|
المأزق التاريخي ل-منطق- الهيمنة الامبريالية الاميركية
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 4308 - 2013 / 12 / 17 - 14:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد هزيمة القوة الاميركية العظمى في فيتنام الصغيرة والفقيرة، سنة 1975، اصبحت كل السياسة الخارجية الاميركية تدور حول محور بسيكو ـ سياسي سمي "عقدة فيتنام"، التي كانت اعلى شكل من اشكال "فوبيا الشيوعية" التي كانت تطبع بطابعها كل العالم الامبريالي الغربي وعلى رأسه اميركا. ولكن بعد احداث يوم "الثلاثاء الاسود" في 11 ايلول 2001، وضرب اميركا في عقر دارها، سواء كان الضارب من الخارج او من الداخل، اصيبت الولايات المتحدة الاميركية بحالة "محنة" مستديمة. فأميركا المعاصرة نشأت كدولة جزيرية تحتمي خلف المحيطات من التطورات الدراماتيكية في "العالم القديم" وتجني الارباح الهائلة من الازمات والثورات والمصادمات والحروب فيه. وبرز ذلك بشكل صارخ في الحربين العالميتين الاولى والثانية، اللتين دخلتهما اميركا متأخرة، كي تحصل على الكستناء بعد ان احرق الجميع اصابعهم. وكانت خسائرها في الجنود والعتاد هي الاقل. ولم تطلق طلقة واحدة داخل اميركا بالذات. وجاءت احداث 11 ايلول 2001 لتقضي نهائيا على قاعدة الحماية الجزيرية لاميركا، ولتدفعها الى مستنقع "محنة وجود". وكل السياسة الاميركية، الخارجية والداخلية، السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية والاعلامية، اصبحت تتمحور حول هذه "المحنة"، التي اتخذت شكل "فوبيا الارهاب" التي حلت محل "فوبيا الشيوعية". ان البحث في البعد العملاني للمحنة الاميركية، اي النتائج، والتداعيات اللاحقة المترتبة عليها، الذي هو في الحساب الاخير لب الموضوع، يجب ان يتم بفكر تحليلي بارد، بعيدا عن الاخلاق والعواطف الانسانية، تماما على طريقة البزنس والبراغماتية الاميركية التي، للأسف، أصبحت لها الكلمة الاولى في العلاقات الدولية، في المرحلة التاريخية الراهنة. وهذا مع الاشارة الى أنه لم يتم الى الان تقييم مجمل التداعيات والنتائج التي تمخضت عنها ضربة "الثلاثاء الاسود" في 11 ايلول 2001. وليس بالضرورة ان القوة التي خططت للضربة، ارادت التوصل الى هذه او تلك من الاهداف او غيرها مما لا يستطيع احد ان يدعي انه يعرفه. فالحرب العالمية الاولى والثانية، مثلا، تمخضتا عن نتائج لم تكن في حساب القوى الدولية ذاتها التي اشعلتهما وخاضتهما، مع ان تلك القوى كانت معروفة ومحددة، على خلاف الوضع الراهن. حيث يبدو ان الحرب التي دشنتها احداث 11 ايلول 2001 هي اعقد بكثير من اي حرب سبقتها. ان الحلقة المركزية التي ترتبط بها كل النتائج والتداعيات اللاحقة لضربة 11 ايلول، هي موقع الهيمنة الامبريالية الدولية لاميركا، من حيث هي: إنها أغنى وأقوى دولة في العالم، اقتصاديا وماليا وعسكريا، وبالنتيجة سياسيا. وقد تطورت الى هذا الموقع، كجزيرة قارية شبه مغلقة ومحمية، امام عالم مكشوف. وانطلاقا من ذلك فهي تمتلك القدرة على التحكم الى حد كبير، بالامم المتحدة والمؤسسات الدولية الاخرى، وعلى الضغط على مختلف الدول كبيرها وصغيرها، وعلى التلاعب بالاسواق والبورصات وخطوط التجارة والمواصلات العالمية الخ الخ. وهي تمارس هذا التحكم، الى درجة انه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط الثنائية القطبية، اخذ بعض "أنبيائها" يبشرون بـ"نهاية التاريخ" و"أمركة" العالم، بمعنى تحويله الى "مزرعة" للاميركيين. فلقد وجهت ضربة 11 ايلول 2001 ليس الى اي شيء آخر بل الى قدس اقداس الامبريالية الاميركية والرأسمالية العالمية: الى البنتاغون في واشنطن، والمركز التجاري العالمي في نيويورك. وهذا بالطبع، كما اجمع كل المحللين، لم يكن صدفة. ذلك ان هذين المركزين يعتبران رمز القوتين العسكرية والاقتصادية، اللتين تقوم عليهما الزعامة الدولية لاميركا. و"حجر الزاوية"، الذي يقوم عليه اساس البعد العملاني للضربة، والذي يعطيها اهميته الاستثنائية، هو الآحادية القطبية لاميركا. فمنذ حرب الخليج الثانية، التي اعقبها انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، اعلن الرئيس بوش الاب قيام " النظام العالمي الجديد" بزعامة اميركا. ويتأكد يوما بعد يوم، بالواقع والممارسة، أن اميركا "تفهم" بآحاديتها القطبية، في هذه الطبعة الثانية "الدمقراطية" من "النظام الجديد" (الطبعة الاولى، النازية، كانت لهتلر، الذي كان يريد العالم مدى حيويا لألمانيا، وكان هو أي هتلر اول من طرح شعار "النظام العالمي الجديد")، أنها اصبحت هي "روما الجديدة"، "المتروبول" العالمي، وأن "اطراف" العالم كله، بما فيها اوروبا الغربية واليابان الحليفين، وروسيا والصين، "الصديقين" ـ اللدودين الجديدين، ليست بالفعل سوى "مدى حيوي" تابع لها، تعمل لاخضاعه وتحويله الى ما يشبه "مستعمرة" عالمية كبيرة تسود هي عليها، بدون اي حسيب او رقيب، حتى شكليا. وهذه هي العولمة كما تريد اميركا ان تطبقها على العالم. فإذا كانت "عاصفة الصحراء" قد قامت بها اميركا بغطاء "شرعي" شكليا من مجلس الامن الدولي، فإنها لم تكلف نفسها ذلك في حرب البلقان ضد يوغوسلافيا، التي جرت اليها جرا "حلفاءها" في الناتو. اما في الحرب الاميركية ضد افغانستان، في اعقاب ضربة 11 ايلول 2001، ثم الحرب ضد العراق، فهي قد باشرت هاتين الحربين حتى بدون اخذ موافقة شكلية من الامم المتحدة او من "حلفائها" أنفسهم، الذين أضطروا الى تأييدها او السكوت عنها والرضوخ للامر الواقع مرغمين. من هذه الزاوية، فإن الخصوصية الاساسية لضربة 11 ايلول 2001، أنها اصابت اميركا ليس كدولة امبريالية كبرى وحسب، بل بوصفها "المتروبول" الامبريالي الاوحد في عالمنا المعاصر. ومن ثم فإن العنوان الرئيسي للمعركة، او "الحرب العالمية"، التي اعلنتها اميركا الان، هو: أن تكون او لا تكون اميركا هي الزعيم الأوحد للنظام الامبريالي، المفروض بالقوة على جميع بلدان العالم. وكل الاحداث الجارية، المحلية والاقليمية والدولية، أصبحت حكما، في الحقبة التاريخية الحالية، التي "افتتحتها" ضربة "الثلاثاء الاسود"، تدخل كعناوين فرعية تحت هذا العنوان الرئيسي. والاصطفاف الذي دعت اليه الادارة الاميركية تحت شعار "من ليس معنا فهو مع الارهاب"، انما يعني على وجه التحديد "من هو مع الزعامة الاميركية، ومن هو ضدها"، بصرف النظر عما اذا كان الطرف المعني هو مع ما تسميه اميركا "الارهاب"، او ضده، او حتى ضحية له، وبصرف النظر عما اذا كان "دولة مارقة" كافغانستان الطالبان، او دولة "امبريالية تابعة" وهامشية كبريطانيا. انطلاقا من ذلك، فقد ترتب على ضربة "الثلاثاء الاسود"، بشكل رئيسي، النتائج العامة الموضوعية التالية: 1– ان الحرب لم تعد قضية "خارجية" بالنسبة لاميركا، التي اصبحت هي نفسها ساحة للحرب، الى جانب غيرها من الساحات. وهذا تحول نوعي في تاريخ الحروب عامة، والحروب الاميركية خاصة، في العصر الحديث. مما سيكون له تأثيراته وابعاده غير الخاضعة للحصر منذ الان، بسيكولوجيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا. 2ـ "إلغاء الامتياز" الخاص باميركا، باستخدام العنف والارهاب ضد المجتمعات المدنية، على النطاق الدولي خارج حدودها، بدون خشية المقابلة بالمثل. فطالما ان القوة الاميركية المهيمنة، المحتمية خلف سورها الجيوستراتيجي (الجزيري)، تسمح لنفسها بالاستباحة المباشرة وغير المباشرة للمجتمعات المدنية للدول والبلدان والشعوب "الاخرى"، سواء كانت فلسطين او الكونغو او لبنان او روسيا الخ، فإن ضربة "الثلاثاء الاسود" قد اصابت اميركا مباشرة في نقطة ضعفها، وهي مجتمعها "الداخلي" ذاته، بما فيه المدني، بحيث اصبحت اي مؤسسة مدنية رئيسية معرضة للخطر، وبالاخص الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن المؤسسات الامنية والعسكرية، التي اصبح وجودها داخل الاطر المدنية، لا يشكل حماية لها، بل خطرا على تلك الاطر. 3ـ "كسر التفوق" العلمي، شبه الاحتكاري لاميركا، في حقل العمل العسكري. فالعلم، بكل فروعه، بما فيه تقنية العمل المخابراتي المهني رفيع المستوى، كان حتى الان، في النطاق العسكري، امتيازا للقوى الدولية المتسلطة، وعلى رأسها اميركا، خصوصا بعد انهيار المنظومة السوفياتية. وكلما زادت القوة المعينة غنى، زادت قدرتها على استخدام العلم في الفن والقوة العسكريين. وهذا ما ينطبق بالدرجة الاولى على الولايات المتحدة، بسبب مكانتها الاقتصادية والعسكرية المهيمنة في النظام الامبريالي العالمي، حيث اصبحت مركز الاستقطاب الاول لـ"الادمغة"، والمجمع الاول للمختبرات ومراكز التجارب العلمية الخ، في العالم. ولكن جدلية الحياة، بما في ذلك جدلية التطور المتناقض للنظام الرأسمالي ذاته، والاحداث والتطورات العالمية، وصولا الى العولمة، ادت وتؤدي بمزيد من السرعة، الى كسر هذا الاحتكار ايضا. فالآن يتحدثون عن امكانية استخدام الارهابيين الدوليين للسلاح البيولوجي والكيماوي والذري الخ، ويتحدثون عن امكانية اختراق ارقى انظمة الكومبيوتر الخاصة بالبنوك والدفاع والطيران، وعن القدرة على التخريب وافتعال الحوادث المروّعة بالتحكم عن بعد، كتفجير مفاعل نووي او حرف الطائرات والبواخر والسفن عن وجهة سيرها الخ. وسواء كانت تقبع خلف مثل تلك الحوادث والكوارث المحتملة بعض الاوساط "المتآمرة" في هذه الدولة القادرة او تلك، او علماء نازيون او سوفيات، سابقون، او دمقراطيون "منشقون"، او اسلاميون ساخطون، او حلفاء "بروتوسيون" (بروتوس هو "الصديق" الذي شارك في طعن قيصر من الخلف، فقال فيه قيصر كلمته الشهيرة "حتى انت يا بروتوس") او اميركان "يوضاسيون" (يوضاس هو "الحواري" الذي قبـّل السيد المسيح كعلامة لتسليمه الى قتلته اليهود والرومان)، او متآمرون "مارقون" اميركيون، او اي فئة اخرى من "النوابغ الاشرار"، فإنه من الواضح أنه لم يعد بالامكان اعادة المارد الى القمقم، خصوصا وأن الدمقراطية ومبادئ المساواة بين البشر افرادا وجماعات وشعوبا، التي ينبثق منها الحق الطبيعي بالعلم، تتعارض تعارضا مطلقا مع عملية استغلال واحتكار العلم، المغلفة بحقوق الملكية الخاصة وبراءات الاختراع وما اشبه من المعايير الرأسمالية التي عفـّى عليها الزمن، وبلغت النقطة الحرجة، التحولية، في تعارضها مع الضرورة الانسانية التاريخية، كما في التعبير "الانفجاري" عن "ضرورات" المنافسة الرأسمالية والصراع في النظام الامبريالي ذاته. وبانسحاب هذا "الانفتاح" او "الاستباحية" العلميين، على الحقل العسكري، وباقترانه مع التناقضات المميتة للمجتمع الرأسمالي الامبريالي المعاصر عامة، والتناقضات داخل اميركا، ومعها، خاصة، فقد اثبتت ضربة "الثلاثاء الاسود" أنه لم يعد يوجد بعد اليوم احتكار للعلم، حتى لو كان الاختراق يتم بطريقة "غير شرعية"، وهذا يعني انه لم تعد توجد اية "حصانة" لأي بلد متفوق وغني، ولأية "قلعة"، ولأي "محتكر علمي"، في اي نقطة في العالم. 4ـ الخرق النهائي للسور الجيوستراتيجي، المتمثل بالمحيطات، الذي كانت تحتمي به اميركا، اكثر مما كانت الصين تحتمي بسورها القديم، وكذلك السور التكنوستراتيجي، المتمثل في أنظمة الرصد والدفاع الخارقة. وأخطر ما في هذا الخرق أنه تم بـ"سلاح بسيط" هو الحركة الديموغرافية للمجتمعات. ومهما سنت اميركا الآن من قوانين قمع ومراقبة و"فلترة" للأجانب والمشبوهين، فهي لم تكن قادرة في الماضي، ولن تستطيع الآن وبعد الآن، ان تقيم حاجزا ديموغرافيا عنصريا بوجه "الاغراب"، "يكمل" ميزتيها الستراتيجيتين الجغرافية والتقنية، كما حاول ان يفعل هتلر، وفشل، حينما "أحرق" اليهود والغجر والشيوعيين، وأخذ "القياسات الصحيحة" للجمجمة الالمانية، بهدف استخلاص العرق المتفوق. فأميركا كلها تتألف من "مجتمع اجانب"، البيض والسود والملونين، "السادة" و"العامة". وأكثر من نصف سكان اميركا اليوم بالذات هم من الملونين والمظلومين والفقراء والمشردين. وهؤلاء جميعا "لن ينسوا"، ولن يسمحوا بأن تتحول اميركا الى مجتمع مغلق، لأن صلتهم بجذورهم وانتماءاتهم الانسانية هي اقوى من ان تمسخها اي عنصرية اميركية مبتذلة، لن تكون في احسن الحالات سوى نسخة كاريكاتورية عن العنصريات الامبريالية التي سبقتها. واذا كان بن لادن (و "قاعدته"!) قد سمح لنفسه بطرح شعار "تطهير الارض العربية من المسيحيين والنصارى الذين يسميهم زورا "صليبيين"، فإن أي ادارة اميركية لا تستطيع ـ دون ان تقضي على أسس الوجود المجتمعي والاقتصادي والسياسي والعسكري ذاته، للدولة الاميركية ـ ان تطرح شعار "تطهير الارض الاميركية من الملونين والكاثوليك وجميع غير اليهود وغير البروتستانت الانغلو ساكسونيين. 5ـ وضع اساس جديد للمواجهة، او المواجهات، الستراتيجية الدولية، يقوم على "توازن للرعب" من نوع جديد، لا يقترن بمقاييس التوازن الستراتيجي والاقتصادي والعلمي الخ، كما كان في مرحلة الحرب الباردة، او مقاييس التفوق كما صار بعدها. 6ـ كسر الحاجز المصطنع بين السياستين الداخلية والخارجية، الذي كان يتم فيه استباحة الحدود الوطنية للدول الضعيفة والفقيرة، في الوقت الذي تقف فيه القوى العالمية المهيمنة، فوق الشرعية الدولية. اما الآن فإن القوى العالمية المهيمنة اصبحت مدعوة لتحمل مسؤولياتها الوطنية "الداخلية"، كجزء لا يتجزا من سياساتها "الخارجية". وهو ما يترتب عليه اقحام المجتمع المدني لهذه القوى في اي مواجهة دولية، ودفعه الى تحمل مسؤوليته المباشرة، الداخلية، عن السياسة الخارجية لدولته، والى اتخاذ موقفه الخاص به، سلبا او ايجابا، مع سياسة الهيمنة العالمية او ضدها. 7ـ إلغاء الامتياز المالي – الاقتصادي المنفرد، الذي كانت تؤمنه "الجزيرة الاميركية" البعيدة والقوية والغنية، للرساميل العالمية، التي كانت تجد في اميركا لا ملجأ آمنا وحسب، كما في سويسرا، بل اساسا، وربطا بذلك، حقل تشغيل عالميا بعيدا عن المخاطر الامنية ـ الاقتصادية، التي كان يواجهها اي بلد رأسمالي كبير في "العالم القديم"، ولا سيما في ظروف الحروب والمواجهات الستراتيجية. فبافتقاد عنصر "الامن الجزيري" الخاص، اصبحت اميركا متساوية في المخاطر مع اي مركز مالي واقتصادي دولي آخر. وانطلاقا من ذلك فإن عملية التمركز الرأسمالي العالمي، ستتخذ من الآن فصاعدا أشكالا مختلفة، لا تتطابق بالضرورة مع المركزية القطبية الدولية التي تستغلها اميركا. 8 ـ إضعاف الدور الزعامي السياسي لاميركا، التي اصبح من المتعذر عليها فرض ارادتها على الحلفاء والاصدقاء ـ الالداء و"الاعداء" كيفما تشاء. ومهما كان من "عادة" الغطرسة لدى اميركا، فإنها تدخل الان معمعة "الحرب على الارهاب" التي اعلنتها، ليس كطرف خارجي فوقي "لا يـُمس"، يستخدم قوته الجبارة لـ"مساعدة" الآخرين شكليا، وفرض ارادته عليهم وتحقيق مصالحه الخاصة من خلال "حاجتهم" هم اليه؛ بل ان اميركا بعد 11 ايلول 2001 تدخل هذه الحرب كطرف "مُصاب"، يطلب هو نفسه "مساعدة" الآخرين. وإن الاجماع الذي حصلت عليه الادارة الاميركية حول مواجهة الارهاب، هو قيد كبير، مقدار كبر هذا الاجماع، على سياستها الدولية. فكل دولة، صغيرة او كبيرة، تنضم الى هذا "الحلف المعادي للارهاب" مع اميركا، أتت وستأتي الى هذا الحلف بشروطها هي، ومطاليبها هي، ورأيها هي، في "الحرب" او "الحروب" التي ستخوضها اميركا. ومهما راوغت وزاغت، فإن اميركا لن تستطيع بعد اليوم، للمثال وحسب، ان تتهرب من المسائل الاساسية المتعلقة بالارهاب مثل: تعريف الارهاب؛ الارهاب والمقاومة الوطنية المشروعة؛ اسباب الارهاب ونتائجه، وطرق المعالجة؛ الارهاب والحرب الخ. ولن تستطيع ايضا التهرب من المساءلة، ممن تطلب "مساعدتهم"، عن "أخطائها" ذاتها تجاه كل منهم، وما اكثر هذه "الاخطاء". وبالتالي فإن اتجاه الهيمنة "العولمية" الاميركية الذي وضعته اميركا بنفسها، انما اصبح مقيدا نسبيا ويخضع لشروط الاطراف "الحليفة" الاخرى. 9ـ نزع المبادرة الستراتيجية من الادارة الاميركية. ففي حرب افغانستان ضد السوفيات، والحرب العدوانية الاسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين ولبنان والعرب، وحرب الخليج الثانية، وحرب الناتو ضد الشعوب اليوغوسلافية، الذي استخدمت فيه القضية الالبانية كأداة وكذريعة، ثم في الحرب على افغانستان ضد حلفاء الامس واحتلالها، ثم الحرب على العراق واحتلاله، ـ في كل تلك الحروب كانت المبادرة الستراتيجية بيد الادارة الاميركية، التي خططت لكل من هذه الحروب، وبدأتها وأنهتها بالطريقة المناسبة لها. وخرجت منها ـ مرحليا، وعلى العموم ـ "منتصرة" و"أقوى". اما الآن، فيبدو واضحا اكثر فأكثر ان الادارة الاميركية قد انجرت الى "الحرب على الارهاب" ولم تختر لا شكل ولا زمان ولا مكان هذه "الحرب"، وهي لم تستطع حتى الان تحقيق النصر الحاسم فيها، ولا تعرف كيف تخرج منها. فهي لا تستطيع ان "تسكت" عن الضربة، ولا "تعرف" تماما كيف واين ومتى وضد من سترد. واصبح "الارهاب" (كما تعرّفه اميركا ذاتها) اشبه شيء بـ"شبح" موجود في كل مكان وغير موجود في الوقت ذاته. وأي "هجمة" تقوم بها اميركا، وقد تحقق فيها بعض "الانتصارات"، في افغانستان وباكستان والعراق واليمن او غيرها، ستكون مقادة بدوافع رد الفعل، ولن تفعل في المحصلة سوى توسيع دائرة اعدائها، وتنفير "اصدقائها" والخضوع اكثر لشروطهم. 10 ـ اتخذت الشريحة المتسلطة في اميركا من هذه الضربة ذريعة للقيام بـ"هجمتين"، تحت شعار مكافحة الارهاب الدولي: الاولى ـ التضييق على الحريات وحقوق الانسان في اميركا، واصطناع وركوب موجة من العداء لـ"الاجانب"، ولا سيما من ذوى الاصول العربية والاسلامية، واستيلاد مكارثية جديدة في المجتمع الاميركي. الثانية ـ تبرير شن حرب اميركية عالمية ضد الحركات الوطنية والتحررية، بما فيها الاسلامية، المعادية للهيمنة الامبريالية، ولمحاولة ترسيخ الهيمنة والنفوذ والمصالح الاميركية. وهاتان "الهجمتان" لا تبرئان بأية حال النظام الامبريالي الاميركي، بل تلقيان الشكوك حول "مصلحته" كله، او بعض اطرافه الرئيسية، في ضربة "الثلاثاء الاسود". 11 ـ وأخيرا لا آخر، فإن هذه الضربة تكشف وجود اتجاهين في النظام الامبريالي العالمي عامة، والاميركي خاصة: الاول ـ احتدام الصراع على السيادة داخل النظام الاميركي ذاته، لإضعاف مواقع بعض القوى المهيمنة، وتقوية مواقع قوى أخرى، او لإعادة توزيع حصص المشاركة في السيادة الدولية لأميركا، من قبل مواقع اقوى. الثاني ـ اتجاه ضرب السيادة الدولية لاميركا، لاستبدالها بوضع جديد في العلاقات الدولية. وذلك كرد من قبل "الاطراف" العالمية، "الحليفة" والتابعة وشبه المستعمرة، على "المتروبول" الاميركي. والالتباس والتداخل بين هذين الاتجاهين هو ما يفسر حالة التردد والتباطؤ والغموض والتناقض، في الخط الستراتيجي السياسي والعسكري الذي تنتهجه اميركا و"حلفها" الحالي المهزوز، وهي حالة لا يجعلها اكثر وضوحا شعار "مكافحة الارهاب" غير محدد المعالم، بل على العكس. فالوضع الراهن للنظام العالمي الجديد، القائم على الهيمنة الآحادية لاميركا، هو الذي يوجد المناخ العام والشروط والظروف المؤاتية، المؤدية الى ردود الفعل تجاه هذا النظام. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمحة تاريخية مكثفة عن العلاقات الثقافية البلغارية اللبنانية
...
-
الجيش الاميركي حول افغانستان الى -مملكة سعودية- للخشخاش واله
...
-
الغطاء الديني للصوصية الاستعمارية
-
الحرب السورية: بداية النهاية!
-
بعض بنود -لائحة الشرف- للدمقراطية الاميركية المزعومة!
-
سقوط أسطورة القطب الاميركي الاوحد
-
-الصليبية- الاميركية على قارعة السقوط التاريخي!
-
ضجة كيماوية هستيرية مفتعلة لاجل فصل المناطق الكردية عن سوريا
-
المهمة الوطنية والدمقراطية الاولى في سوريا: السحق التام للغز
...
-
الجيش -الاسلامي!!!- العالمي يجند المضللين البلقانيين للقتال
...
-
ما خربته السياسة الغربية تصلحه المسيحية الشرقية
-
اليوم سوريا وغدا روسيا!
-
الحتمية التاريخية لانتصار النظام العبودي لروما
-
انتصار روما على قرطاجة: انتصار للنظام العبودي -الغربي- على ا
...
-
ظهور المسيحية الشرقية كظاهرة نضالية ضد الاستعمار والاستغلال
...
-
معركة سوريا تتجه نحو الحسم في اتجاه واحد: تحطيم المؤامرة وسح
...
-
قبل ان يرتفع العلم التركي فوق قلعة حلب...
-
الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة
-
طبيعة الانتصار الروماني على قرطاجة
-
تدمير قرطاجة والسقوط العظيم للمشاعية البدائية
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|