|
فيروز عندما بكت
حافظ ألمان
الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 02:54
المحور:
الادب والفن
لكثرة ما سمعت وقرأت في الأونة الأخيرة عن الهجوم العنيف على السيدة فيروز،بسبب ما صرح به ابنها زياد عن حبها للسيد حسن نصر الله،قررت أن اكتب مقال أنتقد فيه السيدة فيروز ، فالحياة فرص والذكي من يحسن استغلالها. بدأت الكتابة كعادتي في الليل وأنا أستمع لصوت مطربتي المفضلة، المطربة التي عشقتها منذ بدأت العشق، كنت أضع صورتها على كتبي ودفاتري المدرسية، أنام وأستيقظ على صوتها . بدأت المقال بكلمات الإعجاب بصوت فيروز وسحره وعذوبته، فهذا هو الأسلوب الأفضل للنقد ، الذي يظهرني بمظهر الحيادي و الموضوعي و الباحث عن الحقيقة ،وفجأة تغيّرت موسيقا الكلام و ارتفعت حدتها ونبرتها،كنت أرى فيروز كعدوة لي وكأنّني لم أحبّها ولم تحبّني يوماً. في هذه الاثناء كنت أسمع أغنية (أنا لحبيبي و حبيبي إلي) ولكن لم أسمح لمشاعري بأن تتفاعل مع الأغنية، وكان لزاماً عليّ أن أشحن نفسي بكل مشاعر الكره والحقد حتى تخرج كلماتي صادقة معبرة. ولكن كنت أجد صعوبة بالغة في استنطاق الكلمات، كانت تهرب مني وكأنني أرغمها على شهادة مزورة، وكدت أستسلم لها لولا أن خطرت لي فكرة، فطبقتها في حينها،استحضرت مشاعر أناس غيري وهجنتها مع ما تبقى من مشاعري. بدأت اكتب بلا توقف، كانت الكلمات طوع قلمي وتنزل بغزارة على الورق، بقيت هكذا حتى أنهيت المقال، نظرت إليه بتمعّن، كان لا يشبهني أبدًا ويشبه أخرين غيري، لم أحبّه ولم يحبّني وحمّلني مسؤوليّة أحزانه و آلامه، فنكرني وهجرني دون كلمة وداع، تركني تائهاً حائراً، أقلّب صفحات عقلي دونما معنى. وبينما كنت أفكّر بطريقة تخرجني ممّا اوقعت نفسي فيه ، بدأتْ أغنية جديدة(راجعين يا هوى راجعين)، أنصتّ لها بكل كياني وكأنّني أسمعها لأول مرّة، أحسست بكلّ حرف وكلّ نغمة، اندمجت معها وسرحت معها،عدتّ إلى عالمي وصفائي، عدتّ لأحلامي،عدتّ عاشقاً من جديد ،أفترش العشب في مراع ضاحكة، تظلني ديمةٌ سكوب، أستمتع بهدوء البحر وبحب كبير ككبره، والقمر سكن بقربي،أصبحنا جيران، والشمس كانت تضوي على الأرض المزروعة ،فيرقص الورد و يسكب البلبل ألحانه من بين الحقول، والدنيا كانت تمطر بغزارة لتزيد حبنا حلاوة، وبينما أنا في هذا العرس الكوني أطلت صبيّة بلباس فلكلوري وبصوت زلزل مدرجات بصرى وبعلبك، أمسكتني بيدي و زرنا كرمة العشاق وأطفأنا حرقة الأشواق، سهرنا سهرة حب، حكينا عن بلادنا ، عن دمشق ومجدها في الكتب، عن شوارع القدس العتيقة، عدنا الى حيّنا، طرنا إلى شط اسكندرية ورمانا الهوى، رقصنا وغنينا (سهار بعد سهار تيحرز المشوار) بقينا في هذا السكر حتى نعس الكون، فأحسسنا أنّه حان وقت الفراق، فأمسكت يدها وقبلتها وقلت لها : سامحيني وسامحينا جميعاً، فقد كنّا تلاميذ جاحدين وعشاق فاشلين، لم نحفظ ودّ من أحبّنا وما زال يحبّنا . كانت عينها تبرق وفيها دمعة مخنوقة لم تستطع كبتها أكثر من ذلك، فيروز،التي كانت دوماً تكفكف دمعنا ، بكت، كم نحن قساة ،أيّ قلوب لنا ، أيّ مشاعر كاذبة تسكننا. كانت دموعها تشلّني تماماً، وتُحيلني عاجزاً عن فعل أيّ شيء إلا البكاء، بكيت كالأطفال بعد أن ضيّعت أمّي و ملاكي و حبّي الابديّ، لم تعد يداها أرجوحتي ولم أعد ولد، كنت شريداّ بلا هويّة، بكيت بحرقة على نفسي،على مستقبلي، وأحلامي رمقتني باحتقار وبصقت في وجهي قبل أن تهجرني كنت أهان وأذلّ من نفسي، كم كنت صغيراً، كم كنت وضيعاً. وبينما كنت أجلد نفسي وأعيش مشاعر الإحباط ودوافع الموت، شعرت بدفء وحنان يغمرني، يد تكفكف دمعي وأخرى تعانقني، ومن غيرها يبلسم الآلام ويحيي الآمال، من غيرها الأم والحبيبة، من غيرها له كلّ هذه المحاسن التي ما ضمّها كتاب ولا ادّعتّها ريشة الاديب، من غيرها له هذا الإسم، فيروز، الأغنية التي تنسى دائماً أن تكبر(كما وصفها الشاعر محمود درويش) . وبعد أن اطمأنّت عليّ ورأت ضحكي وسروري ودعتني وهي تغني "سلملي عليهم وبوسلي عينيهم وقلن إني بسلم عليهم".
#حافظ_ألمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نوال السعداوي غاليليو العرب
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|