|
قراءة في المنظومة الأخلاقية العربية
محمد قرقوري
الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 20:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لطالما عاش الإنسان أسيرا بين متاهات عقله الواعي التجريدي الذي يثبت إنتماءه للعالم المادي و عقله الباطن الذي يوغل به سرادق نفسه و يمكنه من معرفة الذات و لذلك إحتاج إلى إلتزام أو بالأحرى حدودا لا ينبغي تجاوزها لخلق الموازنة العقلية بين الروح و الجسد فكانت القيم و الأخلاق كفيلة بظبط طرائق التعامل البشري مع الواقع المادي و كبح جماح الذات لئلا تعلن التمرد و العصيان و قد شغلت المسألة الأخلاقية فكر الإنسان و دفعته للتساؤل عن كيفيتها إلام تهدف ماهي أسسها ماهي حدودها و ظوابطها إلى أن إستحالت أطروحة ألهبت قرائح الفلاسفة و المفكرين و جعلتهم يحاولون التوفيق بينها و بين المصير البشري كانت الأخلاق مرتبطة في الفكر الأثيني بالعاطفة و الحس الجواني و ذلك بالرجوع إلى غايتها الأساسية ألا وهي رسم حدود للعقل للحد من قدراته التي تفوق مستوى الذات البشرية و قد آمن الفيلسوف الألماني كانط في مرحلة مبكرة من مراحل تطور فكره بهذه الأطروحة و إستند إلى ما يمكن إعتباره علم النفس في إقامة الفلسفة الأخلاقية بيد أنه في المرحلة الجديدة بات يؤمن أن الأخلاق لا تقوم إلا على العقل وحده مادام يشكل مصدر الإلتزام الأخلاقي وانطلاقاً من هنا لم يعد كانط قادراً إلا على ان يسم الأخلاق بسمة الضرورة المطلقة منادياً بوجود قوانين اولية كلية الضرورة في مضمار السلوك البشري إلا أن كانط ينادي بأن الأخلاق لا يمكنها ابداً ان تقوم على اسس تجريبية مؤكداً وجود وازع اخلاقي مطلق ينتمي الى ما يسميه الفيلسوف عملية تركيبية قَبْلية الحال ان هذا التفكير الجديد لدى كانط، اعاده في السباق نفسه الى معاني الله و الحرية و الخلود التي كان في الماضي قد استبعد امكان البرهنة عليها نظرياً ليعتبرها الآن مسلمات اخلاقية يستلزمها العقل بحسب تعبير باحثي اعماله مستخلصاً ان علينا ان نبني الميتافيزيقا على الأخلاق بدلاً من ان نبني الأخلاق على الميتافيزيقا وأصلاً تعريفياً الى ان مسلمات العقل العملي هي قضايا نظرية حقاً لكنها لا تقبل ان يبرهن عليها باعتبارها كذلك بل هي ترتبط اساساً بقانون عملي ذي قيمة لا مشروطة من وجهة نظر قَبْلية ضرورية فالمتأمل في فكر كانط (لم يكن الوحيد الذي إهتم بالأخلاق و إنما كان أكثر المفكرين الذين ناقشوا ميتافيزيقا الأخلاق) سيستلهم منه أن المنظومة الأخلاقية هي نتاج العقل الباطن وحده الذي يبث وازعا داخليا يلزم به العقل الواعي و يكبح جماحه و هذه المنظومة إكتسب بعضها الإنسان بالتجربة و البعض الآخر وجده في شكل مسلمات ضمنية نظرية لا تقبل الجدال و هنا نتبين دور الوازع الديني في إرشاد الإنسان لطريق خلاصه من متاهات عقله الواعي و شهواته و تتوارثها الأجيال فهي سر الخير و السعادة و العيش بضمير هانئ من هنا توجب علينا طرح السؤال هل نحن العرب نملك منظومة أخلاق و قيم حتى نطالب بتدريسها لأبنائنا في ديار العلم ؟ مم إكتسبناها إذا كانت لدينا ؟ كيف هو تعاملنا معها ؟ دعونا ننظر و لنا في الملاحظة خير شاهد أما عن الوازع الديني فقد تم إهماله و تدجينه بما يتناسب مع أهواء السلطان و أما عن التجربة فلم تعد تجدي نفعا بإعتبار أن العقل العربي شهد طفرات عصفت بكيانه و بعثرت أولوياته فلم يعد يتمتع بالقدرة على التفكير و التحليل بقدر ما جعل المادة نصب عينيه و توارثت الأجيال العربية البائسة هذه المنظومة البديلة التي سلبت منا إنسانيتنا و جعلتنا كيانا يعيش بلا عقل بلا أخلاق بل مجرد حيوان تقوده غرائزه و شهواته إذن ماذا يتعلم أبناؤنا في المدارس ؟ إنهم يطلبون العلم مجردا من الأداة التي تظبطه و تيسر إستخدامه إنهم يطلبونه فيقومون بحشوه في عقولهم حتى تتتمكن هذه الأخيرة من توظيفه لخدمتها دون ظوابط و لا حدود إرتيادهم للمدارس جزء من خطة توارث النظام البديل بين الأجيال فتعيش الأمة العربية على وقع منظومة أخلاقية جديدة غير التي أتت بها الفطرة البشرية الخيّرة و حثت عليها الأديان السماوية و هذا ما يدعو فعلا للإستهجان باعتبار أن العرب من أكثر الشعوب تدينا في العالم ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه ماهي الحلول العاجلة و الآجلة لتخطي حالة اللاوعي التي نعيش صداها منذ أدهر مضت و التي ساهمت بشكل فعال في حالة التخلف و الجمود الفكري التي يحياها بنو يعرب ؟ و هل يتطلب الأمر إعادة بناء هيكلي للمنظومة الأخلاقية العربية حتى تعاد لها كرامتها المهدورة و هيبتها و قدسيتها التي صنفتها ضمن الميتافيزيقا و هي التي أنهكتها الصراعات مع الذات فضلا عن تأثير الآخر ؟ أم أن الأمر لا يعدو مجرد كونه خلل ذاتي أخلاقي توجبت معالجته إتسكانة بعلم النفس البشرية و هل أصاب البعض حين يرى أن الرجوع للدين بما يمثله من منظومة أخلاقية متكاملة هو أنجع ؟
#محمد_قرقوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطأ إستراتيجي في الثقافة العربية
-
نظريّة المؤامرة
-
القمة العربية لنصرة شعبنا في سوريا
-
أي معنى لسباق التسلح العربي ؟
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|