أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 27 - لماذا هناك أي شيء؟














المزيد.....

خرائب الوعي .. 27 - لماذا هناك أي شيء؟


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4305 - 2013 / 12 / 14 - 21:50
المحور: الادب والفن
    


وصل به الأمر أن نسي أن يأكل وأن يشرب أويغتسل، واصبح مجرد درويش يجوب شوارع المدينة، مخربشا أشعاره الرديئة في كراسات مدرسية صغيرة. ينام حيث يستطيع أن يجد حفرة أو مخبأ يقيه البرد والريح. هام سنوات عديدة في بقاع الدنيا يلوك فكرة واحدة يتيمة، يرددها بدون انقطاع بينه وبين نفسه، متأكدا من أنه قد توصل إلى سر الأسرار، وعرف قيمة الحياة والموت، متأكدا بأنه سيرى وجه الله ذات يوم قبل أن يسقط سقف المعبد على رأسه. عبد زجاجات النبيذ وكتب فيها أشعاره ونصوصه المملة، وذات ليلة نسي ان يشتري زجاجة نبيذه، تظاهر بالنسيان لأنه لم يجد الدولارات الكافية، وعندما استيقظ في الفجر، كان الثلج يغطي المدينة بطبقة بيضاء خفيفة، وكان البرد يتخلل جسده مثل إبر صدئة، ومات وحده في كنيسة مهجورة. مات من أجل إله لا وجود له، ومن اجل فكرة تغلبت على جوعه وبرده ويأسه، مات لأنه كان شاعرا، والشعراء عادة لا يمتلكون موهبة الحياة. هذا زمان تتيبس فيه الأحلام، ويتحول العرق إلى نبيذ أحمر متخثر يملأ الزجاجات ذات الستة نجوم على رفوف الأسواق الشعبية، زمان تموت فيه الأشواق، وتتحول فيه الأحاسيس الدافئة إلى لفافات رقيقة تحرق شفاه البشر في أركان الدنيا. زمان يحترق فيه الوقت، ويتحول إلى بخار كثيف يغطي زجاج النوافذ المتسخة، ويحجب الشمس والجبال والسماء. زمان التيبس والتحجر والتشيؤ والحصار، هذا زمان طغيان الكينونة وهزيمة العدم .. وللهروب من حفرة الجحيم، لابد من استعارة قناع هذا الزمان الجاحد، ولبس ملابس المعتوهين والمشوهين والمهمشين والمختلين والخارجين عن القانون. للعيش في هذا الزمان الخانق، لابد من اشعال النار في الذات، لابد من اشعال الحرائق في كل أطراف الجسد ذرة ذرة وخلية خلية، والتدفئ على جمر الأحلام المحترقة، لابد من بعث الحياة في كومة الأموات، لابد من نفخ الروح في الجمادات التي تحاصرنا، فالعالم يفتقد الحياة إلى حد مريع. ويخاطب نفسه قبل أن يتحول إلى قطعة من الثلج .. ليحس بنبضات قلبه، ليتأكد بأنه ليس ميتا، ولم يتحول بعد إلى تمثال من الفحم. ويحدث قلبه المتحجر، قلبه الذي فقد طعم الحب والأحاسيس البسيطة الدافئة. ويتراءى له الطفل من جديد .. طفل الريح المنساب عبر ثقوب الليل، يركع أمام ثور ذهبي فوق قمة جبل من الحديد. . يركع .. وينهار .. يتفتت، ويذوب.. يسيل نهرا.. يتحول إلى دم ليلي اللون متخثر يصب في قنوات القهر والعنف والجنون. فكرة عبثية ملفوفة في حصيرة الزمان، نغسلها بالماء المالح والدهشة. نحن .. أبدا .. طفل ..أنا .. أنتم.. صخرة .. درجة.. حديد .. ثانية .. وعنقود من الثواني .. زجاجة .. دم .. نار الحرائق الأولى، والزلازل .. الزجاج فكرة تقطع الشرايين .. “تفوه عليك يا دنيا“، صوت المغني الذي ابتلع عينيه، ودق مسمارا صدئا في لسانه .. يأتي من أعماق بطنه الفارغة، صوتا مجوفا جائعا، مثل طبول الغابات السوداء .. لماذا نعيش إذا ؟ ماهو معنى الحياة ؟ لماذا نواصل الحياة حفاة عراة وببطون وقلوب ورؤوس فارغة ؟؟ لماذا نواصل الزحف على بطوننا حتى المقصلة ؟ لماذا لا نجلس حيث نحن وننتظر؟ ولماذا نستمر في السير حتى ساحة المذبحة؟ لماذا يموت الشعراء والعمال والأطفال، لماذا يموت أي إنسان ..؟ لماذا يغرق الشاعر في زجاجة النبيذ الفارغة ..؟ أستطيع أن أقول، واستطيع أن أعرف اسم كل القتلة والمجرمين، اسماءهم واحدا واحدا، الرؤساء والجنرالات وأصحاب البنوك والذين يعطون الأوامر لاطلاق الرصاص على الأطفال، أو على المتظاهرين. نستطيع أن نعرف من يعتصر حياة البشر كالليمون، ويستخرج منها تلك الأوراق الكريهة الرائحة، ولكن لماذا .. لماذا نقبل ذلك ؟ لماذا لا نثور ؟ هنا لا أستطيع أن أقول ولا أن أبوح، ربما لا توجد إجابة. كل هؤلاء الملايين من العبيد، يكفي فقط أن نتوقف عن العمل، لا داعي للسلاح، وتفجير القنابل أو بناء المتاريس والحصون، فقط التوقف عن العمل..إضراب عام شامل لمدةغير محدودة، وليمت من يريد الموت، وليعش من يريد الحياة. ولكن لماذا الملايين من البشر لا يفضلون حياة العبيد؟ في الواقع .. هل هناك حياة أفضل من حياة العبيد؟ أعني هل حقا أن الحرية هي شيء لانستطيع الاستغناء عنه من أجل الحياة ؟ هنا تختلف الآراء. ويغرق الشاعر ثانية في زجاجة النبيذ الفارغة.. تتدحرج على الأرض بقلادتها ، الشاعر يتقلب في ركنه البارد، تعوم في الفضاء رائحة الكرتون والحائط الرطب والبول والقيء، رائحة العالم السفلي تملأ أنفه، وفي رأسه ضجيج السموات السبع، وصدى صوت جلجامش يتردد في الصحراء الليلية ويبعث الرعب في قلوب البسطاء. غرق الشاعر في بحيرة النبيذ، واحترقت اجنحته بشمعة اشعلها لإله لا يعرف له إسم. سقطت كلمات الشاعر المريض، وتبخرت في الفضاء الشاسع، وترتطم بجدار الصمت، سؤالا جديدا بلا جواب، على سطح هذه الأرض اليباب، لماذا "هناك .." بدلا من "لا هناك .."



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود العقل .. 2 - الجسد
- جدلية السيد والعبد
- حدود العقل .. 1 - الإنسان
- الإنسان حيوان قاتل - حل الجيوش هو الحل
- الجريمة والعقال 6 - العلم ضد التربية
- الجريمة والعقال 5 - القرود الخمسة والموزة المحرمة
- الجريمة والعقال 4 - العصا لمن عصى
- الجريمة والعقال 3- الإسلام .. رسالة ملغمة
- الجريمة والعقال 2- البحث عن الجنة
- الجريمة والعقال 1- الحشاشون
- الإنسان حيوان قاتل 11 - ماكبث .. القاتل والمقتول
- الإنسان حيوان قاتل 10 - لماذا لا يحدث إنقلاب عسكري في أمريكا ...
- الإنسان حيوان قاتل 9 - المظلة البلغارية
- الإنسان حيوان قاتل 8 - أسطورة اوزيريس
- الإنسان حيوان قاتل 7 - القاتل بالجملة
- الإنسان حيوان قاتل 6 - القتلة الجياع
- الإنسان حيوان قاتل 5 - السن بالسن والرقبة بالرقبة
- الإنسان حيوان قاتل 4 - لاتغضب بدلا من لا تقتل
- الإنسان حيوان قاتل 3- دمشق .. مسرح الجريمة
- الإنسان حيوان قاتل .. 2 - الجثة رقم 1


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 27 - لماذا هناك أي شيء؟