، التي يبتعد السياسيون ، عن الخوض في تفاصيلها ، ولا يعترفون بوجودها أصلاً .. ينبغي على المثقفين مواجهة هذه المسألة ، وعدم إفساح المجال للسياسيين ، للمتاجرة بها وإستخدامها في مصالحهم الحزبية والمناطقية الضيقة ! .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يحدث في العراق
-
مهرجان -الرومي- والوضع العراقي
-
الفاسدين لايحبونَ الإحصاء
-
أقليم كردستان و -بطيخة- السُلطة
-
بعض ما يجري في كركوك
-
كُلٌ يشبه محيطه
-
- كاوة كَرمياني - لم يصمُت ، فقُتِل
-
إرهاصات تشكيل حكومة الأقليم -4-
-
الإنتقادُ والمديح
-
- نجمٌ - تهاوى
-
صراع النفط بين بغداد وأربيل
-
كلبٌ لِكُلِ مقهى
-
... إنْ لم تدركهُ ، ذَهَب
-
- بعض - اللاجئين والتحايُل على القوانين
-
إرهاصات تشكيل حكومة الأقليم -3-
-
ألعَنْ أبو الحُبْ
-
التربية والتعليم أولاً
-
إرهاصات تشكيل حكومة الأقليم -2-
-
إرهاصات تشكيل حكومة الأقليم -1-
-
إطلالة على زيارة البارزاني لدياربكر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|