فوزي الاتروشي
الحوار المتمدن-العدد: 4305 - 2013 / 12 / 14 - 00:49
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
رحل نيلسون مانديلا ... ولكن الى قلب البشرية
فوزي الاتروشي
رحل نيلسون مانديلا بعد ان شغل قرناً وانجز وطنــاً ووضع شعبه على بوابة المستقبل المضيء, وقضى على التفرقة العنصرية وراكم في الحضارة الانسانية قيماً من الجمال والحق والعدالة لكي تتكامل.
ولاعجب في ذلك فهو تلميذ (غاندي) ومكمل مسيرته المثالية في قوة اللاعنف تجاه العنف, وقوة الحقيقة في دحر كل ترسانة الاسلحة مهما بلغ جبروتها، وقوة نكران الذات والتضحية بها عوضاً عن لغة الانتقام والثأر.
ان نيلسون مانديلا صاحب الطريق الطويل الى الحرية احد معلمي البشرية، ومثلما ان حياته وحدّت القادة والشعوب على الاعجاب بها، فإن وفاته هي الاخرى وحدت الجميع في مشاعر الحزن وعواطف الحب والتضامن.
لم يكن مانديلا غائباً عن قضايا الآخرين رغم كل مشاغله وهمومه في وطنه، فقد حوّل المؤتمر الوطني الأفريقي الى قوة ضاغطة وفاعلة باتجاه تحرير القارة السوداء ومراكمة عوامل التنمية الانسانية والاقتصادية وجعلها حلقة خضراء على الكرة الارضية، وأعلن في كل مناسبة عن موقف لايلين ولايستكين في الدفاع عن الشعوب في نضالها ومنها الشعب الكوردي، وحين انطلقت الثورات التي اصطلح عليها بتسمية (الربيع العربي) كان بالغ الحكمة حين قال ان الشعوب العربية حققت حريتها ولكن إقامة العدل اصعب من انهاء الدكتاتوريات.
ان جائزة نوبل التي حصل عليها (مانديلا) حققت الكثير من المصداقية والثقة حين جعلت هذا الزعيم الاممي نموذجاً يقتدى به ليس لانتصاره فحسب, ولكن ايضاً للمنظومة القيمية التي جسدها في عصرنا.
فقد انتصر (مانديلا) على سجانه ولكنه لم ينتقم بل اتجه الى المصالحة والمصارحة, وتنازل عن الحكم وهو في قمة الشعبية والشهرة مركزا على تداول السلطة وعدم احتكارها فكان نموذج الرجل المثالي الطيب لسكان افريقيا والعالم الزاهد في السلطة والمشروع المكرس كلياً للاخرين وهنا مكمن عظمته.
ان حياة وتجربة مانديلا مثل حياة وتجربة غاندي مشروع حضارة لاتكتفي بالقيم المادية، بل تركز على الروح والعقلانية والاخلاقية في السياسة وبذلك يصبح هذا المشروع قابلاً لعبور القرون دون ان يبلى او يتقادم او تتهاوى اسباب نموه وملائمته لكل العصور.
لم تسنح الفرصة لمانديلا ان يرى الفلم الذي يصور حياته بكل مافيها من مآثر وكنوز ومحطات وضاءة ولكن هذا الفلم سيكون وثيقة القرن العشرين الاكثر تمثيلاً لعصارة حضارتنا والاكثر مواكبة لمستقبل الاجيال القادمة.
ان (غاندي) و(مانديلا) و(مارتن لوثر كينج) نماذج لاتتكرر كثيراً ولكن اثرها في السلوك والتربية والثقافة الانسانية هو الذي يتكرر ويتجدد ويتفاعل.
في تشييع مانديلا الى مثواه الاخير لن يكون الحضور للقادة والرؤساء فحسب, ولكن قلوب البشرية كلها ستواكبه، فكم هو سعيد اذ تجمع البشرية عليه وكم نحن سعداء لاننا عشنا في عصر نيلسون مانديلا.
13 / 12 / 2013
#فوزي_الاتروشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟