ابراهيم وها
الحوار المتمدن-العدد: 4295 - 2013 / 12 / 4 - 00:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من "ميدن" الأفراد نحو "ميدن" المؤسسة
ننقل حديثنا هذا من جلد الجسد للنفاذ نحو عمقه بغية الكشف عن أعضائه ووظائفها متسائلين : ماذا نعني بمفهوم "ميدن" ؟ ما طبيعته ؟ ما هي علاقة "ميدن" بالفرد والجماعة ؟ ما هي تجليات "ميدن" وما أثاره على الفرد والجماعة ومستقبلهما ؟
يعتبر مفهوم ميدن من بين المفاهيم الأكثر تداولا وانتشارا بين جميع مكونات المجتمع المحلي بالوسط القروي موضوع الملاحظة, "إغير أيت حربيل- جنوب شرق المغرب", وذلك باستحضار كل من متغيرات النوع, السن, الوضع المهني, المستوى الثقافي... حيث يتغلغل هذا المفهوم في جميع تفاصيل الحياة اليومية للأفراد والمؤسسات على السواء, من خلال التداول اليومي للحديث وتبادل الآراء والأفكار داخل تقبيلت أي القبيلة بالمعنى الضيق, الأسرة, الأزقة, الحقول, الأفراح, الأحزان... بدءا بمرحلة الطفولة مرورا بالشباب حتى الشيخوخة, مما يساهم في انتقال المفهوم باستمرار من جيل لأخر عبر التنشئة الاجتماعية تبعا لصيرورة ثقافية وتاريخية رغم بعض التغيرات الطفيفة والاستثنائية التي تكاد تخترق ميدن وتسقط عنها أقنعتها . ونتيجة لهذا الحضور القوي والزئبقي ل ميدن في صميم حياة القرويين, ثم شيوع تمفصلاته مع عناصر أساسية في البناء الاجتماعي, يشكلان مركز الصعوبة أمام إمكانية تحديد طبيعة ميدن, ورصد تمظهراته ثم آليات اشتغاله, من خلال وظائف , تساهم في خلق جو ملائم لتصريف توجهات المجتمع . لكن الحاجة إلى تعميق البحث حول هذا المفهوم بتجاوز الفهم التسطيحي , باتت مسألة في غاية الأهمية , بحيث تكون كفيلة نسبيا بتقديم بعض التفسيرات, حول الإشكالات المطروحة . هذا فالناظر إلى ميدن من حيث اللغة المحلية بالمعنى الظاهري , سوف يرى بأن تحديده مهمة في غاية البساطة, حيث يمكن نقله و ترجمته إلى اللغة العربية ليصبح ميدن هو الناس, وبالتالي إمكانية تعريفه بمجموعة من الأفراد داخل إطار زمكاني محدد. لكن الحقيقة أن المهمة أعقد من ذلك, تتجاوز ما قد يبدو عاديا لدى العامة من الناس, حيث يأخد مفهوم ميدن دلالة اسم غير حامل لمعناه في ذاته فقط بل يمتد خارجه, لذا فإن إمعان النظر بداية في التوظيف الرمزي هنا للغة, بواسطة ضمير الجمع ميدن, يبين منذ الوهلة الأولى, أن نحث المفهوم على هذا النحو ليس أمرا اعتباطيا, باعتبار أن اللغة نظام رمزي يعطي معاني على مستوى الواقع ويضفي أبعاد ثقافية على الأشياء ومسمياتها. إضافة إلى كون مفهوم ميدن هنا, أخد بعدا سلطويا, يختلف تماما عن البعد السلطوي لمفهوم تقبيلت, أي القبيلة وذلك من الناحية الوظيفية, ويأتي التفريق بين المفهومين في سياق تجنب الخلط بينهما نظرا لتقاربهما. لذلك يتضح أن هذا التوظيف الرمزي لميدن, يحيل على بناء أو تشكل أولي ما, لشيء معين, قد يكون نظاما تربويا, أخلاقيا,سلطويا قائما على أساس فكرة, أن القوة بمعناها الواسع, يجسدها عدد كبير من الأفراد المنسجمين داخل الجماعة, أي ميدن كمنظومة من المعايير والاتجاهات, يتشبع بها الأفراد والجماعات, تقوم بوظيفة الضبط والرقابة وتنظيم العلاقات -على سبيل التحديد لا الحصر- وذلك بالاستناد إلى مرجعيات ثقافية, أخلاقية مختلفة و محددة داخل المجتمع مسبقا. وذلك من خلال الاشتغال على مستوى الضمير الفردي (للفرد), الضمير الجماعي (للجماعة), عن طريق الاستحضار الدائم لصورة ذلك المراقب, أي الرقابة الذاتية الآمرة أو الناهية إزاء موقف, سلوك أو حدث معين. مما يفسر أن ميدن ليس مؤسسة قائمة بذاتها, ولكن مؤسسة قائمة على مستوى الذهنيات والمخيالات. وبالتالي يمكن أن نستخلص, بأن ميدن يستمد قوة مشروعيته واستمراريته , من خلال طبيعة اشتغاله الوظيفية والياته الرمزية, إضافة إلى تلبيته إحدى حاجيات المجتمع الأساسية.
هذا فمفهوم "ميدن" من خلال ما تطرقنا له, يبدو في شكل مؤسسة اجتماعية, يطغى عليها الطابع الرمزي, بحيث لا تتجلى للعيان إلا من خلال اللغة. ولكن الواقع, بأشكاله وصوره, يكشف عن حقيقة ميدن, ويسلط الضوء على علاقتها بالأفراد والجماعات. لا سيما على مستوى الجانب الأخلاقي, القيمي والعلاقاتي, الشيء الذي يفسر أن ميدن كمؤسسة ذات سلطة رمزية تقوم على أساس العرف والعادة, لا تقف عند مراقبة وضبط سلوك الفرد والجماعة فقط , بل تمتد نحو مؤسسات نشأة الفرد والقائمين عليها, نأخذ على سبيل المثال, أهم وحدة اجتماعية, المتمثلة في الأسرة الممتدة, النمط الأكثر انتشارا في الوسط القروي - موضوع الملاحظة - حيث تساهم ميدن في تشكيل شخصية الفرد وبنائها, من خلال الاشتغال دائما على مستوى الضمير الجماعي للأسرة الممتدة ( الجد والجدة ثم الأب والأم) حيث تلقن تعاليم المجتمع الأولى للفرد, وفقا لأحكام واتجاهات ميدن بموازاة إعمال آليات الثواب والعقاب بشتى أنواعهما, حتى يستقيم السلوك, فمن ثمة الرقابة المرافقة للفرد طيلة حياته من طرف ميدن, من خلال إصدار أحكام على سلوكيات الأفراد أنها شاذة, سوية... كما تلزم الفرد كذلك بتغيير سلوكه, والامتثال لما هو متعارف عليه, وبالتالي الانسياق وراء ميدن والانخراط لا شعوريا في إنتاجها. لكن من الملفت للانتباه لما نتطرق لامتدادات ميدن داخل المجتمع الكلي أن نقف عند مرجعيته الايديولوجية, حيث تأخذنا الملاحظة العميقة من هذا المنطلق, نحو اكتشاف أن ميدن , تقيم تميزا بين الجنسين, من حيث ممارستها لوظيفتها, حيث تصبح الأنثى في نظر ميدن أكثر قابلية للاتهام بالخطأ ,الخزي ,العار ,الدنس... المزمن. وذلك بالمقارنة مع الذكر, لاسيما في بعض الحالات المحددة كالاغتصاب, الطلاق, الشعوذة...الشيء الذي يفسر أن استبعاد اتهام الذكر في مثل هذه الحالات, دليل على حضور البعد الأيديولوجي للهيمنة الذكورية في مرجعيات ميدن . وكذلك محركا أساسيا من محركاته, مما يزكي استمرار ثقافة الهيمنة وترسيخها لدى الذكور, وحتى الإناث أنفسهن من خلال عقدة النقص وكذلك باعتبارهن فاعلات ومنتجات لهذه الثقافة في إطار الرؤية الشمولية ل ميدن داخل المجتمع. وبالتالي ف ميدن , التي تشتغل على مستوى الذهنيات والمخيالات كما أسلفنا, تضع الفرد والجماعة أمام وضعين, يمكن وصفهما بالمأسويين من حيث ما يترتب عن ذلك من أثار قد تؤجل عملية هدم وإعادة بناء الأنماط التقليدية. أولا: تقيد الفرد والجماعة, وإخضاعهما, ثم إحكام السيطرة عليهما, مما يحافظ على استمرارية توجهات المجتمع . ثانيا: وضع الفرد والجماعة في سياق صعوبات ومعوقات سيكواجتماعية, يتعلق الأمر هنا بالافتقار إلى تقدير الذات واحترامها, الثقة في الذات,القدرة على الإبداع, الانفتاح والاندماج...غياب إستراتجية تربوية أسرية, اعتماد الأسرة التقليد أساسا للتربية... مما ينعكس سلبا على اختيارات الفرد, وشل قدراته ومهاراته العقلية, الشيء الذي يساعد كذلك على إلغاء فعل التفكير الإبداعي والناقد من جهة, ووقف ممارسة السؤال من جهة أخرى. وبالتالي إعاقة إمكانية التطور والتقدم في جميع مجالات الحياة, والنتيجة هنا لا تعدو أن تكون سوى, إعادة إنتاج واستهلاك الوصفات الجاهزة التي تقدمها ميدن كمؤسسة ,على حساب الفرد والجماعة وفوقهما. مما يجعل مسألة ارتقاء المجتمع حضاريا وثقافيا أمرا صعبا وشائكا في الراهن .
نماذج من تجليات ميدن خلال الحديث اليومي :
أر تينين ميدن...يقول الناس
نان ميدن...تحدث الناس
راد نان ميدن...سوف يتحدث الناس
راد تصان ميدن...سوف يستهزئ الناس
حشوما...
أوراسكارن ميدن...مخالف لأعراف الناس
نكي تمغارت كادكيح...أنا مجرد إمرأة
#ابراهيم_وها (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟