أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد بودبوز - الإياب السردي في -مرايا- سعيد رضواني















المزيد.....

الإياب السردي في -مرايا- سعيد رضواني


سعيد بودبوز

الحوار المتمدن-العدد: 4296 - 2013 / 12 / 5 - 22:43
المحور: الادب والفن
    


في كتابه القصصي، بعنوان "مرايا"*، يبتعد القاص المغربي سعيد رضواني عن اللغة، من حيث الإخراج البلاغي لعلائق الشخوص والأحداث، إلى حد يشارف الخلاء. ويقترب من الحكاية إلى حد يتجاوز الملاء. بمعنى الجنوح إلى تعرية النص من الانزياحات المولدة للإيحاء اللغوي، مع إلباسه الإنزياحات الحكائية المولدة للإيحاء السردي. فهو ينتقل (يسافر)، والسفر يشتمل على مقولتي "الابتعاد والاقتراب"، وكذلك "الذهاب" و"الإياب". إن ابتعاد الناصّ عن اللغة يحدث فيها تخفيفاً، واقترابه من الحكاية يحدث فيها تكثيفاً. فالسارد يفكك اللغة، ويركِّب الحكاية. ينشر اللغة حد التكرار، ويضغط الحكاية حد الانصهار.
والانصهار يتضمن الانشطار؛ فقبل أن يبلغ النص مستوى تحقيق الانصهار بين شخصيتين مثلاً يكون قد شهد انشطارا في ذات البطل، وهذا الانشطار يؤدي إلى إبراز شخصيتين. إن هذا "الانشطار" يقابل "الذهاب"، وذاك "الانصهار" يقابل "الإياب". حين يطلع القارئ على كتاب "مرايا"، فسيدرك حتماً علاقة "السفر" العميقة بالمسافة الرمزية التي نفترضها بين الحكاية واللغة. إن المسافر يمتطي ناقلته، ويقطع مسافة معينة من مكان إلى آخر. والسارد يمتطي النص، ويسافر من بداية الحكاية إلى نهايتها. والبطل- في الحكاية الشعبية على الأقل- يسافر كما بين فلاديمير بروب في كتابه "مورفولوجيا الحكاية". وأثناء هذا السفر، تتطور أحداث الحكاية بشكل طردي ابتداءً من تكوُّن العقدة، وانتهاءً بتفكيكها.
إن النص (المكتوب) ينقسم إلى شكل ومضمون كما هو معروف. والعلاقة القائمة بينهما ليست مستقرة، بل هي دينامكية تمثل موقع الكاتب (المتحرك) عبر تلك المسافة المفترضة بين الشكل والمضمون. فكلما "اقترب" الكاتب من الشكل، بدا النص كثيفاً. وكلما اقترب من المضمون، بدا النص خفيفاً، والعكس صحيح، إذا جاز لنا صرف النظر عن بعض المظاهر الاستثنائية. وهذا يعني أن السارد يتحرك في مساره الأسلوبي، كما يتحرك في مساره السردي، وكما يتحرك بطله في مساره التيمي، وكما يتحرك المسافر في مساره الفضائي.
هناك قصاصون أوشكوا على الوصول إلى قمة الشكل، بحيث تبدو لغتهم شعرية (أو صوفية) شديدة الكثافة، تكاد تستنفد السرد التقليدي، الأفقي، لتحفر عميقا، أو تحلق عالياً، في مسار عمودي باطني. ومن هنا تتراءى لنا الملامح الجدلية لعلاقة النص بالناصّ؛ فكلما تقوقع الناص حول نفسه، انسحبت أعماله السردية من المحيط، واتجهت نحو الذات. وبهذا نصبح أمام سرد باطني معقد يقوم على تكثيف اللغة (الشكل) وتخفيف الحكاية (المضمون). والعكس صحيح؛ فكلما انفتح النص على المرجع (الواقعي أو الافتراضي) سعياً إلى أفضل تمثيل ممكن لأحداث الحكاية، بدت لغته شفافة يغلب تقريرها على إيحائها، بينما تبدو الحكاية مثقلة بالأحداث. إذن، هناك نوع من الانتقال (سفر éloignement ) بين الشكل والمضمون، وهو سفر دقيق (مجهري) بين اللغة والحكاية.
إذا كان للسرد علاقة بالسفر، كما رأينا، وإذا كان السفر يشتمل على "الذهاب" و"الإياب"، فلعل سارد "المرايا"، لسعيد رضواني هو سارد "الإياب" أكثر منه ساردا للذهاب. فهو لا يسافر، ولا يبتعد عن النص، إلا من أجل "العودة" إلى الحكاية. وطبعاً لسنا هنا لنتحدث عما يقرره النص في ظاهره فحسب، وإنما نحاول الكشف عن العلاقات الممكنة بين الظاهر والباطن. إن سارد "المرايا" يسوق "حافلته" القصصية بين النص والحكاية. فهو لا "يسافر" من الحكاية إلى النص، إلا من أجل أن يرينا كيف "يعود" من النص إلى الحكاية. فبدل أن يكثف الإطار اللغوي للأحداث السردية، يفضل أن يكثف هذه الأحداث نفسها. إن مشروع سعيد رضواني، كما يتجلى في كتابه "مرايا"، يمكن اختصاره في ما يلي: أن الكاتب لا ينشر النص القصصي إلا من أجل أن يطويه. لا ينشر الأحداث والشخوص إلا لكي يرينا كيف يطويها. لا يخفف لغته، إلا لكي يرينا كيف يكثف حكايته. لا يسافر، إلا من أجل أن يرينا مهارته في العودة "الإياب".
ولكي يتجلى هذا الواقع الباطني، العميق، على شاشة النص الظاهرة (الخطاب)، فلابد من البحث عن مسوغ رمزي يسمح بفتح النافذة الممكنة بين العالمين، بحيث يتفاعل المألوف مع الخارق دون إسقاط السارد في نمط الحكاية الموجهة إلى الأطفال، كما هو معروف في الأدب الفانطازي. هذا المسوغ الرمزي هو فضاء "اللاوعي". فكيف يمكن الولوج إلى هذا الفضاء؟. يمكن ذلك عن طريق ما يسلب الوعي. وبهذا نصل إلى مستوى التعليل الدلالي لإيراد بعض الإشارات إلى المخدرات مثلاً، سواء تصريحاً أو تلميحاً، ومنها: "الكيف، البيرة، السكر، السبسي"... الخ. فما هذه الإشارات، من الناحية الرمزية، سوى لافتات طرقية تنذر القارئ بما ينتظره من الخوارق الحكائية الوعرة، مما يقتضي تخفيض سرعته القرائية. فليقرأ ببطء هذا المنحدر النصي المؤدي إلى عمقه الحكائي، وإلا فقد ينزلق النص، وينفلت مقود الحكاية من بين يديه، فيصبح من القراء الهالكين (الجاهلين).
وكتعزيز لهذه اللافتات المذكورة، هناك لافتة كبيرة، وهي "النوم". فهذا الأخير يسلم النص إلى عالم الأحلام، وبالتالي يصبح الخوض في المشاهد الخارقة أمرا مألوفا لدى القارئ من حيث المبدأ. إذن، بإمكاننا تحديد القطبين الدلاليين اللذين يتجاذبان النص، وهما "الوعي واللاوعي". من هنا يبدأ التسلسل الدلالي المنقسم إلى حقلين كما يلي:

حقل الوعي: (ابن + يقظة + واقع + فقر + وحدة + رغبة (جنسية) + حافلة + رائحة زاكمة + فقدان الأرض + موت + تعزية + جسد + يسار + الذهاب + عامل + كتابة + كرسي + غرفة + نباح + هزيمة + الأزرق...الخ).

حقل اللاوعي: (أب + نوم + حلم + ثراء + صحبة + شبع (جنسي) + سيارة + رائحة زكية + استعادة الأرض + الحياة + تهنئة + روح + اليمين + الإياب + مستعمِل + مكتب + سرير + ضيعة + ألحان + انتصار + الأسود...الخ).

تلكم هي اللافتات السيميائية التي سترشدنا في تحليل النص والانطلاق السليم من سطحه إلى أعماقه. وكامتداد لمحور العكس الهيكلي الذي يدور حوله النص، على مستوى انتشاره الخطابي، فلابد أن يحدث هناك انحراف على المستوى الدلالي فيما يتصل بالقطبين الأساسيين "الوعي واللاوعي"، فبدل أن تندرج المقولات الإيجابية في حقل "الوعي"، نجد العكس، أي تندرج ضمن حقل "اللاوعي". فالنص يقوم على إعادة النظر في هذه الحضارات والتواريخ المتعارف عليها لدى الإنسان التقليدي (المألوف !). إنه يريد أن يقول باختصار: ليس كل من فتح عينيه، أثناء النوم، يجوز اعتباره مستيقظاً، وليس كل من استيقظ يمكنه أن يستأنف حياته الطبيعية، بل أصبحت هناك طبقات متراكمة من النوم تفصل بين الحلم والواقع، تفصل بين النائم والعالَم. إذا كانت اليقظة هي البوابة الوحيدة لإدراك العالم في نسخته الأصلية، فإن كتاب "المرايا" يقترح علينا العديد من البوابات المفتوحة في جدران العديد من الأحلام التي تؤدي إلى إدراك العديد من النسخ المفترضة، والوهمية، والمحتملة، والممكنة، لهذا العالم. ولذلك علاقة رمزية بكون النص مجرد نسخة مقررة لسلسلة من النسخ المحتملة، وهذا ما يشير إليه السارد حين يبدأ الفصل الأول بقوله: "...وفتح عينيه، وعندئذ، أبصر عالما لم يره من قبل" (ص7).
إن "واو" العطف التي جاءت بعد ثلاث نقاط، تحيلنا على نسخة محتملة لهذا النص المقرَّر. فمن خلال السرد المحقَّق، بعد واو العطف، يُلفت الساردُ نظرَ القارئ إلى السرد المحتمل قبلها، والذي تشير إليه النقاط الثلاث. وبذلك يسلط مزيدا من الدوار على القارئ الذي قد يكون في نصه من التائهين وهو يتنقل بين سرداب وآخر في أعماق ما يمكن أن يصل إليه النائم من أضغاث الأحلام التي صار الواقع نفسه جزءً منها. إن هذه "الواو" أيضاً تجعل النص، الذي بين أيدينا، "عودةً" ما إلى الحكاية المقررة. فكأن الإشارة إلى الحكاية المحتملة، على مستوى النص المرئي، تتضمن إشارة، غير مرئية، إلى "الذهاب". وفي هذه الحالة، يصبح النص المقرر، بعد "واو" العطف المذكورة، تمثيلاً مجهرياً لـ"لإياب" !. إنه "السفر" الذي تتألف حركته (خطُّه) الطويلة من عدة حركات (نقاط) مجهرية، إذ يمكن أن يكون "النوم" نفسه رمزا لنوع من "السفر" بين عالم اليقظة وعالم الحلم. إذا نام (ذهب) الشخص (رمزياً)، فيجب أن تكون اليقظة أيضا رمزا لنوع من "الإياب". وبناءً على ذلك، يصبح النص كله نوعاً من "الإياب". لاحظ، مرة أخرى، كيف بدأ النص: "...وفتح عينيه" (= إياب)، مع العلم أن "اليقظة" لابد أن يسبقها "النوم" (= الذهاب) !.
***

* سعيد رضواني: مرايا، الطبعة الأولى سنة 2010، دار التنوخي.


[email protected]
[email protected]



#سعيد_بودبوز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضحك عقوبة!
- الصَّمْتُ الذي عَبَرَ اللغةَ
- لا (2)
- لا
- يوسف إدريس: بين انصهار الثقافة وانفجار الغريزة
- حكمة نيتشه بين الجبل والعقل (1)
- حوار مع الشاعرة لطيفة الشابي
- الماء والحكاية في -أحلام تمد أصابعها-
- بين الجنس الأدبي والجنس الآدمي (تحليل عنوان -أحلام تمد أصابع ...


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد بودبوز - الإياب السردي في -مرايا- سعيد رضواني