أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)















المزيد.....

الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 10:34
المحور: الادب والفن
    


في المقال السابق تناولنا دور الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية وأثر ذلك في تشكيل صورة بلادنا في الثقافة العالمية ، وفي هذال المقال نتناول مجموعة " باب التوفيق " التي تمت تمت ترجمتها إلى اللغة الإيطالية وتضم عددا من القصص المصرية التى تمثل الاتجاهات الفنية المختلفة ، وفى الوقت ذاته فإنها تشكل وهى مجتمعة صورة بانورامية لملامح الحياة المصرية فى شتى تجلياتها وخصوصيتها الاجتماعيةوالنفسية .
ففى قصة " سرادق الألم " لخيرى شلبى وهى من مجموعته " أسباب للكى بالنار " وقد ترجمتها إلى الإيطالية إلينا دى كريستافرو تدورالأحداث فى المقابر التى يسكنها الكثير من البشر ، وقد أقيم سرادق للعزاء فى عزيز رحل ، وتتكدس فى أجواء المكان كل ألوان الألم والحزن والصراخ ، وفوجىء المعزون وهم مغمورون فى عالم الموت بأصوات الزغاريد والغناء والموسيقى المدوية والرقص تمر بهم فى احتفالية تكاد تعلو على صوت المقرىء فرحا بزواج شاب من سكان المنطقة ، فيسقط فى أيديهم، ويتحمس البعض عازما على إيقاف الفرح أو إرغام أصحابه على المرور فى صمت ، لكن آخرين يرفضون و ومطالبين الجميع بأن يدعوا الخلق للخالق ، بينما كان عن بعد قريب فريق ثالث يسهر فى غرزة ويدخنون أشكالا من المزاج العالى ويتندرون ويعجبون.. وتبدو الفرصة متاحة للكاتب كى يفيض فى وصف المشاعر الإنسانية المتناقضة ، وفى الوقوف عند التفاصيل التى يتكون منها النص بما فيه من مفردات شعبية حميمة ودالة ، تفضى إلى ذلك الفرح الذى يولد فى حضن الحزن ، والحياة التى لا تعبأ بالموت .
وفى قصة " الجوال العائم " لمحمد البساطى التى ترجمها أنطونيو بريور، نلتقى بملمح من ملامح القرية المصرية ، حيث ذلك المشهد الغامض المتمثل فى جوال يحمله النهر وبداخله قتيل أو قتيلة ، ولكل جوال رفيق يتبعه سرا من قرية إلى أخرى حتى يرفعه من يرفعه فى مكان بعيد ، يتولى عمدته إبلاغ المركز ، لتضيع تقريبا بصمات الآثمين .أغلب الجثث لبنات حملن سفاحا فيسرع أهل البنت بالتخلص منها ووضعها فى جوال يلقونه بليل فى النهر ، وسرعان ما يغوص فى الماء وبعد يومين على الأكثر يطفو منتفخا ويواصل رحلته ، وكلما مر الجوال بقرية ، حاول من يتولى حراسته دفعه حتى لا يحط على ضفاف قريبة إلى أن ينأى ويتجاوز الزمام ، وعلى النهر بعد عدة قرى بوابات تتوقف عندها الجثث وكل ما يسبح ولا يمكن عبوره من هذه البوابات . ويستطيع الفلاحون تمييز جثمان المرأة فى يسر وهو يعبر قريتهم محشورا فى الجوال المبتل والمسافر فوق الماء . تناول هذا المشهد من قبل توفيق الحكيم ويوسف إدريس ، ولكن نص البساطى له طعم آخر .
أما قصة بهاء طاهر " فى حديقة غير عادية " وهى من مجموعته " أنا الملك جئت " فقد ترجمها ربيع سلامة ، وفيها يذهب البطل كعادته فى الترويح عن نفسه إلى حديقة فى جنيف حيث يقيم ، ويجلس على أريكة حجرية وسرعان ما تجاوره سيدة عجوز تصحب كلبها ويدور حوار أغلبه عن الحياة ثم عن مصر التى تشعر العجوز بالندم لأن العمر أوشك على الانقضاء ولم تزرها ..ويتنقل الحوار بين الشرق والغرب وعن الكلاب أيضا لتعترف السيدة بأنها مغرمة جدا بها ، وفى المقابل يعلن البطل عن كراهيته لها .. صمتت السيدة وشحب وجهها وفوجىء المصرى بسقوطها ،فأسرع يطلب الإسعاف ، وجاء رجاله على عجل حيث أخذوا السيدة وأوكلوا إليه أمر الكلب ، وهكذا اضطر البطل أن يرعى الكائن الجميل الذى أصبح فجأة بلا أهل وقد حاول أن يتخلص منه لكن الكلب تمسح فيه وتمنى عليه دون كلمة أن يكون فى معيته، وهذه القصة ككل أعمال بهاء تسيل عذوبة ورقة وتحاول استبطان وجع الانسان وهمومه دون خطابية وفى عبارات ناعمة تحمل أصداء ما تتناوله ببساطة آسرة.
فى قصة " جرح مفتوح " لإدوار الخراط وهى من مجموعته " ساعات الكبرياء " وقد ترجمتها كل من سيلفيا مارشيونى و إلينا دى كريستافرو وهى عن ولد وحيد لأم وحيدة ، تبدأ القصة بسقوط الأم فى الطريق وتعرضها لحادث مؤسف تتفاقم آثاره بسبب سنها المتقدمة ويحزن الابن ، وتنسال ذاكرته لتكشف أبعاد الجرح الكبير المفتوح بعرض السنين ، يستدعى الابن ما مر بأمه وقد عانت وتحملت وصبرت وما زالت تحضنه برغم الظروف القاسية وتوليه كل حنانها واهتمامها .. تضيف لغة الكاتب الكبيرالكثيرإلى هذه الحالة من الأسى والشجن .
فى قصة " باب التوفيق " لمحمد سلماوى من مجموعته التى تحمل الاسم ذاته، نعيش حالة من المصرية الحميمة فى حى الجمالية ، ومع قطعة من تاريخنا الأثرى ضفرها الكاتب مع مشاعر الشخصيات فى نسيج حالم وشاعرى وإنسانى . باب التوفيق باب أثرى من معالم شارع المعز لدين الله حيث القاهرة الفاطمية ذات الزخم العربى والإسلامى ، يعثر على الباب الضخم المنقوش بالزخارف تاجر من أبناء الحى يجور الزمن عليه فيهدى الباب للبطل الذى كان مدينا له بملغ بسيط من المال . يقاوم محسن هذه الهدية بالغة القيمة ، لكن عم عبده يصر ، فيحضر محسن من يحملون الباب إلى بيته وهو منبهر به إذ إنه رغم قدمه لا يزال يفيض بهاء وسحرا .. يدهش محسن لأن الايام تحمل له بعض الأخبار الطيبة فيحصل على مال وتعود إليه صديقته التى يحبها ةوتبتسم له الأيام لعدة أشهر ، ثم تتغير الأحوال كما هو منتظر من الحياة فليس الباب هو مصدر الخير ، وإنما العمل والإخلاص هما السبيل ، ثم يفاجأ محسن برجال هيئة الآثار وقد حضروا لاستلام الباب بعد أن بلغهم وجوده عنده . وقد وفق الكاتب فى تشكيل بنية قصته فى ثلاث حركات تتناسب مع تطور الحدث والحراك النفسى الذى طرأ على حياة الشخصيات .
وفى قصة " غرفة للسيدات " لهناء عطية من مجموعتها " شرفات قريبة " وقد ترجمتها أيضا إلينا دى كريستافرو ، تحكى الكاتبة موقفا بسيطا للغاية لكنه مؤثر للغاية . سيدة تساعد سيدة فى ارتداء ملابسها ، ولها ثدى واحد فقد أجرت عملية وتم التخلص من الآخر ، وتحاول صديقتها حشو الموضع الفارغ بكرة من القطن وتداريه بغطاء من البلاستيك حتى تبدو كان الثديين حاضران .. صفحتان فقط كافيتان لاختزال عذابات الوجود الانسانى ، ورغم ذلك فصاحبة الثدى الواحد غير منزعجة فقد تطبعت مع ظروفها وتقول إن زوجها راض تماما بمابقى .

وفى قصة إبراهيم عبد المجيد " ليلة أنجيلا " من مجموعة له بهذا الاسم وقد ترجمتها دوناتيلا فينشينتى نعيش مع البطل ليلته مع أنجيلا صديقته الفرنسية حيث تجولا خلالها فى مناطق عديدة فى باريس ، يدعوها لحجرته فى الفندق فتفر وتدعوه لمطعم فيضيع المطعم ، ويجوسان فى الأزقة ويجلسان على المقاهى ويتحدثان طويلا ثم يدعوها إلى غرفته فتتعلل وتقاوم .. كان يهيمن عليه هاجس مضاجعتها لكنها لا تمكنه ، ثم يذهبان إلى حديقة الحيوان بصحبة صديقتها لمشاهدة الحيوانات والعبث معها إلى أن يفاجئوا بأن الوقت قد مضى بسرعة غريبة و بأن الحديقة أغلقت أبوابها . يبذلون جهودا مضنية للخروج فتذهب هباء كل المساعى وتبدأ السماء فى صب أمطارها بغزارة ولا يجدون من سبيل إلا اللجوء إلى شجرة ضخمة . يتعانق الجميع بحثا عن الدفء والحماية وطلبا للراحة والأمن ، تبلغهم أصوات الحيوانات التى تعلو ، لكن ذلك يزيدهم إصرارا على الالتحام والتماسك حتى أصبحوا كائنا غريبا وأسطوريا من الأجساد والمشاعر والحميمة .. لهذه القصة أيضا إشارات بعيدة ومتوارية لمعنى الحياة والأمل الذى يساور الأحياء فيها ، لكنه أبدا يراوغ ، وتتجدد الأحلام وتبذل الجهود وتعمل الإرادة عملها ، لكن الذى يبقى هو الحب والتماسك والحرص على الإنسان .

قصص كثيرة جميلة أبدعها بقية الكتاب فى أنساق جمالية متباينة ، وكشفت عن قدرات عفية وحاضرة بنصاعة وقادرة على التقاط مواقف ولحظات إنسانية متوهجة من حياتنا المحتشدة بكميات هائلة مما يتعين تناوله فى أعمال لا يتوقف فيضانها طالما هناك مواهب بهذا القدر من الخصوبة.

إن المبادرة التى قام بها الاتحاد ، وإن بدت صغيرة ومتواضعة إلا إنها فى زعمى تعد الخطوة الأولى والأهم فى مسيرة الألف ميل، التى يتعين قطعها على درب تحقيق هدف تاريخى كبير يخرج مصر من عنق الزجاجة ومن حالة الثبات التى يمكن أن تتحول إلى حالة رجوع . وقد أعلن الاتحاد عن عزمه مواصلة الطريق بتوسيع رقعة الترجمة ، خاصة فى مجال الرواية الذى يحظى باهتمام كافة الدول ويلقى إقبالا نادرا من ملايين القراء ، ولامراء فى أن كل قراءة يتعرف من خلالها القارىء الأجنبى على الكاتب صاحب النص وبلده يعنى ارتفاع رصيد هذه الأمة لدى الرأى العام العالمى دون أى تدخل أو إجبار أو اعتماد ميزانيات هائلة للدعاية .
إن الهدف الكبير المتمثل فى تحقيق مكانة لمصر على خريطة الثقافة العالمية يستأهل ألا نبخل فى سبيل بلوغه بما يقتضيه من جهود وميزانيات وأشكال مختلفة من التشجيع وتذليل العقبات حتى يدرك العالم قيمة ووزن مصر الثقافى ، وليس من شك أن تعاظم هذه المكانة يوما بعد يوم سوف يجر عربة التنمية ويفتح المجال أمام شتى المبادرات ، ويضىء مناطق أظلمت بحكم التجاهل والإهمال .
إننا من جديد نؤكد على أن استعادة مصر لمجدها فى عالمنا المعاصر وفى المستقبل لن يمر إلا عبر بوابة الثقافة ، ويقتضى هذا توجيه خالص التحية لاتحاد كتاب مصر الذى امتلك الوعى اللائق به كأحد أهم المؤسسات الثقافية الأهلية ، واتسعت أمامه الرؤية ليدرك أهمية الترجمة كعامل محورى من عوامل الرفعة والتواصل وتأكيد الهوية وقدرة مصر على المساهمة فى تشكيل الفكر الإنسانى الذى طالما شكونا من أن مصر والعرب لم يعودوا أصحاب أى إسهامات مؤثرة أوحتى قابلة للدرس والتأمل ، واكتفوا بدور المستهلك ، وقد آن أن نتحمس لتشجيع المحاولات العلمية الجادة لتصدير الإبداع والفكر المصريين إلى كل أنحاء العالم .



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترجمة ومكانة مصر فى الثقافة العالمية(1)
- حب خريفي بطعم العواصف
- دستوركم يا مصريين
- المفتون - مقدمة الجزء الأول من سيرتي الروائية
- الحب على كرسي متحرك
- حبى يمنعنى من خداعها
- أسرار رابعة2
- أسرار رابعة 1
- الجوائز العربية بين الحضور والغياب
- - سلالم النهار - رواية فوزية السالم بين السياسة والأيروتيكا
- المثقفون أمام محكمة التاريخ
- صبري موسى ..و - فساد الأزمنة -
- حِصانها وحِصاني
- لم تصنع نفسك .. لكنك تستطيع
- زحف النمل
- يمامة خضراء بكعب محني
- مئوية جارودي .. المناضل الفريد
- أجمل رجل قبيح في العالم
- هل الأديان خطيرة ؟2
- الساعة تدق السبعين


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)