|
في قراءة لتجربة البلاد بعد نهاية الحكم العنصري/ جنوب افريقيا معارك اليسار وإمكانيات التنمية البديلة
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 4306 - 2013 / 12 / 15 - 23:28
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
قبل بضعة ايام ودعت جنوب افريقيا نيلسون مانديلا رمز نضال تحررها، والشخصية الاكثر بروزا وتأثيرا في تاريخها الحديث، وتاتي وفاة مانديلا لتفتح ملف التساؤلات، بشان مستقبل البلاد التي ستشهد في العام المقبل انتخاباتها العامة. ويتوقع الكثير من المراقبين السياسيين، حصول التحالف الحاكم المؤلف من حزب المؤتمر الوطني الافريقي، الحزب الشيوعي، واتحاد نقابات العمال، على 55 – 60 في المئة من الاصوات، ولكنه سوف لن يحافظ على اكثرية الثلثين التي تمتع بها بعد نهاية نظام الفصل العنصري، حتى الانتخابات العامة الاخيرة في عام 2009 . وتأتي هذه التوقعات على خلفية الصعوبات التي يعاني منها المؤتمر الوطني الافريقي، جراء السياسات التي اتبعها الحزب منذ انطلاق العهد الجديد، والى المشاكل الجدية التي يعاني منها اتحاد نقابات العمال، والتي تهدده بالانشقاق، بعد إيقاف سكرتيره العام عن العمل، وبروز الصراع على المواقع القيادية في داخلها. وتهديد نقابة عمال المعادن بترك التحالف، واتهامها حزب المؤتمر الوطني الافريقي بخيانة الطبقة العاملة، واعتماد سياسات اصلاحية بعيدة عن المصالح الحقيقية للعاملين، ومن المعروف ان اعضاء النقابات يلعبون دورا رئيسيا في الحمل?ت الانتخابية للتحالف الحاكم. وعكست صيحات الاحتجاج والاستهجان ضد الرئيس جاكوب زوما، خلال حفل تابين نيلسون مانديلا في العاصمة جوهانسبرغ، حتى وان كانت منظمة، عكست حالة عدم رضا قواعد المؤتمر الوطني الافريقي عن الاداء الحكومي. وتمثل معدلات البطالة المرتفعة، وتعمق عدم المساواة الاجتماعية اسبابا مهمة للابتعاد عن زوما، فضلا التكاليف الباهظة التي انفقت على مقر اقامته الجديد ، والرسوم المرتفعة على استخدام طرق البلاد السريعة. والخسارة الاكبر ليس في انخفاض نسب المصوتين، بل في خسارة التفائل الذي ساد في سنوات الحكم الاولى بعد التحرر من نظام الفصل العنصري. ولقد ذكر الكثير من المتحدثين في الاحتفال التأبيني بالمثال الذي اعطاه مانديلا في سنوات حكمه للعالم. لقد دللت جنوب افريقيا وشعبها على ان التحول ممكن، هذا ما قاله الرئيس الامريكي باراك اوباما في كلمته، اما الرئيس الالماني فقد شبه مانديلا بمارتن لوثر كنك، وان جنوب افريقيا مثلت رمزا للقوة القادرة على التغيير. ولهذا فقد اصبح واضحا مدى اهمية ان تستعيد جنوب افريقيا ارث زعيمها الراحل. ولالقاء الضوء على خلفيات المسار الذي قطعته تجربة اليسار في جنوب افريقيا، نقدم في ما يلي عرضا لحوار هام اجرته مؤخرا جريدة "نيوزدويجلاند" (المانيا الجديدة) مع جيريمي كرونين المولود عام 1949 ، عضو الحزب الشيوعي جنوب افريقيا، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الوطني في جنوب افريقيا،وكان عضو في البرلمان، ويشغل حاليا منصب نائب وزير الأشغال العامة في جنوب أفريقيا. وهو كاتب وشاعر معروف، تناول فيه تجربة اليسار في الحكم، الصعوبات، الأخطاء، والبدائل الممكنة. في البداية يتناول كرونين معني ان يكون المرء شيوعيا، او اشتراكيا في جنوب إفريقيا، ويشير الى ان المعنى مرتبط بخصوصية معينة، ففي التسعينيات كان الوضع في جنوب أفريقيا مختلفاً تماما عما كان قائما في ألمانيا مثلا. لقد وصل الشيوعيون حينذاك الى السلطة، وحازوا على احترام كبير جدا لدى المواطنين، بسبب نضالهم ضد التمييز العنصري، الذي استشهد فيه الكثير من رفاقهم، وأمضى فيه آخرون سنوات طويلة في السجون، او المنافي. ان وضع جنوب افريقيا في التسعينيات كثير الشبه بالوضع في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث ناضل?الكثير من الشيوعيين في اليونان، ايطاليا، وفرنسا ضد النازية، وأصبحوا أبطالا للمقاومة. وفي بداية التسعينيات كان السكرتير العام للحزب الشيوعي كرس هاني، ثاني أحب شخصية سياسية في البلاد، بعد نيلسون مانديلا. ولقد ناقش الشيوعيون مسالة تغيير اسم الحزب، لقد نوقشت المسألة، ارتباطا بفشل التجربة الاشتراكية في شرق اوربا، وقد كان هناك أنصار هذه المناقشة، فمن غير الممكن أن لا ينشغل المرء بالنهاية المدوية للتجربة الاشتراكية، وهنا يجب ان لا ننسى الأعمال الفظيعة التي ارتكبت باسم الشيوعية. لقد نوقشت التجربة التاريخية للاحزاب الشيوعية التي حكمت شرق اوربا، وكانت مساهمة جو سلوفس ( السكرتير العام السابق) الموسومة "هل فشلت الاشتراكية؟" مهمة جدا، لأنها اشتغلت على مركزية الدولة الاشتراكية، وعلى تسلط دول الاشتراكية. لقد قام الحزب الشيوعي بهذه المهمة، في حين ما تزال مهمة مراجعة التجربة التاريخية للمؤتمر الوطني الإفريقي ماثلة أمامه، لأنه كان واقعا أيضا تحت تأثير قوي لجمهورية ألمانيا الديمقراطية والاتحاد السوفيتي السابقين. وخلال هذه المراجعة، وانطلاقا من التقاليد، تم الاحتفاظ باسم الحزب. لقد انتمى الى?الحزب الكثير من الأعضاء الجدد، احتفالا بنهاية سلطة الفصل العنصري، ولم يكن هناك سبب لتغير اسم الحزب. ومن الضروري التأكيد ان الحزب لم يكن في السلطة. واقع اليسار في جنوب افر يقيا
تعيش جنوب أفريقيا أيضا أزمة الرأسمالية الكبيرة ، ومن المعروف ان اليسار لا ينتصر بالضرورة في أوقات الأزمات. والتجربة التاريخية لألمانيا تدل على ذلك بشكل مخيف. ولكن من جانب آخر يشهد العالم انتعاش الكثير من أفكار اليسار. ولا يوجد اليوم مشروع موحد لليسار، كما كان عليه الحال في القرن العشرين. وهذا امر جيد، لان اليسار بطبيعته متعدد. وهو احد دروس اليسار المهمة من الماضي الصعب. واليسار لا يملك خطة واحدة لتحرير العالم من الرأسمالية. ويواجه اليسار في جنوب أفريقيا مشكلتين أساسيتين: المعاناة من الضعف، لان الكثيرين في المؤتمر الوطني الإفريقي يتصرفون بسخرية، ويبدو ان سنوات المنفى الطوية دفعت بالعديد من قيادات المؤتمر الوطني الإفريقي إلى السخرية السياسية، وهؤلاء يمارسون السياسة اليوم للإثراء الشخصي، موظفين نفوذهم السياسي لهذا الغرض، وهذا يضر بالمشروع اليساري. وبالإضافة إلى ذلك سار اليسار في السياسة الاقتصادية طويلا على نهج الاجتماعيين الديمقراطيين الخاطئ. واعتقد الكثيرون لفترة طويلة،عندما تتفق الحكومة ورجال الاعمال والنقابات على نشر الديمقراطية، ستتدفق الأموال الهائلة أيضا الى جنوب أفريقيا الجديدة. ولم يتم إلى اليوم تجاوز نموذج الشراكة الوطنية بين الحكومة والشركات والنقابات، الذي تم تبنيه تحت التاثير الشديد لنموذج الاجتماعيين الديمقراطيين في السويد وألمانيا. وحتى "خطة التنمية الوطنية" الجديدة للحكومة متأثرة بقوة بالنموذج الاجتماعي الديمقراطي. ولا يعني هذا ان ك? ما تحتويه الخطة خاطئ، ولكن التبسيط يكمن في الاعتقاد بالميثاق الاجتماعي، اي العمل المركز بين الحكومة، الشركات، والنقابات، ان ذلك هو السذاجة بعينها. لان الزمن قد تغير، ونحن لا نعيش في عقد الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، بل نعيش في الرأسمالية المالية المعولمة.التي تقرر فيها الإرباح إلى أين يذهب الرأسمال. نموذج الشراكة الاجتماعية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان العديد من الشركات الكبيرة في أوربا تعاني من الضعف بسبب تورطها مع ألمانيا النازية.ولهذا السبب، وغيره من الأسباب كانت هذه الشركات مهددة بالتأميم، ولهذا كان الميثاق الوطني للنمو والعمالة ليس فقط أهون الشرين، بل إستراتيجية البقاء على قيد الحياة الوحيدة،القابلة للتطبيق بالنسبة للشركات. وكانت "خطة مارشال" الأمريكية لتحسين اوضاع الناس الاقتصادية والاجتماعية، لغرض مواجهة نفوذ الأحزاب الشيوعية. وفي جنوب افريقيا ساد الاعتقاد بوجود مانديلا في القمة، وان الشركات ستستثمر بشكل جيد، ?ي سيتحقق ما يشبه "خطة مارشال"، ولكن ذلك لم يتحقق، لان الرأسمال في جنوب أفريقيا ليس وطنيا. وبدلا من ان تستثمر الشركات داخل البلاد، ذهبت برؤوس الأموال، بعد نهاية نظام التميز العنصري، إلى خارج البلاد. وعند المراجعة لا يبدو الأمر مستغربا، لان نظام الفصل العنصري كان في النهاية بالنسبة للشركات غير مفيد اقتصاديا. ولسنوات طويلة حققت الشركات إرباحا من الأيدي العاملة الرخيصة، وكذلك من الطاقة الرخيصة المنتجة من الفحم المحلي، ولهذا أتت،في حينها، شركة فولكس واكن" الألمانية لصناعة السيارات إلى جنوب أفريقيا." وفي الثمانينيات شهد الوضع تحولا، بسبب الحصار المفروض على نظام الفصل العنصري، والشروط التي فرضتها الحكومة العنصرية لتنظيم السوق المالي، مما ضيع على الشركات الفرص الاقتصادية التي إتاحتها العولمة. ومع نهاية نظام الفصل العنصري كان الوضع مختلفا، والحكومة ساعدت الشركات أيضا على مغادرة البلاد. اتبعت عقيدة الليبرالية الجديدة، وفتحت الأبواب والنوافذ، وألغيت القيود التي فرضتها حكومة الفصل العنصري على السوق المالية ، ولم يأتي إلى البلاد سوى الرأسمال الساخن الباحث عن فوائد عالية. وفي المقابل خسرت البلاد استثمارات شر?اتها الكبرى في الخارج، والتي بلغت قيمتها 20 - 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولهذا لا يمكن الحديث عن ميثاق اجتماعي. ولم ينحصر الأمر في استثمار الشركات المزيد خارج البلاد، وإنما بدأ هجوم أشكال العمل المؤقت، وازداد انتشار العمل بالإعارة،وانتشار مكاتب تأجير القوى العاملة. خسارة معركة حاسمة لقد خسر اليسار في حينها معركة حاسمة، ولم يرغب الرأسمال في عقد ميثاق اجتماعي. وبسبب قرب الكثير من الشخصيات السياسية في المؤتمر الوطني الأفريقي من الأموال القديمة والجديدة، لم يتبع السياسيون اليساريون إستراتيجية مغايرة. وفي ذلك الوقت كتبت قوى اليسار بالأساس برامج التكيف الهيكلي الخاصة بها. ولم يعد لا صندوق النقد الدولي، ولا البنك الدولي، بحاجة للقيام بذلك. ولهذا ما تحتاجه جنوب أفريقيا اليوم هو التحول الاقتصادي الجذري الثاني. وفي ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية تواجه أفكار الليبرالية الجديدة والخصخصة، ورفع القيود عن التجارة انتقادات شديدة. وبالإضافة إلى هيمنت سياسة التقشف القديمة، التي تدفع بلدان جنوب أوربا إلى دوامة رهيبة، لذلك يدور اليوم نقاش جدي داخل المؤتمر الوطني الإفريقي بشأن القيام بتحولات اقتصادية جذرية. ان الليبرالية الجديدة في أزمة، ولكن ذلك لا يعني إن أفكارها اختفت ببساطة، وكذلك هو الحال مع أنصارها. ومن الواضح ان وصفات وعلاجات الليبرالية الجديدة قد فشلت، سواء في بلدان العالم الثالث، او بلدان العالم الثاني مثل دول الاتحاد السوفيتي السابق، والليبرالية الجديدة في حالة دفاع. وقد انتهى زمن غطرسة مصانع التفكير الكثيرة في واشنطن، وسيل نصائحها في السياسة الاقتصادية. وهناك اليوم مساحة اكبر لطرق أخرى للتنمية. والمهم هنا هو عودة الدولة أكثر فأكثر إلى مركز التفكير في السياسة الاقتصادية، وهذا أمر جديد. بدائل اليسار الممكنة يريد اليسار بناء اقتصاد منتج، ولقد حقق نتائج متقدمة في قضية التوزيع، بقدر تعلق الآمر بتوزيع المساكن، وإيصال الطاقة، وفي تقديم المعونة الاجتماعية مثل مساعدات دعم الأطفال، والمعاشات التقاعدية، التي تم تحقيق تقدم ملحوظ فيها، في السنوات الأخيرة. ولكن الاقتصاد كان وسيبقى المشكلة الرئيسية. ولم يستوعب اليسار لوقت طويل الاهتمام بمصالح الشركات المتوسطة والصغيرة، وجرى التركيز كثيرا على الشركات الكبيرة، ولهذا تمت خسارة الكثير من فرص العمل في الشركات الصغيرة وفي قطاع الاقتصاد الزراعي. وجرى لوقت طويل ، اعتماد سياسة الاقتصاد الكلي فقط. لقد تم تامين معدلات تضخم منخفضة، وحرية في حركة رؤوس الأموال. وما كان مطلوبا هو سياسة صناعية واضحة وبذل المزيد من الجهود في مجال السياسة التعليمية، وتطوير البنية التحتية. يجب على اليسار ان يبني جنوب افريقيا بمساعدة الشركات الصغيرة، والحركات الاجتماعية، التي لها مصلحة حقيقية في بناء بلدها، لان الشركات الكبيرة ليست لها مصلحة حقيقية في ذلك، فشركة ساسول تريد هذا العام، بناء مصنع تستثمر فيه 20 مليار دولار، ولكن ليس في جنوب افريقيا، وانما في الولايات المتحدة الامريكية. وهو اكبر استثمار تقوم به شركة بمفردها في الولايات المتحدة منذ أعوام طوال. الملكية العامة والسياسة الاقتصادية المرجوة تحظى فكرة تاميم شركات التعدين الكبيرة حاليا بشعبية واسعة. وكانت الأولويات السائدة حتى الآن هي ايقاف التوجه نحو الخصخصة. لقد اعتمد الرئيس ثابو مبيكي، سلف الرئيس جاكوب زوما، بقوة على الخصخصة، وبعد ان فشلت اللبرلة في تحقيق الانعاش المرجو للاقتصاد، وفي المقام الاول في جذب مستثمرين اجانب، تم اهدار وقت طويل في الثتاء على الشركات الوطنية لدى المستثمرين الاجانب.لم يستمر التعامل لحسن الحظ كما جرى مع شركة ESKOM. فشركة الخطوط الجوية ٍSAA تم شرائها من قبل الخطوط الجوية السويسرية، ولكنها افلست بعد ذلك، وعادت اليوم إل? يد الدولة. وخلال مساعي الخصخصة فشلت الدولة كما هو مع شركة ESKOM في تحديث احتكار الطاقة في الوقت المناسب، وبناء مولدات طاقة جديدة، لذلك فهي تعاني اليوم، بسبب وجود نقصا في الطاقة. ونتيجة لضغط اليسار والكثير من المبادرات في القاعدة تم إيقاف الخصخصة. ويجب الان بناء شركات القطاع العام كمصانع المدن الصغيرة والتعاونيات، التي تقوم بالاستثمار في اقتصاد جنوب افريقيا. ولكن المهم هو التغلب على ممارسة الفساد، فليس من النادر ان المصانع المدعومة من البلديات، تقوم بتوفير التراكم الاولي لنفر قليل من الفاسدين. وبالعودة إلى التأميم يفضل استخدام مصطلح الملكية الاجتماعية، لان سلطة الفصل العنصري مارست التأميم أيضا ، ولكن هذه الشركات المملوكة للدولة مترددة في السماح بممارسة الديمقراطية داخل المصانع. والتأميم ليست مهمة سهلة، لأن هنا تبرز مشكلة العمال المهرة. ولغرض القيام بقيادة جيدة للشركات ، من الضروري توفير إدارة كفوءة. ليس هناك نموذج واحد للتنمية
ليس هناك نموذج واحد للتنمية يمكن تعلمه، بل يجب ان يكون هناك اهتمام بتجارب العديد من البلدان، فالذين دخلوا عالم السياسة في عام 1968 ، تعلموا الانفتاح على ثقافة منفتحة على اشياء كثيرة، وهذه قضية حاسمة. والنماذج مسالة غير مناسبة، خصوصا في بيئة استعمارية مثل جنوب افريقيا، حيث أراد الرجل الأبيض جلب إشعاع الحضارة بضربة واحدة. وبخصوص التجربة الصينية يمكن تعلم الكثير منها، ولكن السياق مختلف جدا. في الصين كان هناك مجتمع قائم على المساواة الجذرية قبل البدء بالإصلاحات. وكانت الجماهير فقيرة. وكان المجتمع غير متطور، ?غير مشابه للتطور الخاطئ، الذي عاشته جنوب افريقيا. وقد أتاحت إصلاحات دنغ شياو بينغ انطلاق رأسمالية الدولة. وجنوب إفريقيا دولة نامية منذ ذروة الذهب في القرن التاسع عشر، ولا تملك برجوازية وطنية، كما هو الحال في الصين، وليس هناك في جنوب افريقيا دولة متسلطة، وهذا أمر جيد. ولكن اليسار في جنوب افريقيا ينظر باهتمام كبير لمحاولة بناء اليسار الجديد بعد عام 1990 في المانيا، وخصوصا تجربة حزب اليسار الالماني في كيفية العمل مع الحركات الاجتماعية، مثل الحركة النسوية، و وضع سياسة مشتركة معها، وبالتالي بناء يسار متعددة ولا يريد الحزب الشيوعي التركيز على الانتخابات فقط، ويريد الحزب يسارا نابضا بالحياة، وعلى اتصال مباشر ودائم مع الناس. وبخصوص تجربة الاجتماعين الديمقراطيين في ألمانيا، فإنها ليس مثلا يحتذى به ، وهذا لا يمنع من تعلم الاشياء المفيدة، ولكن من الخطأ تصديق الوهم بإمكانية عقد توافق اجتماعي. ويبدو الاجتماعيون الديمقراطيون في اوربا اليوم، اما ساخرين، حيث يركزون فقط على تاثير الانتخابات، مثل توني بلير، او تنتابهم السذاجة، فيما يتعلق بتوازنات القوى في ظل الرأسمالية المالية العالمية، وعلى الرغم من ذلك يجب على اليسار ان يكون منفتحا بالحوار على الاجتماعيين الديمقراطيين والقوى الأخرى. والى جانب أزمة الليبرالية الجديدة، يعيش العالم منذ بضع سنوات نهاية هيمنة الولايات المتحدة في السياسة الدولية، ومنذ سنتين أصبحت جنوب إفريقيا عضوا في مجموعة "البريكس" الى جانب: البرازيل، روسيا، الهند، والصين. هل يعيش العالم اعادة تشكل العلاقات الدولية؟ وهل ينمو تأثير البلدان غير الغربية، مثل جمهورية جنوب افريقيا، في جميع أنحاء العالم؟ وبالنسبة لجنوب افريقيا، تاتي اهمية مجموعة "البركس" قبل كل شيء، من زاوية البحث عن سياسة اقتصادية - تجارية مختلفة، وبدرجة اقل من زاوية التأثير في السياسة الدولية ، جنوب أفريقيا ه? البلد الاصغر من بين بلدان المجموعة. وما تزال الولايات المتحدة الأمريكية البلد الأهم من حيث النفوذ في العالم، ولكن نفوذها في تراجع. ومع نمو التعددية القطبية، تنفتح امكانيات امام المشاريع التقدمية، وخصوصا في بلدان الجنوب. ومن خلال علاقتها بالصين، البرازيل، أو الهند، فان جنوب أفريقيا اليوم اقل اعتمادا على الغرب، ولكن عليها أن لا تنظر للأمر بسذاجة. ان مصالح الصين واضحة، فهي تريد المواد الخام قبل كل شيء، وهذه هي المشكلة، لان جنوب أفريقيا تريد تصدير ما يتجاوز المواد الخام، وتريد بناء صناعتها ، ولذلك عليها جعل العلاقات مع الصين بالمستوى الذي يتيح لها الاستفادة الحقيقية من العلاقة بهذه القوى الصاعدة. وجانب آخر لاهمية مجموعة "البكس" يأتي من أهمية تجارب التطور المتعددة في أمريكا الجنوبية، التي تجمعها الكثير من الخطوط المتوازية مع التجربة البرازيلية. ولا تلعب اللغة هنا حاجزا، فبين مجتمعات البرازيل وجنوب إفريقيا هناك الكثير من المشتركات. فالبلدان يعانيان من عدم التكافؤ الاجتماعي ، والتنوع ألاثني يلعب فيهما دورا هاما، و التصنيع وحركة العمران عالية في كلا البلدين. ويعاني البلدان من تركة سياسية مماثلة: الدكتاتورية العسكرية في البرازيل، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وتثير الحركات الاجتماعية المتعددة في?البرازيل اهتماما كبيرا في جنوب إفريقيا.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة ميدانية مباشرة للوضع في البلاد/ اليونان: إحصائيات مخيف
...
-
استبعاد اليسار ونتائج الانتخابات الالمانية/ كيف يقرأ شيوعيو
...
-
ليس هناك وصفة جاهزة لبناء الاشتراكية/ موضوعات حول التجربة ال
...
-
هل ستغير الأزمة السورية مسار الانتخابات الألمانية؟ فرص جديدة
...
-
التحولات المزدوجة: فكرة اجتماعية جديدة لإستراتيجية يسارية
-
نجيلا ديفز.. دراسات في الحرية
-
المؤتمر الاول لحزب اليسار اليوناني ينهي اعماله
-
بعد مناقشات واسعة ومعمقة/ المانيا: حزب اليسار يقر برنامجه ال
...
-
حركة احتجاجية في سبيل دولة مدنية ديمقراطية / تركيا: تفجر الغ
...
-
بعد سنوات من الركود يعود التهرب الضريبي إلى الواجهة / الاتحا
...
-
المشهد السياسي لليسار الايطالي .. المشاكل والآفاق
-
أصوات تطالب بالخروج من منطقة اليورو وأخرى تفضل البقاء عرض مو
...
-
امريكا اللاتينية ومواقف اليسار
-
-يجب ان نبدأ الثورة المدنية- / مؤتمر لقوى اليسار حول الصراع
...
-
امريكا اللاتينية بعد شافيز
-
في مقالة مهمة لزعيم كتلة اليسار اليوناني/ مقترحنا لحل الأزمة
...
-
تحالف اليسار يحصد ثلثي مقاعد البرلمان - بعد فوز مرشحه برئاسة
...
-
كلارا زتكن والأممية الشيوعية
-
الحزب الشيوعي الشيلي : الهدف هو الحاق الهزيمة بالمحافظين
-
على طريق دحر قوى الحرب والاستغلال والرجعية /أفغانستان: نحو ح
...
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|