|
هرطقة الولايات المتحدة: الى اين؟
زينب رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 1251 - 2005 / 7 / 7 - 09:53
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
الرسالة التاريخية للولايات المتحدة الامريكية الان هي نشر الديمقراطية، ازالة اسلحة الدمار الشامل والحرب على الارهاب. ذلك هو محتوى خطابات بوش اذ قال في احداها " ابتدأها الرئيس ريغان في محاربته الخطر الشيوعي وساعد شعوب الدول ذات الانظمة التوليتارية في الوصول الى الديمقراطية و هو – بوش- سيكمل تلك الرسالة بمساعدة شعوب الشرق الاوسط على تحقيق الديمقراطية". رغم مرور اكثر من عقد على انتهاء الحرب الباردة التي انتهت ب"انتصار" الولايات المتحدة على دول ما يسمى بالكتلة الشرقية، لم تر البشرية الا المزيد من الحروب والقتل والدمار والفاقة والتشرد للملايين و لايزال الوضع يسير نحو الاسوأ. الا ان الملفت للانتباه ان الولايات المتحدة لا تزال تعزف ذات اللحن وتصر على سعيها وراء "هدفها الانساني" لمساعدة كل انسان في الشرق الاوسط على استنشاق نسيم الحرية والديمقراطية. تبرز تناقضات السياسة الامريكية، كسياسية امبريالة، الى السطح كلما تقدمت اكثر. ان سياسة الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في افغانستان والعراق وفلسطين قد وصلت الى مفترق طرق، حيث لم يتنفس مواطني تلك البلدان الا رائحة الدم والجوع. ففي افغانستان، فقد وضع امريكا قرضاى فى الحكم على اساس انه شخص ديمقراطى ،ونصب نفس امراء الحرب(مجاميع طائفية دينية) على المناطق فالاضاع لم يتغير عما كان عليه فى وقت طالبان بل سار نحو الاسوء فالاحتكاكات والصراعات مستمرة فيما بين هذه الجماعات وزادت على ذلك صراعاتهم مع قوات الاحتلال الامريكى، فضلا عن ان الانسان الافغانى اصبح فاقدا لابسط مقومات الحياة فهناك الاحتجاجات اليومية على الاوضاع المعيشية المتدهورة على الرواتب المقطوعة وغياب الخدمات....ألأخ. وفى الحقيقة هذه هى ديمقراطية امريكا.اما في العراق، فالاعداد الهائلة من القتلى والجرحى و بشكل يومي بسبب الانفجارات والصراعات ما بين قوى الاسلام السياسي وقوات الاحتلال الامريكية و ما بين الجماعات الاسلامية السنية والشيعية و ما بين تلك الجماعات والحكومة المؤقتة والصراعات بين اجنحة الحكومة نفسها من اسلاميين و قومويين وطائفيين. جعل انعدام الامن جلي للعيان ومحط انظار العالم و تردي الاوضاع المادية والبطالة والامراض المتفشيةهوالجانب الاخرمن الاوضاع. ومن الواضح ان كلا الدولتين تسيران تجاه نفس الوضع الفرق القائم هو ان افغانستان لم تكن تتمتع ببنية تحتية قبل الاحتلال الامريكي اما بالنسبة للعراق، فقد دمرت الحرب الامريكية بنيته التحتية. وصراع قطبي الارهاب، ارهاب الاسلام السياسي و امريكا، اشد في العراق مما جعل اوضاع العراق اسواء بكثير. لقد سقطت حجة امريكا لاحتلال العراق القائمة على حيازته لاسلحة دمار شامل وكل الدلائل تشير الى خلو العراق من تلك الاسلحة. لقد سقطت حجتها في انها دولة غير محتلة بعد اصدار قرار من مجلس الامن الدولي يقر بكونها دولة محتلة. واتضح ذلك اكثر بعد توجه الشركات الامريكية للاستثمار في العراق و التنافس فيما بينها وحيازة تلك الشركات لحصة الاسد بعد ابعاد الدول التي عارضت الحرب. وصلت سياسية امريكا في العراق الى مأزق حقيقي في العراق رغم محاولتها استخدام سياسة الاحتواء مع الاسلاميين ودعتهم الى القبض على مقاليد الحكم مقابل تسليم اسلحتهم، وبهذا تكون قد استأمنت شرهم من جهه ومن جهة اخرى تكون قد دفعت الى السلطة اكثر القوى رجعية ودفعت بأفكار دينية متخلفة تتغذي بها القوى البرجوازية فى استغلالها واضطهادها لجماهير العمال والكادحين وفى نفس الوقت تخدم المصالح الامريكية ونمط الحكم في السعودية مثال على ذلك. ولم تلجأ امريكا الى تلك السياسة فقط في العراق بل في مصر ايضا اذ دعت الحكومة المصرية الى دعوة الاسلاميين- الاخوان المسلمين الى الكف عن العنف المسلح مقابل وعدهم بالسلطة، لكن هل ستنقذ هذة السياسة امريكا من ورطتها؟ وهل ستستقر حكومة تشكلها قوى الاسلام السياسي او بالاشتراك مع الاتجاهات البرجوازية الاخرى؟ فقوانين وتشريعات الاسلاموين ،عدا انها تعيد ذات العلاقة بين السلطة و الجماهير، السلطة كمضطهد و الجماهير كمضطهد، فانها تعني المزيد من القمع لكافة الحريات والميادين المدنية والحريات السياسية و الاجتماعيةو تحت ظل هكذا نوع من الحكومات، لا يمكن للاوضاع ان تستقر وسط غليان جماهيري لازال مستمرا لعقود و تعطش للحريات، لحكومة تتنتهي معها العلاقة المعتادة القديمة بين السلطة و الجماهير. لقد صورت الولايات المتحدة الامريكية مسالة الارهاب وضخمتها الى حد ان محاربته كانت تحتم على امريكا تغيير جغرافية العالم السياسية اجمع، ويستدعي احتلال دولتين مثل العراق وافغانستان وتم تضخيمه الى حد تم تشبيه الخطر الاسلامي بخطر الشيوعية وانه الحرب على الارهاب تستغرق وقتا طويلا، مثلما حوربت الشيوعية بالاسلام ( تم تأسيس و دعم عشرات بل مئات من المؤسسات الدينية و فتحت معسكرات تدريب للجماعات الاسلامية). فاليوم مواجهة الارهاب الاسلامي واديولوجيته ثقافيا واعلاميا يحتاج الى وقت، في حين ليست هناك اية مقارنة بين الاثنين، فالارهاب ليس دولة او نظام اقتصادي سياسي اجتماعي حتى يحتاج الى قوة عسكرية تجتمع فيها دولا من انحاء العالم ويعلنون الحرب على الارهاب. فالاسلاميون جماعات هنا وهناك، ففي احد التقارير السرية لرامسفيلد يقول هل سنكسب الحرب ضد الارهاب ام نخسرها؟ اننا نتكلف المليارات امام ارهابيين يتكلفون الملايين و ان الولايات المتحدة قد اعتقلت و قتلت ما يزيد على 3000 من عناصر القاعدة في 102 دولة منذ احداث ايلول. فأذا كانت امريكا جادة حقا في محاربة الاسلام كما فعلت مع الشيوعية فينبغي محاربتها بالعلمانية وهذا ما لاتريده لان ذلك سيقلب المرحلة التاريخية ضدها. لان العلمانية يعنى مؤسسات مدنية وحقوق الفرد فى المجتمع وذلك يعنى توسيع تطلعات الفرد فى كافة ميادين الحياة وبالتالى افراز وتفعيل قوة تقدميةعلى الصعيد السياسىتكون فى مواجهة مباشرة مع الرسمالية .فى حين ان حقوق الفرد في تراجع مستمر فى الغرب بصورة عامة لان الرسمالية اليوم بحاجة الى القمع اكثر مما سبق للحفاظ على نظامها. فحقوق المواطنة المتبقية فى الغرب الى حد الان هى خارج ارادة الراسمالية . لا نها لا تستطيع سحق مكتسبات قد حققتها الطبقة العاملة قبل قرون خلال نضالات ضارية مع الراسمالية.فالغرب بصورة عامة فى اتجاه تقويض حقوق الفرد فى بلدانها فكيف بسياساتها فى الشرق. اما بخصوص القضية الفلسطينية، فعدم التزام الحكومة الاسرائلية باي تعهد او اتفاق يتم نتيجة للمفاوضات مما تجعل الاوضاع تذهب من السيء نحو الاسوء، فمثلا الانسحاب من المناطق التي يتم الاتفاق عليها يطبق حسب المقتضيات السياسية لاسرائيل، واستمرارها في بناء الجدار العازل المدان من قبل مجلس الامن. كل ذلك يزيد من مسألة المقاومة –الاسلام السياسي- و يعطي لها الشرعية. ولا يمكن لامريكا اتباع سياسة الاحتواء مع الاسلاميين لان ذلك يهدد مباشرة وجود دولة اسرائيل. اما فيما يتعلق بمسالة نزع اسلحة الدمار الشامل، فحسب المؤتمر الاخير لدول 188 المتفقة على حظر انتشار الاسلحة النووية و حسب رأي الخبراء في هذا المجال، فأن هذة المعاهدة تمر بازمة فعلية و السبب يعود الى التعنت الامريكي في عدم التعهد بأستخدام هذة الاسلحة لمهاجمة دول اخرى وهذا ما تسعى وراءه دول عدم الانحياز مثل ماليزيا و الجزائر و من جهه اخرى تريد فرنسا الحفاظ على قوة ضاربة. فالدول الكبرى مثل امريكا كقوة مسيطرة على العالم و فرنسا كدولة راسمالية كبيرة يحق لها حيازة هذا السلاح و تطويره واستخدامه في مهاجمة دول اخرى وغيرهم لا يحق لهم ذلك.سكوت امريكا على دول ومحاربتها لدول اخرى، سكوتها على اسرائيل و الهند وباكستان لانها دول تخدم سياسة امريكا. ومجابهتها للعراق قبل الاحتلال، ايران ، سوريا ، كوريا الشمالية، و اعلانها عن سياسة توجيه ضربات استباقية للدول التي تهدد السلام العالمي. واخيرا ان حرب امريكا على العراق بحجة امتلاكه لاسلحة دمار شامل وتهديد دول اخرى تحت نفس الحجة، ابرز تناقض السياسة الامريكية الى السطح و على مستوى عالمي. ان امريكا قد ادخلت العالم الى مرحلة تاريخية جديدة باحتلالها افغانستان والعراق و ان سياساتها لم تخلو من تناقضات ومازق. الا ان ثبات وقوة امريكا في هذة المرحلة يعود الى قدرتها على تحويل هذة المرحلة التاريخية الى مرحلة تشهد تقدم كافة القوى والافكار الرجعية في حين انها كان من المفترض ان تشهد هجوم القوى التقدمية في العالم على الراسمالية في العالم بأسره. فموجة الاستياء العارمة التي يشهدها العالم اليوم ضد الرأسمالية وضد غطرسة وعنجهية الولايات المتحدة الامريكية كرأسمالية امبريالية قد ركبتها القوى الرجعية الاسلامية واعلنت نفسها كقوة وحيدة باستطاعتها مواجهة الراسمالية وخصوصا بعد احداث 11 ايلول الى درجة اصبحت معها القوى التي تدعي التقدمية و اليسار ذيلا للقوى الاسلامية لانها تلك القوى ترى في الاسلام السياسي القوة الوحيدة التي تواجه امريكا، في حين ان هذة القوى الاسلامية هي قوى سوداء ارهابية لا يمكنها الوقوف بوجه الرأسمالية فبالاضافة الى ان قوتها لا تعد شيئا امام قوة امريكا والغرب فأن الارهاب عمل بربري ضحيته الابرياء من الناس وتقف وراءه اديولوجية رجعية لا تخدم الا الطبقات الحاكمة وهي بعيدة عن تطلعات الانسان في الحرية و المساواة . فحتى في حال نجاحها، على سبيل الجدل، لا تأتي الا بسياسات رأسمالية اكثر بربرية ووحشية من مثيلاتها من التيارات البرجوازية. ان اليسار و القوى التقدمية انجرت وراء هذة القوى السوداء فقط لادعائها المواجهه مع الامبريالية وقوة رادعة لها دون التفكير في ماهيتها واساليبها ونتائج حركتها التي لا تاتي الا ببدائل برجوازية رجعية لا تختلف عن النظام في ايران و افغانستان والسعودية و الجزائر و غيرها. فهذة المرحلة تتطلب من اليسار و القوى التي تدعي التقدمية والاشتراكية فصل خطها عن الاسلاميين وتكف عن ربط نفسها بقوى ظلامية رجعية، فاليسار والقوى التقدمية له خطه الثابت الذي يفصلها عن الرجعية، اساليبها النضالية المختلفة و نتائج نشاطها الذي يصب في خدمة البشرية. (لا ننسى بان اليسار اساسا هى برجوازية صغيرة ارتباطها واقترابها من الطبقة العاملة تعتمد على قوة الطبقة العاملة، وانخراطها بالطبقة العاملة تاتي باشتداد الفوارق الطبقية) لكنها لم ترتبط بحركة يمينية رجعية مدمرة (حركات اسلامية متطرفة) مثل اليوم. فمن الضروري الرجوع الى هذا الخط وبدون ذلك فالراسمالية –امريكا و التيارات البرجوازية الاسلامية والقومية- وبدعم من امريكا ستكسب هذة المرحلة. هناك حركات عمال وكادحين وحركات ضد النظام الراسمالي، الا انها ليست بمستوى المرحلة لكنها في تصاعد. تنشط الان حركة عمالية في امريكا و الغرب عموما و بسبب الازمة الاقتصادية والبطالة التي تعاني منها هذة البلدان و الهجوم على مكتسبات الطيقة العاملة بدأ من حق الاضراب و التنظيم و مستويات الاجور نشاطا متزايدا. ورفض الشعب الفرنسي والهولندى الدستورالجديد للاتحاد الاوربى ما هو الا انعكاس لتلك الاوضاع ورفضهم جاء عن وعي بان الدستور الجديد لا يستجيب الا لمتطلبات السوق الحرة واسعة ومصالح تجارية تسعى لتخفيض الاجور وتقويض نظام الضمانات الاجتماعي . ومنذ ابتداء تلك الحركات فقد ظهرت لهذة المرحلة ادبائها و كتابها و فنانينها رغم انها ذات افاق مشوشة لكنها عكست الاعتراضات على الواقع الاقتصادي و السياسي للراسمالية، ونبأت عن مرحلة نضالية جديدة ضد الرأسمالية. وعلى مستوى الشرق الاوسط، هناك حركة ابتدأت ضد دكتاتورية حكوماتها البرجوازية وقمعها و ضد الاوضاع المعيشية المزرية و قد استغلتها وتستغلها الراسمالية الامريكية في فرض بدائلها كما في العراق ومصر، فعلى سبيل المثال في العراق اليوم هناك حركة ضد القطبين الارهابيين- امريكا و الاسلام السياسي- و حركة ضد البطالة تطالب بمستوى من المعيشة لائقة بالانسان، حركة تسعى في سبيل الحرية و المساواة فعلى القوى التى تدعى اليسار والتقدمية و الاشتراكية ان تربط نفسها بهذة الحركات و لاتسمح للحركات الاسلامية ان تركب هذة الموجه بل يجب ان تصبح طلائع لها. فهذة الحركات، منظمة، متحدة قادرة على الوقوف ضد هجمات الراسمالية على البشرية والاتيان ببديل انساني تتحقق معه الحرية و المساواة.
#زينب_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب و الديمقراطية
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|