|
الشخصية بين اضطرابها ونضجها
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 11:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعد السواء المطلق والصحة النفسية المطلقة ضرباً بعيد المنال،ولكن الحد الادنى يمكن اعتباره الطبيعي فينا،وهو المكون الذي ان توافرت فيه حدود معقولة من الانفعالات ومظاهر تتفاوت بين المتوسط والاعتدال في عملياته العقلية الظاهرية والباطنية يعد الحد الطبيعي في السواء والاتزان، وهوالانسان الذي لم يتجاوز على رؤية الواقع باسقاطات نفسية تتعارض مع سياق المجتمع،وهو يرى الواقع كما هو بدون اسقاطات تتولد حينما يفطن العقل الانساني الى ان الشئ يمكن رؤيته كما هو دون الخوض في نقيضه او معرفة تشعباته وازاء ذلك فأن قبول الانسان للواقع بحقيقته وتقبله والتعايش معه هو ضرب من الواقعية وليس الخيال،فالحياة تحوي الالم كما تحوي اللذة ،وبذلك فأن قبول احدهما يلزم قبول الآخر،فلا يمكن ان تستقيم الحياة باللذة وحدها،ولا بالالم وحده، والا لما وجدت الجنة والنار او الخير والشر. فالشخصية السوية تقبل اللذة كما تقبل الالم،ويقول علماء النفس ان القدرة على تقبل الالم يعد وسيلة لانهائه،فالصحة النفسية هي معرفة الشئ ونقيضه دون ان يغير في مسار حياة الفرد،وازاء ذلك عدوا علماء النفس ان الاضطراب النفسي هو اضطراب علاقة الفرد ببيئته،وعدوه خللا داخل هذا الفرد،فالسواء والصحة النفسية اذن هي القدرة على التغلب على الالم بقبول الالم ذاته اسوة بقبول السعي وراء اللذة اياً كانت مشروعة وبتحقيقها يكون التغلب على الالم. اما النضج الانفعالي فيعرفه(مصطفى كامل)في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي بانه ارتقاء الفرد بضبط انفعالاته وتناسبها مع مستوى عمره الزمني وخبراته وطبيعة المواقف المتغايرة بحيث تتفق استجاباته الانفعاليه مع ما هو متوقع من طاقة محدودة ومتناسبة مع الموقف.فالنضج اذن هو اعلى درجات التكيف الداخلي للفرد اولاً ومع البيئة ثانياً وعليه فانه اذا كانت اضطرابات الشخصية تتميز بانها تؤثر على البيئة المحيطة بالفرد وبالاخرين،تتعارض معهم،الا ان علماء النفس وجدوا ان داخل هذا الاطار نفس التدرج بين الميل الى التأثير على البيئة والميل الى التأثر بها،فتغير الذات او تحديدها هو في النهاية وسيلة للتكيف مع البيئة،وبهذا فأنك اما ان تؤثر في تلك البيئة وتغيرها او بأن تتأثر بها وتغير ذاتها لتلائمها. ان الشخصية المضطربة تستخدم عادة انماطاً معينة من السلوك تتجه نحو تغيير البيئة معتمدة اساساً على استخدام الغرائز العدوانية او الغرائز الجنسية مثل الشخصيات المندفعة كثيراً او الشخصيات المتحللة جنسياً،في حين تكون الشخصيات الاكثر نضجاً تميل الى تغيير الذات اساساً،وترى نظرية التحليل النفسي ان هناك مبدأ يسمى"مبدأ اندماج الغرائز" Fusion of drives يستخدمه الافراد في النمطين،ففي النمط الاول المضطرب يتعامل الفرد مع البيئة بوساطة العدوان والغريزة الجنسية،كما يحدث في كثير من حالات الاغتصاب حيث يؤدي الجنس وظيفة عدوانية فتكون النتيجة جنساً عدوانياً او عدواناً جنسياً،بينما في النمط الثاني تتجه الغريزة الجنسية نحو البيئة فيكون التعامل مع البيئة باسلوب تغيير الذات واحياناً الى الانطواء النسبي كما يحدث في الجنسية الذاتية. طرح دانييل جولمان في كتابه الذكاء العاطفي تعريفاً محدداً وموجزاً للذكاء الوجداني وضمه ايضا النضج باعتباره احد اوجه الذكاء،تحدث عن خمسة ابعاد وهي: - الوعي بالذات - التعاطي مع الجوانب الوجدانية بشكل عام - الدافعية - التعاطف العقلي"التفهم" - المهارات الاجتماعية عد علماء نفس الفروق الفردية النضج احد مكونات الذكاء وهو بنفس الوقت احد اركانه المهمة فيقول علماء النفس يستخرج الذكاء عند حساب : - العمر الزمني Choronological age - العمر العقلي Intellectual age - العمر الاجتماعي Social age - العمر الوجداني"النضجي" Emotional age وما يهمنا هو العمر الوجداني"النضجي"الذي يقارن الشخص بعمره العقلي بمعنى"هل هذا الشخص يتعامل مع مشاعره كما يفعل من هم في مثل عمره الزمني؟ ويقول علماء النفس ان من علامات النضج الوجداني: - القدرة على ان يحَب ويحُب - القدرة على مواجهة الواقع والتعامل معه - الاهتمام بالعطاء بنفس قدر الاهتمام بالآخذ - القدرة على النظر الى خبرات الحياة بشكل ايجابي - القدرة على التعلم من الخبرات - القدرة على تحمل الاحباط - القدرة على التعامل الايجابي مع مشاعر العدوان - القدرة على حل الصراعات - قبول الاختلاف والبعد عن التعصب - الاتزان النفسي - الدافعية العالية - الابتكارية والابداع - القدرة على العمل الجمعي - التوافق مع الانسجام مع النفس ومع الناس اما علامات تأخر النضج فيطرحها علماء النفس بوجود: - اضطراب المشاعر - الاعتمادية الزائدة - الرغبة في الاشباع الآني - ضعف القدرة والتعلم من خبرات الحياة - التمركز حول الذات ويرى(د.محمد المهدي)استشاري الطب النفسي ان النضج يتحسن من الطفولة المبكرة حتى آخر لحظة في الحياة وقوله ان ليس هناك سقف محدد للنضج ويبدأ هذا التحسن عبر: - الوعي بالذات - تقبل الذات - لا تحاول السيطرة على الاخرين - حاول ان تغير صلاتك الاجتماعية باستمرار - البحث الدائم عن معنى للحياة يتجاوز الذاتية الضيقة ان الانسان يقع صريع المعاناة والاضطراب والاكتئاب والقلق نتيجة الخلل في نظام المعتقدات،اما الشخص السوي المعافى فهو ذاك الذي يتمتع بنظام معتقدات واقعي النظرة الى الذات والاخرين وكل مجريات الحياة وتطوراتها كما عبر عنها(اليس وبيك)لهذا فأن الشخصية السوية تميل الى نظام عقلاني يسوده التفكير الايجابي في مواقف الحياة المختلفة،كما في الموقف مع الذات وما يعتمل فيها،ويكون دائماً الوصول الى التفكير الايجابي عند الاسوياء من خلال عدم تقبل المعتقدات المتطرفة الخاطئة واستبعادها،او على الاقل السيطرة عليها،وتعد بحد ذاتها اعلى درجات النضج في الشخصية وفي السواء ونقيضها في الاضطراب الذي تسيطر عليه الانفعالات السلبية دائماً والتطرف في الاحكام والمعتقدات والانغمار في العنف او السلوك العدواني.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف والتعصب ..كسب وهمي ناقص
-
الشخصية المازوخية وانحرافاتها
-
العنف يسود العالم
-
رؤية في الفكر العلمي العملي
-
الشخصية السادية وانحرافاتها
-
التوحد(التقمص)..بين القوة واصطناعها!!
-
الارق ..واضطرابات النوم
-
الشخصية المتقلبة Cycloid
-
الخيال الفكري عند الفصامي
-
الشخصية المتفجرة Explosive
-
فيدراليةجنوب العراق..السمات والخصائص
-
اطفال العراق بين المدرسة والكفن
-
التعصب .. تعزيز لصورة الذات السلبية
-
الشخصية المتزنة
-
العراق..الوضوء بالدم
-
الشخصية المبدعة-الابتكارية-
-
اضواء على فيدرالية الجنوب في العراق الجديد!!
-
اسقاط المشاعر..هل يعيد الاتزان ام يكشفها؟
-
الشخصية الانطوائية
-
العقدة النفسية.. حقيقة ام وهم
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|