كلكامش نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 22:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لا يخفى على أي متابع للأوضاع في العراق والشرق الأوسط بأنّ المنطقة تعاني من أزمة هوية عميقة رغم جذورها التاريخيّة الموغلة في القدم وكونها موطن أولى الحضارات في العالم. ويزيد التغيّر الثقافي والديني واللغوي عبر تاريخها من تعقيد المشهد، بالإضافة إلى الأيديولوجيات القومية في القرن الماضي والتي حاولت وتحاول تزييف هوية الأمّة ككل و إضفاء هوية معيّنة على الشعب ككل، وأدّت كل تلك التغيّرات والأجندات المسيّسة بالإضافة إلى التغيّرات التاريخيّة إلى خلق جو عام يرجّح كون شعوب المنطقة خليط من شعوب أصيلة وأخرى قدمت مع موجات لاحقة وأضحت الحاكم المطلق الذي نجح في إعادة تشكل المنطقة ككل. لكنّ فرضيّة كون غالبيّة السكّان الآن في هذه الدول قد وفدت في القرون الأولى الميلاديّة يدين تلك الغزوات بالدرجة الأولى، فهو يتضمّن في الواقع فكرة أنّ السكّان الأصليّين لم يتقبّلوا الدين الجديد أو أنّهم قد تعرّضوا للإبادة، وفي الوقت نفسه نرى الكثير من الأجندات تقبل كون الغالبيّة العظمى من المصريّين أحفاد الفراعنة وأقباط مصر وترفض نفس الأيديولوجيات حدوث نفس الشيء في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من دول الشرق الأدنى، لكنّ الواقع والدراسات الجينيّة تؤكّد أنّ الحال هنا كما هو عليه في مصر والهند وأميركا الجنوبيّة وغيرها من أصقاع العالم، فالشعوب هي نفسها سليلة تلك الشعوب القديمة ولكنّ وفود لغات وأديان جديدة تخلق شرخا مجتمعيّا يبدو معها الشعب الواحد شعوبا عديدة. الجميع يوقن اليوم بأنّه لا وجود لعرق نقي في هذا العالم وأنّ الشعوب في كل مكان تتداخل فيما بينها وتتفاعل، وأنّ سكّان أي بلد اليوم عبارة عن خليط من أعراق عديدة ولكنّ مسألة إختفاء الشعوب الأصيلة بالكامل أمر لا يصدّق وإن صدق فهو إدانة للوافد الجديد ودليل على بربريّته. في الواقع شعوب الشرق الأدنى اليوم في الغالب ترتبط مع بعضها البعض بصلات جينيّة وطيدة في الغالب بشكل يكفي ليؤكّد بأنّ غالبيّة الناطقين بالعربيّة اليوم يشكّلون وحدة واحدة مع أبناء شعبهم ممّن إحتفظ باللغات والأديان الأقدم، تماما كما هو حال الهنود والباكستانيّين والبنغلاديشيّين، وحال شعوب أميركا الجنوبيّة من المايا والأزتيك والأنكا، فالأخيرين الآن يتحدّثون الإسبانيّة ويتسمّون بأسماء لاتينيّة ويدينون بالمسيحيّة الكاثوليكيّة، لكنّ تميّز عرقهم البعيد جدا عن الوافدين من الإسبان والإيطاليّين والأفارقة يجعل مسألة تميّيزهم أكثر سهولة، عكس ما هو عليه الحال في الشرق الأدنى التي تتقارب فيها الشعوب الأصليّة مع الشعوب الوافدة ليجعل مسألة التميّيز تكاد تكون مستحيلة في حال إعتناق أفراد من الشعب الأصلي للثقافة الجديدة. لكنّ الدراسات الجينيّة بالإضافة إلى الأبحاث اللغويّة ووجود اللهجات المحليّة لأدلّة كافيّة على أنّ شعوب أي دولة من دول هذه المنطقة – في الغالب الأعم - وحدة واحدة وإن تبدّلت اللغة والدين والثقافة والإنتماء القبلي بفعل نظام الموالاة الذي شاع في عصور الحكم الإسلامي فإندمجت شعوب أصيلة بقبائل عربيّة بسبب هذا النظام بعد أن إعتنقوا الإسلام. هذه الدراسة مهمّة ورد على كل الدعوات المشبوهة لتقسيم الوطن الواحد على أسس عرقيّة أو دينيّة أو طائفيّة، فالوطن واحد كما تثبت التاريخ والجغرافيا والثقافة، بل وجينات الشعب وتراثه اللغوي واحد وإن تمّ خداع الكثيرين بعكس ذلك. أترككم الآن من ترجمة لبعض الدراسات حول الوحدة أو التقارب الجيني لأبناء الشعب العراقي بغض النظر عن اللغة أو الدين.
يذكر عالم الأنثروبولوجيا الأميركي كارليتون أس. كون بأنّ الشعب العراقي اليوم بدون شك وإلى درجة كبيرة هو ذاته ما كان عليه أيّام السومريّين والأكديّين والآشوريّين والبابليّين. فقد وجِد بأنّ الهابلوغروب J2على الحمض النووي للكروموسوم Y قد نشأ أصلا في شمال العراق "بلاد آشور". وعلى الرغم من أهميّة هذه المنطقة، فإنّ الدراسات الجينيّة التي أجريت على الشعب العراقي محدودة ومقتصرة بصورة عامّة على تحليل العلامات الجينيّة التقليديّة بسبب عدم الإستقرار السياسي في العراق اليوم. بالرغم من ذلك فهنالك العديد من الدراسات المنشورة التي توضّح الصلات الجينيّة بين كل أبناء الشعب العراقي والشعوب المجاورة، بغض النظر عن الحواجز الدينيّة واللغويّة (فالعراق يضم شعوبا ساميّة كالعرب والآشوريّين والمندائيّين وغيرهم، وشعوبا تركيّة كالتركمان، وهندو-أوربيّة كالأكراد والأرمن والشبك، وناطقين بلغات شمال القوقاز كالشركس) توضّح إحدى تلك الدراسات الصلات الجينيّة الوثيقة بين كل العراقيّين والأكراد وإيرانيين بحر قزوين والجورجيين السفانيين.
يبدو توزيع الهالوغروب للحمض النووي للمايتوكندريا "بيوت الطاقة" لدى العراقيّين مشابها لما هو عليه الحال في إيران وسوريا وإسرائيل وفلسطين وجورجيا وأرمينيا، فيما يختلف بشكل أساسي عمّا هو ملاحظ في شبه الجزيرة العربيّة وشمال أفريقيا. كما أنّ توزيع الهالوغروب للحمض النووي للكروموسوم Y يبدو مشابها لما هو عليه في لبنان وتركيا وسوريا. ولم يتم العثور على إختلافات جديرة بالذكر في عيّنات الحمض النووي للكروموسوم Y المختلفة التي تمّت معاينتها بين العراقيين العرب والآشوريّين والمندائيّين.
بالنسبة لكل من الحمض النووي للمايتوكوندريا mtDNA والكروموسوم Y، وجد بأنّ الغالبيّة العظمى للهالوغروب التي تمّت ملاحظتها لدى العراقيّين (H, J, T و U بالنسبة للحمض المايتوكندري، J2 و J1 بالنسبة للكروموسوم Y )هي تلك التي نشأت في الأصل في غرب آسيا وإنتشرت فيما بعد إلى أوراسيا الغربيّة. فيما يمثّل الهالوغروب الأوراسي R1a و R1b المكوّن الرئيسي الثاني الأكثر شيوعا في الجين الكروموسومي Y للعراقيّين، وتقترح المسألة الأخيرة بأنّ الهجرة السكّانية من أواسط آسيا وشرق أوروبا نحو إيران الحديثة أثّرت في العراق أيضا على نحو ما.
يطرح العديد من المؤرّخين وعلماء الأنثروبولوجيا أدلّة حاليّة تفترض بأنّ المعدان في العراق لهم صلات قويّة جدّا تربطهم بقدماء السومريّين – أقدم شعوب جنوب العراق، وبأنّ المندائيّين والآشوريّين يتشاركون أقوى الصلات العرقيّة مع السومريّين والبابليّين.
كما يعتقد بأنّ لأبناء قبيلة الدلفي الناطقين بالعربيّة أصولا يونانيّة، من الجنود المقدونيّين لجيش الإسكندر الكبير ومستوطني الإمبراطوريّة السلوقيّة.
كما أنّ الآشوريّين المسيحيّين تربطهم صلات وثيقة وواضحة ببقيّة العراقيّين، بالإضافة إلى الأردنيّين الحاليّين وبعض يهود الشرق الأوسط، لكنّ ولأسباب دينيّة وزواج الأقارب التقليدي فإنّ لهم تركيبة جينيّة فريدة جدّا تميّز أبناء شعبهم. يشكّل الآشوريّون بوضوح مجموعة بشريّة متجانسة، يعتقد بأنّها نشأت في أرض آشور القديمة شمال العراق. هم مسيحيّون وبدون شك سليلي الشعب القديم الذي يحملون إسمه.
الصلات الجينيّة الوثيقة نسبيّا بين السكّان الأصليّين لما بين النهرين قبل الوجود العربي من الآشوريّين والمندائيّين تشير بأنّ للكثير من العراقيّين ممّن يتكلّمون العربيّة اليوم وإلى درجة كبيرة جذور نهرينيّة، عكس ما هو شائع في كونهم من العرق العربي.
في دراسة أجريت عام 2011 ركّزت على التركيبة الجينيّة للمعدان في العراق، وجد الباحثون أنماط هابلوتايب الكروموسوم Y يتشاركها كلّ من عرب الأهوار والعراقيّين الناطقين بالعربيّة والآشوريّين والمندائيّين" ممّا يدعم إمتلاكهم خلفيّة محليّة وطنيّة مشتركة، أي أنّهم جميعا من السكّان الأصليّين.
تشير الدراسات إلى أنّ معظم البريطانيّين والأيرلنديّين هم من نسل فلاّحين تركوا العراق وسوريا الحاليّتين قبل نحو 10000 عام. يقول باحثون في علم الوراثة بأنّهم فد وجدوا أدلّة دامغة بأنّ أربعة من كل خمسة (حوالي ثمانين في المئة) من الأوروبيّين البيض لهم جذور تربطهم بالشرق الأدنى القديم. في دراسة أخرى، قام علماء بتحليل الحمض النووي من بقايا فلاّحين قدماء عمرها 8000 عام عثر عليها في مقبرة قديمة في ألمانيا. وقاموا بمقارنة الشفرة الوراثيّة بتلك العائدة لشعوب حديثة ووجدوا تشابهات مع الحمض النووي للسكّان الذين يعيشون اليوم في جنوب شرق تركيا والعراق.
ترجمة وتقديم كلكامش نبيل
المصادر
"N. Al-Zahery et al. "Y-chromosome and mtDNA polymorphisms in Iraq, a crossroad of the early human dispersal and of post-Neolithic migrations" (2003)"
Luca Cavalli-Sforza, Luigi--;-- Paolo Menozzi, Alberto Piazza (1996-08-05). The History and Geography of Human Genes. Princeton University Press.
Al-Zahery et al. (Oct. 2011). "In search of the genetic foot--print--s of Sumerians: a survey of Y-chromosome and mtDNA variation in the Marsh Arabs of Iraq". BMC Evolutionary Biology
Spencer, William (2000). Iraq: Old Land, New Nation in Conflict. Twenty-First Century Books. p. 17. ISBN 9780761313564. "But one writer has suggested after a visit to the marshes near the site of ancient Sumer that "some Iraqis still have a touch of the Sumerian in them."
"Cavalli-Sforza et al. Genetic tree of West Asia
Dr. Joel J. Elias, Emeritus, University of California, The Genetics of Modern Assyrians and their Relationship to Other People of the Middle East
Luigi Luca Cavalli-Sforza, Paolo Menozzi, Alberto Piazza, The History and Geography of Human Genes, p. 243
Kjeilen, Tore. "Assyrians". LookLex Encyclopaedia.
Kjeilen, Tore. "Iraq / Peoples"
• Derbyshire, David (2010-01-20). "Most Britons descended from male farmers who left Iraq and Syria 10,000 years ago". London: Daily Mail. Retrieved 2010-12-10.
^"Migrants from the Near East brought farming to Europe
#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)