علي عبد الكريم حسون
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 10:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(( قضا حي مو لازم ))
في الذكرى 57 لأنتفاضة الحي الباسلة / كانون الأول 1956
علي عبد الكريم حسون
==================================
العبارة أعلاه ( قضا حي مو لازم ) هي لوزير داخلية النظام الملكي , سعيد قزاز , وتعني : لا لزوم لوجود قضاء الحي . ردا على تعدد احتجاجات أهل القضاء وأنتفاضاتهم ضد سياسة الحكم الملكي وأزلامه في القضاء من العوائل الأقطاعية وتحديدا شيوخ آل الياسين ...
المقالة التالية جزء من وفاء الدين للذكرى 80 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي , ومحاولة متواضعة لأرشفة أيام الأنتفاضة الجماهيرية التي قادتها منظمة الحي للحزب الشيوعي العراقي , في أواسط شهر كانون الأول عام 1956 , نصرة للشعب المصري , أبان العدوان الثلاثي عليه , وأحتجاجا على سياسة النظام الملكي , وحلف بغداد في الوقوف الى جانب المعتدي الغاشم .
أنتفاضة الحي ورديفتها انتفاضة النجف السابقة لها في تشرين الثاني من نفس العام , هما بروفتان للعمل الجماهيري , الذي جاء تطبيقا للخط الجديد , الذي بدأ الحزب في العمل به بعد الكونفرنس الثاني ( أيلول 1956 ) , والقاضي بأن : ( تسارع الأحداث منذئذ قد دحض نهائيا منظور النضال السلمي أساسا وفرض الآن وبوضوح خط السير العنيف أساسا ... بطاطو ص 62 من كتابه العراق ) .
الحي مدينة تغفو بين ذراعي الغراف
---------------------------------------
لايمكن تصّور مدينة الحي , بدون ذكر جدول الغراف الذي يحتضن المدينة , بعد مغادرته يمين سدة الكوت , في طريقه بعد الحي الى مدن محافظة ذي قار : الفجر / قلعة سكر / الرفاعي / الشطرة , ليصب في هور الحمار .
الحي مدينة , لايميزها في الخمسينات , عن باقي مدن وقصبات العراق الأوسط والجنوبي شيء يذكر . الا بوجود وعي ثوري وحماس جماهيري , تمثّل بقيادة لجنة حزبية , تمرست بالنضال , في ظّل وضع معاشي متدني , يتربع فوقه , ظلم الأقطاع , متمثلا بالأخوين عبد الله وبلاسم الياسين الذي جعل الضابط السياسي البريطاني لمنطقة المنتفق آنذاك يصفهما : ( بالسوء بكل مافي الكلمة من معنى ... وليس لهما من يؤيدهما في الحي سواء في المنطقة أم في البلدة . والكل يشمئز منهما , ولكنهم يخافونهما بكثرة . ) . وما أن حلّ العام 1956 , حتى تملك الأخوين وبمساعدة الحكومة , مايقرب من 270341 دونما من الأراضي , والتي تشكّل أكثر من ثلث الأراضي القابلة للزراعة في الحي . ومستفيدين من مصاهرتهما لعبد الآله , الوصي على عرش العراق وولي عهده .
موسكو العراق ... أسم تكحلت به الحي
---------------------------------------
كثرة من مدن العراق حملت لقب : موسكو العراق أو موسكو الصغيرة , ومنها الحي , ومثلها سوق الشيوخ في ذي قار , وناحية سدة الهندية في بابل . ويعزى السبب الى وجود مدّ جماهيري في هذه المدن الصغيرة النائية , ونشاط واضح للجان الحزب الشيوعي فيها وهي البعيدة عن العاصمة بغداد , والصغيرة في مساحتها ونفوسها . اضافة لتعدد نضالاتها ’ التي جعلت ساحاتها وشوارعها , ملاعب للأحتجاجات والأعتراضات والأعتصامات والمظاهرات , في كل مناسبة جماهيرية أو وطنية , يدعو لها الحزب ... وفرضت على السلطات الملكية القمعية آنذاك , أن ترسل قوات شرطتها السّيارة لقمع كل احتجاج .
من هذه المدن , خرج خيرة مناضلي الشعب والحزب , سواء الذين علقوا على أعواد المشانق , أو الذين ذهبوا في رحلة قسرية لمعتقلات نقرة السلمان وسجون الكوت وبغداد والحلة , ليعودوا بعدها مسلوخي الجلد , مقلوعي الأظافر .
بطاطو يؤرخ لأنتفاضة الحي
--------------------------
خصّ الباحث حنا بطاطو في سفره : (( العراق – الكتاب الثالث – المعنون : الشيوعيون والبعثيون والضباط احرار – الفصل الرابع – الصفحات من : 57 – 65 )) لأنتفاضتي النجف والحي .... وفي عرض للأنتفاضتين , الذي أستغرق منه تسع صفحات , يبدو بطاطو مسكونا بفكرة أن انتفاضة النجف وبعدها الحي , تمثلان عجزا من الحزب عن تنظيم مثلهما ببغداد , والتي هي مربط الفرس ومقتل النظام الملكبي , بغية أسقاطه .... مايلي مستل من هذه الصفحات لتوكيد نظرته ورأيه :
# ( الحزب لم يستطع في العام 1956 تنظيم أي عمل متماسك واسع النطاق ضد الحكومة في بغداد ..... ص 64 . ) .
# ( الشيوعيون كانوا عاجزين عن القيام في بغداد نفسها بأي عمل واسع النطاق ضد الحكومة .... ص 59 . ) .
# ( أظهرت انتفاضات 1956 ودون أدنى شك أن العمل الشعبي الذي يقوم ضد الحكومة في مدن المحافظات .... لن يكون حاسما أبدا ولا يمكن توجيه الضربات القاتلة الا في بغداد .. ص 64 ) .
ولا يفوت بطاطو ذكر أسباب بذلك . فهو يعزوها الى :
# ( التمركزات الكثيفة لقوات الشرطة وضعف التنسيق مع البعث ... ) ويستمر بالقول بأنهم :
( لم يستطيعوا القيام الا بسلسلة من التحركات السريعة والصغيرة نسبيا وبعض المظاهرات المسلحة تسليحا خفيفا في مناطق متفرقة من العاصمة ... ص 59 ) . ولكنه يستدرك بالقول بأنهم : ( طبقوا تكتيكات مشابهة وخصوصا في الموصل وكركوك .... ) .
يبدو أن الحزب الشيوعي العراقي كانت تكتيكاته ناجحة , فهو لم ينجّر لمخطط الدولة البوليسية , والى معركة يختار الخصم ساحتها ووقتها وموعدها ومكانها . فهو يشاغله بالأطراف ليشتت انتباهه , وجعله يتلفت يمنة ويسرة بعيدا عن بغداد .مستدرجا أياه لمدن الحي والنجف والموصل وكركوك والناصرية , ومدارس وثانويات العراق , علما ، أن بغداد شهدت في نفس الفترة مظاهرات للطلبة في ثانوياتها وكلياتها مما جعل السلطة تعطّل الدراسة فيها .... فهي أذن بروفات ناجحة تكللت بعد تنفيذ أحكام الأعدام بأبطال أنتفاضة الحي , بقيام جبهة الأتحاد الوطني في شباط 1957 , والتنسيق مع الضباط الأحرار , ليكون الفوز معقودا للشعب والحزب , بعد عام ونصف بقيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 .
نضالات سابقة للمدينة
--------------------------
لم تكن الحي معزولة عن نضالات الحزب والوطن , فكانت لها مساهمات في جميع الهباّت الجماهيرية , أعتبارا من 1947 وللأعوام التالية . لتوفرها على قيادة حزبية متمرسة محترفة متفرغة للعمل الحزبي والجماهيري والنضال المطلبي . فالمدينة كانت تشاهد الشهيد علي الشيخ حمود , الشاب اليافع , صاحب المكتبة اليسارية , وهو يجوب شوارعها وبيده العرائض الأحتجاجية لجمع التواقيع .....
ربما كان قرار تقسيم فلسطين , باكورة العمل الجماهيري المنظم , بمظاهرة طافت شوارع المدينة احتجاجا على القرار وعلى وعد بلفور المشؤوم . ويذكر الباحث بشار محمد جواد قفطان , أنها كانت أي المظاهرة بقيادة الشيوعي العائد الى مدينته , هاشم جلاب , الذي ورد أسمه في ملفات التحقيقات الجنائية بأسم هاشم الواسطي , بعد أن ترك عمله ببغداد بسبب فصله من دائرة مصلحة نقل الركاب , ليشكل أول خلية للحزب الشيوعي في المدينة , ومفتتحا لمكتبة بكتب يسارية .
وأستمر مسلسل النشاطات الوطنية والجماهيرية للمدينة , تقودها لجنة المدينة للحزب الشيوعي العراقي فكان لها شرف الأشتراك في حركات الأحتجاج : في وثبة كانون 1948 , وأعدام قادة الحزب فهد وصارم وحازم في شباط 1949 , وأنتفاضة تشرين 1952 , ومجزرتي سجني بغداد والكوت عامي 53 – 1954 , وضد حلف بغداد ... كذلك تظاهرات وأضراب عام 1954تضامنا مع مرشح الجبهة الوطنية عن لواء الكوت الشهيد المحامي توفيق منير, تلك الأنتخابات التي فاز فيها 11 نائبا تقدميا الى مجلس النواب , جعلت حكومة نوري السعيد تلغي نتائج الأنتخابات وتعطل مجلس النواب وتعلن حالة الطواريء والأحكام العرفية التي أستمرت لغاية الرابع عشر من تموز 1958 .
أيام الأنتفاضة
-------------------
# عملت اللجنة الحزبية لمدينة الحي , وبالتنسيق مع اللجان القيادية على أتباع تكتيك ناجح , أبتدأ بالسيطرة على المدينة , مما جعل قوة الشرطة تنسحب منها .
# ما أن حلّ شهر كانون الأول , حتى جاء رد فعل السلطة البوليسية سريعا , بأستقدام الشرطة السّيارة وبقوة فوج كامل , رابطت على أطراف المدينة . ويذكر الباحث رفعت عبد الرزاق أن عديد الشرطة أرتفع بعد ذلك الى 1500 شرطي .
# منتصف الشهر , بدأت اللجنة الحزبية بتسيير المظاهرات , التي سيطرت على الدوائر الحساسة وخاصة دائرة البريد . وكانت النتائج مثمرة , بقطع الأتصالات مع باقي المدن , ومن ثم تعطيل الدراسة .
# لجأت السلطة في محاولة للتصعيد , بطلب تسليم أربعين مواطنا من أهالي المدينة بدون تسميتهم . بدعوى أن الأهالي يعرفونهم , وهم يعرفون أنفسهم , وذلك مقابل أنسحاب القوة المسلحة .
# يبدو أن أسلحة الأهالي كانت بسيطة مقابل خصمهم المتسلح برشاشات مثبتة على أحواض سيارات البيكآب وغيرها . فهي لم تتعدى بنادق ( أم عبية والبرنو القديمة ) والمسدسات الشخصية والقناني الزجاجية والطابوق والحجارة , لعرقلة تقدم القوات في الشوارع والأسواق
# كانت الساعة الحادية عشر ة من صباح يوم 17 – 12 – 1956 , موعدا نهائيا لتسليم الأربعين مواطنا ... ولم تجري الأستجابة لعرض المسؤول الحزبي الأول الشهيد علي الشيخ حمود بالموافقة على ذلك في حال تسميتهم .
# عند تقدم القوة جوبهت بالنيران طيلة توغلها عبر المحاور الثلاث , وخاصة من بيوت الفلاحين في ضواحي المدينة . وفي طريقها للسوق الرئيسية , أطلقت ثلاث قنابر هاون على المدينة , وما أن حلّ المساء , حتى كانت خسائر المهاجمين فادحة ....
شهداء المعركة
----------------
1 – كاظم الخويلدي ويلقب بكاظم الصايغ .... سقط وهو يقاتل المهاجمين وجها لوجه في السوق .
2 – المواطنة ( أركية اشويلية ) استشهدت وصوتها يهزج لتحميس المهاجمين عبر سطح دارها القريب من السوق .
3 – المواطن حميد فرحان الهنون .
4 – جرح اثنان من النساء وعدد كبير من المواطنين .
اعدام قادة الأنتفاضة
----------------------
1 – الشهيد علي الشيخ حمود : يذكر الباحث بشار محمد جواد قفطان في مقالته المنشورة في مواقع عدة من النت , عن السيرة الذاتية للشهيد : أنه من عائلة دينية , فوالده روزخون قاريء مناسبات حسينية ودينية . ووالدته قابلة أهلية , ولدّت كثرة من أبناء وبنات المدينة . وأنه متزوج وله ثلاث أولاد وبنتان , وكان آخرهم ( عطا ) , ويبدو أن أسمه على أسم رفيقه ومساعده في اللجنة الحزبية الشهيد عطا , كان في بطن أمه يوم أعدامه , وكذلك عامر الذي أعدمه نظام البعث المقبور في ثمانينات القرن الماضي , وكفاح والبقية أحياء .
في مقابلة شخصية مع أحد أهالي الحي محمد علي مفتاح / أبو عمر .... يروي أنه كان يافعا في المدينة , لايتعدى عمره الثلاثة عشر عاما , عندما شاهد سيارة الشرطة , التي كانت تسمى حسب مصطلح تلك الأيام (( مسلحّة )) , جالسا في حوضها الخلفي , الشهيد علي والدم يسيل من جبهته . توقفت السيارة قربنا نحن الشباب المتجمهرين , حينئذ طلب منا الشهيد الماء , وعندما جلبناه له , أسرعت السيارة دون أن نتمكن من أعطائه الماء .
وفي اليوم التالي , شاهدنا ونحن في طريقنا الى المدرسة , مرورا بساحة ( الصفاه ) جثتي الشهيدين علي وعطا معلقتين , ومحاطتين بطوق من الشرطة ... عندها طلب أحد المسؤولين من الشرطة فتح الطوق , لنتمكن من مشاهدة الجثتين , قائلا : افسحوا المجال للتلاميذ حتى يشاهدوا مصير كل شيوعي , وحتى اذا كانت نيتهم أن يكونوا شيوعيين في المستقبل فهذا هو مصيرهم . ويحفظ للشهيد علي أنه صعد المشنقة هاتفا : الوداع ياشباب الحي .... وعندما سمع عويل زوجته صاح بها : هلهلي . أي زغردي ....
2 – الشهيد عطا مهدي الدباس : من عائلة كادحة , لم يكمل دراسته الثانوية بعد فصله لأسباب سياسية من الثانوية الجعفرية في الحي . وهي مدرسة أهلية أفتتحت عام 1947 , وحضر أفتتاحها الشاعر الكبير الجواهري , ملقيا قصيدته المشهورة . كان للشهيد مقهى , وكان رياضيا , ولم يتزوج . الروايات تجمع على أنه كان ميتا من التعذيب عندما تم شنقه , أو أنه كان في لحظاته الأخيرة , فلقد رفع جسده للمشنقة من قبل جلاديه .
مصير الجثتين ومكان دفنهما
--------------------------
رفضت السلطات أن يدفن الجثمانين الطاهرين في النجف , فتم دفنهما في مقبرة الصحابي سعيد بن جبير .... بعد يوم أو يومين توجه أقاربهما لقبريهما , فشاهدا القبرين مفتوحين , والجثتين منهوشتين من الحيوانات السائبة . ولقد سبق لأحد المواطنين أن شاهد ثلة من المجرمين , وهم ينبشون القبرين ليلا . عندئذ أضطرت السلطات للموافقة على نقلهما للنجف ودفنهما من قبل عائلتيهما في مقبرة أطلق عليها بعدئذ من قبل أهل الحي , مقبرة الشهداء .
مصادر المقالة
--------------
1 – حنا بطاطو / العراق – الكتاب الثالث – الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار .
2 – مقالة بشار محمد جواد قفطان والمنشورة في مواقع النت بعنوان : أنتفاضة مدينة الحي الباسلة لعام 1956 ... علامة مضيئة في تأريخ العراق الحديث وحاضره .
3 – مقالة رفعة عبد الرزاق محمد بعنوان انتفاضة الحي عام 1956 منشورة في جريدة المدى في باب العراق في مثل هذا اليوم
4 – مقابلة شخصية مع محمد علي مفتاح / أبو عمر والمعاصر لأحداثها في الح
#علي_عبد_الكريم_حسون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟