|
الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني الى أين ..؟!
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4289 - 2013 / 11 / 28 - 16:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعود تاريخ نشوء وتأسيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الى أوائل السبعينات من القرن الماضي على يد الشيخ عبد اللـه نمر درويش من كفر قاسم في منطقة المثلث الجنوبي ، وبمشاركة عدد من خريجي كلية الشريعة في الخليل والمعهد الديني في نابلس . ومن أهم أسباب وعوامل نشوئها وظهورها نكسة العام 1967 وفقدان الشعب الفلسطيني ثقته بالقيادات والزعامات العربية ، ما جعل الناس تبحث عن بديل للتيار القومي العلماني اليساري ، الذي كان سائداً ومسيطراً في تلك الحقبة التاريخية ، وايضاً فتح الحدود والاتصالات المباشرة والعلاقات بين الفلسطينيين الذين صمدوا في قراهم ومدنهم ويحملون الهوية والجنسية الاسرائيلية ، وبين اشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ، حيث كانت تنشط هناك حركات دينية سياسية كالإخوان المسلمين والجهاد الاسلامي وحزب التحرير وغيرها ، وكذلك التحاق العديد من الطلاب العرب من فلسطينيي الداخل بكلية الشريعة في الخليل والمدرسة الدينية بنابلس ، الامر الذي ساهم في انتقال أفكار الحركات الاسلامية السياسية الى جماهيرنا العربية داخل الخط الاخضر ، فضلاً عن انتصار الثورة الايرانية بقيادة الخميني ، هذه الثورة التي بثت الامل في نفوس الشعوب العربية والاسلامية المحبطة الرازحة تحت نير الاستبداد والظلم والقمع ، في الانتصار على الحكام المستبدين . يضاف الى ذلك تراجع وتقهقر الفكر القومي اليساري في الاقطار العربية وعجز قوى اليسار الثوري والديمقراطي عن تقديم الاجوبة والحلول للمشاكل العالقة ، واخفاقها في تحقيق طموحات ومطالب الشعب في الحرية والانعتاق والخلاص من البؤس والفقر والعوز والقهر والاضطهاد والاستبداد . فكل هذه العوامل والشروط الموضوعية ساهمت في ولادة وانبثاق وتطور الحركة الاسلامية في الداخل وتغلغلها بين أوساط وصفوف الطبقات والقطاعات الشعبية الفقيرة المسحوقة والمهمشة ، التي رأت في افكارها والعودة الى الجذور الاسلامية ملاذها واملها الوحيد . كانت نشأة الحركة الاسلامية وظهور نواتها الاساسية سنة 1971 بدءأً بمنطقة المثلث الجنوبية لتمتد بعد ذلك الى ام الفحم وشمالي منطقة المثلث والنقب والجليل ،،حيث انضم الى صفوفها عدد كبير من خريجي الجامعات والكليات الاسلامية منهم الشيخ رائد صلاح وفريد أبو مخ . وراحت الحركة تبث دعوتها للعودة الى الاسلام ، ثم دخلت المعترك السياسي والثقافي والتربوي ، فواجهت السلطة الاسرائيلية ، وعملت على تاكيد حضورها ووجودها في مختلف المنتديات الاجتماعية والتعليمية والسياسية ، واستغلت منابر المساجد لغسل الادمغة الشبابية ونشر افكارها وتذويت معتقداتها ومبادئها . وقد تبنت فكراً مشابهاً بل مطابقاً لفكر الاخوان المسلمين ، وانشأت المعاهد والمؤسسات والنوادي والعيادات الطبية ورياض الاطفال ، واصبحت هذه المعاهد التي تديرها مراكز دعوية الى الدين ولغرس تعاليم ومبادئ الحركة الاسلامية في نفوس الشباب منذ تفتح وعيهم ، وبذلك نشأ جيل من الشباب الملتزم تجاه الحركة الاسلامية ومؤمنا بشعارها "الاسلام هو الحل ". نشطت الحركة الاسلامية في المجال البلدي والشأن المحلي والدفاع عن المقدسات الاسلامية واعمار الأقصى وصيانة المقابر الاسلامية ، وفي أواخر الثمانينات خاضت الانتخابات للمجالس المحلية والبلدية وحصلت على رئاسة خمس بلدات عربية هي ام الفحم وكفر قاسم وجلجولية وكفر برا ورهط ، وتمكنت من ادخال أعضاء في المجلس البلدي في الناصرة وكفر كنا . لقد نجحت الحركة الاسلامية في جذب واستقطاب القطاعات الشبابية والشعبية ، وعملت على بناء المؤسسات وتجنيد الاموال واقامة جهاز من المحترفين والمتفرغين للعمل الدعوي والسياسي ، واصدرت صحيفة أسبوعية كلسان حال وناطقة باسمها هي صحيفة "الصراط" ، التي اغلقتها السلطة بحجة التحريض ، فاستبدلتها بـ "صوت الحق والحرية" التي ما تزال تصدر حتى الآن . كما بادرت الى تنظيم معسكرات العمل التطوعي واقامة مهرجان الأقصى الذي تحول الى تقليد سنوي لجمع التبرعات والاموال ، وتسيير حافلات يومية الى المسجد الأقصى ضمن مسيرة "البيارق" . وأصبحت الحركة واحدة من أبرز التيارات والتنظيمات السياسية العربية الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة عبر انحراطها في الهيئات التمثيلية لشعبنا وجماهيرنا العربية ، ومشاركتها في المسيرات الشعبية الاحتجاجية التضامنية والوقفات النضالية دفاعاً عن الأرض والبقاء والهوية والانتماء ، وبرز دورها في حملات الاغاثة الانسانية لأبناء شعبنا المحاصرين في الضفة الغربية وقطاع غزة . لقد عانت الحركة الاسلامية عبر مسيرتها الطويلة من انقسامات وانشقاقات ، اثر نشوب خلاف حاد بين قادتها اشتد في منتصف التسعينات على ضوء اتفاق اوسلو والمفاوضات السياسية ، وهي احدى القضايا الحساسة بالنسبة للحركة الاسلامية ، ما زاد من تعقيد الموقف الذي أوقع الانقسام في صفوف الحركة وأسفر بالتالي عن خطابين مختلفين تجاه مسألة التسوية وخوض الانتخابات للكنيست ، احدهما يتميز بالتشدد والتعصب يمثله الجناح الشمالي بقيادة الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب ، والثاني براغماتي يتصف بالواقعية السياسية ممثلاً بالجناح الجنوبي بقيادة الشيخ ابراهيم صرصور والشيخ عبد الـله نمر درويش وعدد اخر من القيادات والشخصيات . وهذا الجناح خاض الانتخابات للكنيست في اطار قائمة مشتركة حصلت في حينه على اربعة مقاعد . ولا ريب ان الانشقاق والانقسام الحركي بين الجناحين أثر على الحركة الاسلامية وعملها ونشاطها ، وأدى الى انشقاقات داخلية وانسحابات منها . وقد بذلت الكثير من الجهود لرأب الصدع واعادة اللحمة للحركة الا ان جميع المحاولات والجهود باءت بالفشل . ان المواكب لمسيرة الحركة الاسلامية في الداخل يرى النكوص والانكفاء والتراجع الحاصل في هذه المسيرة ، وظهر ذلك بوضوح في انتخابات السلطات المحلية الأخيرة ، حيث غيبت الحركة الاسلامية نفسها وآثرت البقاء خارج اللعبة في المنافسة الانتخابية المحلية خوفاً من الهزيمة والخسارة ، كما جرى وحصل في انتخابات بلدية ام الفحم ، حيث اعلنت الحركة عدم خوضها الانتخابات ، لكنها في السر دعمت المرشح الأقرب الى فكرها وطريقها ومعتقدها ، الذي كان حتى الامس القريب مرشحها وممثلها وأحد قادتها هو الشيخ حالد حمدان الذي فصل منها اثر خروجه على قرارها ، وصمم على خوض المنافسة الانتخابية مع مجموعة من الشخصيات والأطر والشرائح الاجتماعية الفحماوية ضمن قائمة "نور المستقبل" ، وتمكن من حسم الانتخابات لصالحه من الجولة الاولى بنسبة 60 % . ما من شك ان نجم الحركة الاسلامية بدأ يخبو ويخفت ويأفل ، خاصة بعد السقوط المدوي لحركات التأسلم السياسي وفشل المشروع الاسلاموي وانهيار حكم الاخوان في مصر وعزل رئيسهم محمد مرسي ، الذي رفعت صوره على باحات المسجد الأقصى ، وخصصت خطب الجمعة لدعمه ومؤازرته والمطالبة باعادته الى الحكم . وفي الاجمال يمكن القول ، ان الحركة الاسلامية في الداخل ستواجه اندثاراً وغياباً عن المشهد السياسي بفعل ممارساتها ومسلكياتها الاقصائية واخطائها ومواقفها من مسألة مشاركة النساء في اعمال الاحتجاج والمسيرات الكفاحية جنباً الى جنب الرجال ، وتغيبها عن المشاركة في فعاليات "يوم العودة " بسبب المشاركة النسائية ، وهي تواجه ازمة تنظيمية عميقة تتبدى في صراعاتها الداخلية وانسحابها من التنافس الانتخابي المحلي .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضع العربي الراهن والبديل الديمقراطي المنتظر ..!
-
مجلة -الشرق- الفصلية تحتفي بالكاتب مفيد صيداوي
-
عزمي بشارة والانحراف الفكري ..!
-
وقفة أخرى مع نتائج انتخابات السلطات المحلية
-
تحية للحزب الشيوعي العراقي في عيده الثمانين
-
ليسقط مخطط بيع -خان العمدان- ..!
-
قراءة في المشهد الانتخابي المحلي
-
نتائج الانتخابات المحلية وانتصار المشروع الوحدوي في طلعة عار
...
-
صدور عدد جديد من شهرية (الإصلاح) الثقافية
-
الموقد الثقافي
-
الروائي محمد شكري صاحب -الخبز الحافي- في ذكراه العاشرة
-
صفحة من تاريخنا الثقافي الفلسطيني
-
محمد دكروب .. وداعاً أيها الشيوعي الاخير ..!
-
على هامش عملية الوراق الارهابية ..!
-
شفيق كبها .. الغياب القاسي !
-
اصدار عدد تشرين أول من مجلة (الإصلاح) الثقافية
-
هموم انتخابية ..!
-
مصمص يا بلدي !!
-
في أزمة مجتمعنا..!
-
التحرش الجنسي آفة اجتماعية خطيرة ، فهل نتخلص منها ؟!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|