|
دراسة المستقبل ..وظيفة من؟
عادل جبران
الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 18:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نتردد كثيرا و ربما نخجل من الحديث عن علم المستقبل و نحن الذين نجهل تاريخنا و نلغي حاضرنا،فكيف لنا أن نتحدث عن المجهول اللامعروف و اللايقيني؟؟ و يظل السؤال يطل علينا في كل وقت و حين عما نريد؟و كيف سنمسي؟ و ما هي الحالة او الحالات التي يمكن أن تسير إليها مجموعة من الأمور في السياسة و الاقتصاد و الدين و الاختلاق و الناس و الطبيعة... العديد من الاستفهامات التي تحرج مخيلتنا و تدفعنا بالرغم منا إلى التأمل و الوقوف عند كل الاحتمالات التي يمكن أن تصادفنا و هي حتما تنتظرنا في المقبل من الأيام. التفكير في المستقبل حتمية تدفعنا إلى التساؤل عن واقعنا الذي لا يمكن أن نفصله عن تاريخنا،أي مجبرون على وضع خريطة واضحة المعالم بخصوص مستقبلنا و بعبارة أدق ما هي ملامح المستقبل الذي نرغب فيه،و الذي نريد أن نرسمه لأبنائنا و الأجيال القادمة؟ و هذا انسجاما مع ما يحيط بنا من متغيرات و تناقضات على المستويين الإقليمي و الدولي.الأمر الذي يفرض على المملكة المغربية أن تتعامل مع هذا المعطى بشكل جدي و حازم سيما و أن لها تاريخ عظيم على مر العصور و موقع جغرافي تحسد عليه و مؤهلات بشرية و طبيعية قلما تتوفر في دولة أخرى. يصعب الحديث عن علم دراسة المستقبل في بلد كالمغرب و الصعوبة تتجلى في كونه لا يولي أهمية شانه في ذلك شان باقي الدول النامية،غير أن ما يستفزنا كمغاربة و باحثين ان المغرب راكم مجموعة من التجارب في الآونة الأخيرة يمكن أن تفرض نفسها بحدة على جميع الكيانات السياسية.فإذا كنا نعتبر دراسة المستقبل تلك التوليفة التي تجمع بين طياتها الحلقات الثلاث للزمن بشكل متوازن،ذلك أنها تعد امتدادا للدراسات التاريخية و تحليلا عميقا للحاضر من اجل رسم المستقبل المنشود،فالمبادرات التي اتخذت مواجهة مجموعة من الأحداث و كذلك الإجراءات التي تم التوافق حولها تشكل حقا لبنة أساسية للتأسيس لعلم دراسة المستقبل بالمغرب. إن الخطوات التي أقدم عليها الراحل الحسن الثاني تنم عن رؤية مستقبلية و عن بعد نزر قل نظيره بين حكام المنطقة،فالترتيبات التي سبقت رحيله يمكن ان نشتم منها علم دراسة المستقبل ذلك أن رؤية الملك الحسن القاني لم تكن تستهدف فقط الانتقال السليم للسلطة لما بعد حكمه،بل استطاع أن يرسم ملامح مستقبل المغرب و تحديد أفق زمني يؤمن المغرب من عدة عقبات كانت تؤرق القيمين على السياسة الداخلية و الخارجية للبلاد. فالإخراج المميز للمرحلة و التوافق التاريخي الذي حصل بين المؤسسة الملكية و مكونات باقي الأطياف الحزبية المعارضة آنذاك في ظروف سياسية و اقتصادية دقيقة جدا اقل ما يمكن أن يقال عنها كونها معقدة و قابلة لكل الاحتمالات و التكهنات، و لن نبالغ إذا ما قلنا انها استعملت جميع المنهجيات في الدراسات المستقبلية.أولها رسم خريطة واضحة المعالم كان عنوانها البارز الحوار و لتواصل و قبول الآخر بالنسبة للطرفين،المؤسسة الملكية و الأحزاب المعارضة الني تقوم على مبدأ الجلوس الى طاولة الحوار و التشاور بخصوص التوقعات التي يعيها كلاهما في حالة عدم التوافق و الوصول الى حل فيما يتعلق بمسالة التاسي للانتقال الديمقراطي،ثالث نقطة منهجية هي التوقيت الذي كانت له دلالات واضحة سيما أن هذا التوقيت تزامن و الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المتهالك للمغرب و التي أعطاها الراحل الحسن الثاني أحسن وصف بالقول أنها "السكتة القلبية". هذا دون ان ننسى و نغفل عن الوضع الصحي للملك الحسن الثاني و الذي كان باديا للمراقبين و المحللين و الذي هو أيضا كان متفطنا إلى هذا الأمر،فالوضع الصحي لجلالته و عبقريته النادرة في تقدير الأمور دفعته للجلوس إلى طاولة الحوار و التفاوض مع المعارضة لرسم خارطة طريق تجنب المغرب السكتة القلبية بالحفاظ على الثوابت و وضع المصلحة العليا للوطن فوق أي اعتبار،و هذا كله يرمي إلى تعميق المستقبل كمنهجية رابعة أساسية في علم دراسة المستقبل.كل هذا من اجل استشراف القادم من السنوات بعين السياسي المتفائل و ابتكار البدائل من خلال إعطاء الانطلاقة لمجموعة من المفاهيم ذات الصلة بالتغيير السياسي و التحول الاقتصادي و تكريس المبادئ الديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا. كل هذا ينصب في منهجية التحول المستقبلي الذي يجد أساسه في المنهجيات السابقة و الذي سار عليها العاهل المغربي محمد السادس الذي يعتبر الفاعل الحقيقي للتحول المستقبلي للبلاد من خلال المفاهيم الرائدة التي أطلقها منذ اعتلائه العرش حتى وقتنا هذا بمشاركة مكونات الحقل السياسي،و غير خفي على احد أنها أصبحت تعطي أكلها في السنوات الأخيرة بالرغم من المؤاخذات التي يمكن ان تسجل في هذه لمجالات سواء على المستوى السياسي الاجتماعي و الاقتصادي.. لكن مسألة الاستثناء تظل الصفة المميزة لروح السياسة المغربية و تاريخ المملكة. فالمغرب استطاع أن يوجه و يتعامل مع الطارئ بعقلية و استراتيجية متغايرة تماما مع دول أخرى مجاورة،غير أن الأمر الذي يجب الوقوف عنده كون التعامل لا يكون دائما موضوع دراسات و احتمالات بل يقف على معالجة الأمور فور وقوعها و الشواهد التاريخية و أحداث ما سمي الربيع العربي خير دليل.اذن فالتعامل مع الواقع بإمكانيات ما هو متوفر و موجود خارج القراءات المستقبلية و السيناريوهات المدروسة يمكن أن يشكل خطرا حقيقيا لحظة وقوعه،وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن الرؤى المستقبلية للمملكة باعتبار أن التفكير نحو المستقبل يعد نشاطا مركزيا للأفراد منذ البدء في بناء الحضارات المختلفة. فهل يمكن أن نتجه كدولة مغربية حقيقية عريقة نحو تأسيس و خلق معاهد و بناء اطر جديدة من الباحثين من اجل وضع تصورات لمستقبل البلاد خلا السنوات المقبلة؟و هل فعلا المغرب يعي مدى أهمية هذه المعاهد و المؤسسات في تأمينه من كل الارتجاجات الفجائية و غير المتوقعة،و استشعار جميع المخاطر التي يمكن أن تقف أمامه؟فلا احد منا ينكر الدور الذي تقوم به هذه المعاهد و المراكز البحثية و الجمعيات العلمية في بروز علم جديد هو علم المستقبليات ،غير ان السؤال المطروح هو هل سنظل نعتمد على دراسات ذات طابع امني و عسكري في قراءة المستقبل؟ما هي وظيفة بعض المجالس التي تم إحداثها أو تفعيلها في عهد الملك محمد السادس و نخص بالذكر المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي،فهل هي مجالس للوقوف على الاختلالات و نقط الضعف في حاضرنا فقط ام ان دورها يتعدى ذلك الى رسم سياسات مستقبلية عبر التقاط هذه الهفوات و محاولة تصويبها بطريقة علمية و عملية؟ هذا لا يعفينا من السؤال عن حالة المندوبية السامية للتخطيط و عن الأدوار التي تقوم بها و المهام المنوطة بها من اجل البحث عن حلول واقعية لمجموعة من المشاكل القطاعية الأساسية في المغرب و تفكيكها من اجل إيجاد أرضيات صلبة يمكن ان تفيدنا في التأسيس للتحول المستقبلي.
#عادل_جبران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديمقراطية المغرب تؤرق جنرالات الجزائر
-
العمر السياسي للزعيم الحزبي في المغرب
-
بوليساريو و أحداث 16 ماي.. ظاهرتين للتأمل
-
أفق حوار راديكاليي المغرب..
-
الهوية المغربية.. روح الملكية الثانية
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|