إبرام رأفت
الحوار المتمدن-العدد: 4296 - 2013 / 12 / 5 - 22:16
المحور:
الادب والفن
استغرب نفسه في البداية عندما وجد ابتسامته الرقيقة تداعبها قطرات دموعه الحانية، لم يفهم كيف تجمع مشاعره ما بين الاطمئنان الشديد والقلق المزعج، وكيف مَزَجَت أحاسيسه فجأة بين الراحة والألم!! أيمكن أن يتصالح الرضا مع التذمر لدرجة العناق؟! كيف يفسر كل تلك المتناقضات التي اجتمعت فجأة بداخله؟! وما بين ابتسامات ودموع، وذكريات وخيالات، أدرك أنه ما هذا إلا الحنين..
نعم، إنه الحنين..
الحنين لحبيب غادر بإرادته أو بدون إرادته.. غادر بالجسد أم لا، لا يهم! المهم أنه غادر.. جسدته الذاكرة ونفخت في صورته نسمة حياة، فدارت عجلة الزمن سنوات عديدة للوراء..
تشابكت الأيدي من جديد، وتراقصت القلوب فرحاً..
أيمكن للذكرى أن تفتح في براح القلب باباً ليدخله الشجن؟!
نعم، إنه الحنين..
الحنين لحلم قديم بعد أن وُلد أو كاد، تكالبت عليه الأيدي حتى اختنق..
أيمكن أن تنقلك ذكراه لمكان راحة مفترش بألم الفقدان؟!
نعم، إنه الحنين..
الحنين لشخصك القديم الذي تلوث وتدنس في رحلة الحياة، فمرض واحتضر، ولم يتبقى منه سوى رفاته، تضعها بين يديك لتتذكر وتبتسم وتبكي.. وسرعان ما تُبعَث الرفات لتحيا الحاضر بكل تفاصيله وألمه غير عابئة إلا بالتحليق في سماوات النقاء، ولكن فقط في الخيال..
أيمكن أن تملأك مرافقتك لشخصك القديم بالرضا المختلط بتذمر الرحيل؟!
نعم، إنه الحنين..
الحنين لمكان تواجدت فيه ساعة، يوماً، أو ربما شهراً أو سنوات.. ولكن عودتك إليه بخيالك تحيي بداخلك كل تفاصيله الجميلة، تستحضر أشخاصاً بعينهم ومواقف بعينها، تستحضر حالة وشعور لم يتبقى سوى في الذاكرة..
نعم، إنه الحنين..
الحنين حتى للمجهول الذي لم تدركه يوماً ولكنه غُرِس بداخلك لا تعرف كيف!
ما أعجبها النفس البشرية!
بصورة التُقِطت منذ سنوات تنفتح نوافذ الحنين..
بأغنية بسيطة أو موسيقى عابرة تُستَحضَر حياة بالكامل..
بمقهى تلمحه سريعاً، تتحول العربة التي اجتزت بها من أمامه إلى آلة زمن..
برائحة رقيقة أو حتى كريهة، تتعانق الأشخاص من جديد..
بقطرات مطر تداعب جسدك الضئيل، تتلاشى حدود المكان والزمان..
إنه الحنين.. إنه الإنسان.. إنها الحياة..
#إبرام_رأفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟