|
الطاغية والاستبداد
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1230 - 2005 / 6 / 16 - 13:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن الطاغية هو نفس شريرة وسادية، تمتهن القتل والتنكيل والاضطهاد، كونها تعاني من اختلال في نظامها الداخلي الرادع المحتكم للقيم والأعراف الاجتماعية والدينية في التعامل مع الآخرين. هذا الفراغ والاختلال في النظام الروحي للطاغية، يجعله بشكل دائم يتحدث عن القيم والأعراف الاجتماعية والدينية ويحث الناس على التمسك بها، لكنه في الواقع لايلتزم بها وإنما هي محاولة منه لإسقاطها على المجتمع لكي يُوهم ذاته بأنه إنسان سوي وداعية لنشر العدالة والمساواة بين البشر. إن الحالة السادية وما يعاني منها الطاغية، تجعله لايستقر نفسياً إلا بسفك الدماء والتنكيل بالآخرين. إنه يستأنس بمتابعة مشاهد الذبح والقتل والتعذيب لمناوئيه، ولايعاني من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير لأنه فاقداً للإحساس والضمير معاً. يؤمن الطاغية بشريعة الغاب، فالمجتمع عنده عبارة عن فئتين: فئة الأقوياء الذين يفرضون إرادتهم وتوجهاتهم على الآخرين. والفئة الثانية الضعفاء الذين لايستحقون العطف والشفقة، وإنهم مجرد عبيداً وخدم خلقهم الله لتلبية رغبات الأقوياء المتميزون الذين منحهم الملك ليتحكموا بشؤون العباد!. يعتقد ((إريك فروم))" أن الشخصية السادية تتحول إلى شخصية استبدادية (هي شخصية الطاغية المتسلط) أو القوة الآمرة النشيطة التي لاتعترف بالمساواة بين الناس لأنها تتعارض مع الفلسفة التي تقوم عليه. صحيح أنها تستخدم (كلمة المساواة) لكنها لاتستخدمها بمعناها الحقيقي، بل وفقاً لأعرافها وقيمها وما تخدم مصالحها. إن العالم عند شخصية الطاغية، يتألف من نوعين من البشر، النوع الأول، هم الأقوياء المتميزون. والنوع الثاني، هم الضعفاء الذين لاحول لهم ولاقوة. أو يتألف من الأعلى والأدنى، والشخصية الأعلى المتميزة هي شخصية (القائد) أو (الزعيم) مبعوث العناية الإلهية". إن نزعة الاستبداد، هي نزعة شريرة لاتكمن إلا في ذات خربة تعاني من أمراض نفسية قاهرة لايمكن معالجتها إطلاقاً إلا بإهدار دمها. إنها عبارة عن بئر مهجور لاقرار له من السلوك غير السوي والمعادي لأقرانه من البشر، ولاهم لديها سوى تحقيق رغباتها ونزواتها الشريرة المتشربة بقيم الشر ساعيةً لفرض طغيانها على البشر. إن ما يكمن في ذات الطاغية من نوازع شريرة لاغاية لها سوى بث الرعب والقهر في نفوس الآخرين، وهي في الحقيقة نفس خاوية يستحيل إصلاحها أو التوصل معها إلى حلول وسط. إنها لاتؤمن إلا بخضوع الآخرين، وتبيح لنفسها استخدام كل وسائل القهر والتنكيل لتحقيق غايتها الدنيئة. يرى ((أفلاطون))" أن من يقتل الناس ظلماً وعدواناً، ويذق بلسان وفم دنسين دماء شعبه ويشردهم ويقتلهم...فمن المؤكد أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية". إن الطاغية يختلق الأسباب والأعذار لقتل الآخرين، إنها صفة متأصلة في ذاته ومتعطشة لسفك الدماء ولاتراعي الحرمات والأعراف والقيم الإنسانية، لأنها خاوية من أي فعل إنساني. والطاغية مستبد بالفطرة وغير قادر على التحكم في سلوكه وتصرفاته، لأن نزعته الشريرة هي التي تتحكم بمجمل أدائه العام. ومهما حاول إخفاء نزعته الاستبدادية والتسلطية فإن سلوكه وتصرفاته تعري ذاته الشريرة لأنها ذات غير سوية، ولاتستقر ولا تهدأ إلا بمشاهد دموية وتستمتع بصراخ وأنين الآخرين وما ينالون من تعذيب وقهر!. يعبر الطاغية ((الحجاج بن يوسف الثقفي)) عن تصرف من تصرفاته الاستبدادية في المسجد مخاطباً الناس قائلاً:" والله لا أمر أحداً أن يخرج من باب من أبواب المسجد، فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه". إن نزعة الاستبداد، صفة من صفات الطاغية لايستغني عنها أبداً في تعامله مع الآخرين. إنها تحقق رغباته في إجبار الآخرين على الإذعان والخضوع، وتقلل من فسحة منافسته على قيادة الدولة والمجتمع. ولاتنتهي تلك النزعة الاستبدادية من سلوك الطاغية بعد تصفيته النهائية للمعارضين، وإنما تتأصل فيه أكثر لأنه يعاني من حالة الجبن والخوف الدائم لشعوره بأنه حاكم غير شرعي ومستهدف، وسلطته قائمة على جماجم الملايين من البشر وأسس بناء نظامه قائمة على عشرات من المقابر الجماعية ويستحيل أن يفلت من العقاب. لذا يمارس المزيد من الاستبداد والقهر، لإدامة عمر سلطته لأمد طويل. وتوجيه ضربات استباقية للمعارضين على أساس الشك والريبة لاغير، بل أنه يشعر في قرارة نفسه أن المجتمع بكامله يسعى إلى الانتقام منه. ولايقتنع بمظاهر الإذعان والخضوع والتأييد الذي يبديه المجتمع، للتخلص من شروره واستبداده. يرى ((مونتسكيو))" أن موقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة". إن استبداد الطاغية، وحزه لرقاب الأبرياء من الناس يكون مبرراً عند وجود شخص معارض متستتر بينهم، فالغاية عنده تبرر الوسيلة للقضاء على أي شكل من أشكال المعارضة من خلال توجيه ضربات استباقية لا على التعيين. إن لم تؤدِ نتائجها المطلوبة في القضاء على احد المعارضين المفترضين، فإنها تبث الرعب والخوف في نفوس الآخرين وتمنعهم من التفكير في الاعتراض على سياساته وتوجهاته.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطاغية ووعاظ السلاطين
-
الطاغية والدين
-
الفلسفة وعلم المنطق
-
مفهوم الخير والشر في الفلسفة
-
الفرق بين العالم والجاهل
-
مفهوم الحب عند جلال الدين الرومي
-
*الصراع بين السياسي والمثقف: قيم أم مصالح؟
-
دولة القبيلة بين القيم والمصالح
-
أسلوب المقاومة السلمية ضد الأنظمة المستبدة
-
انماط السلوك غير السوي في المجتمعات المقهورة
-
الخطاب العلني للقوى المقهورة ضد القوى القاهرة
-
لقاء صحافي مع الباحث وخبير المياه في الشرق الأوسط السيد صاحب
...
-
سمات الخطاب المستور للقوى المقهورة
-
ردًّ الفعل الشعبي ضد ممارسات القهر والاستبداد
-
الصراع السياسي المستور بين القوى القاهرة والمقهورة
-
الكراهية والحقد الكامن في ذات الإنسان المقهور
-
السياسيون القردة
-
صراع القدر والإرادة بين السماء والإنسان
-
نشوء الدول القديمة والحديثة
-
صلاحية الحاكم والمحكوم
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|