أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - وتريات الحب والحرب : رواية 48














المزيد.....


وتريات الحب والحرب : رواية 48


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 4288 - 2013 / 11 / 27 - 17:57
المحور: الادب والفن
    


- 48-
يروي أصدقاء نبيل لأصدقائهم ما كان قد رواه لهم عن رحلة الحج، فيقولون : كان يجلس أمام الفندق الذي نزل فيه وبجواره عدد من الأشخاص الذين جاؤوا للغرض نفسه، يتحدثون ويتضاحكون ويروحون عن أنفسهم بقصص قديمة مرت في حياتهم . وكنت إلى حد ما أستمع إليهم ببعض الانتباه، ولكن ما أثار حفيظتي سؤال وجهه شخص لآخر : أنت اليوم هنا كي تتخلص من المعاصي التي اقترفتها في حياتك، فكم هي وما نوعها ؟
عندئذ، قلت في نفسي : لم آت إلى هنا من أجل معرفة آثام البشر . نهضت وأخذت طريقي إلى المسجد الحرام وأنا أدعو لهم بصلاح الحال في وقت أخذ عقلي يضرب في ملكوت الأرض والسماوات !
هبت رياح خماسينية لبضع ثوان ومعها عصف لبقايا الرمال على قارعة الطريق، فأصاب وجهه اللهيب، كأن به أشواكاً انغرست فيه . وكان يدرك أن أي حركة من اليد إلى الوجه سيزيده التهاباً . صب القليل من ماء زمزم المعبأة بالقوارير والموضوعة داخل حقيبة الكتف، على رأسه وهو يردد : اللهم اشفني من عاصفة الرمل الذي انغرس في وجهي، فصار اثر بعد حين !
كان يدرك أن الناس في هذه البلاد، ينظرون إلى الأيام بحكم العادة إلى أنها متشابهة تماماً، لكثرة تكرار هذه الحالة، الأمر الذي يعني أنهم لم يلحظوا بما فيه الكفاية تغير الأشياء في حياتهم اليومية، فلا يعرفون منها سوى موسمي الحج والعمرة لما يحدثانه من حركة تجارية غير ما هو مألوف في باقي أيام السنة الرتيبة .
وعندما ذهبت آثار عصف الرمال من وجهه، عاودت الرياح عصفها دون أن تحدث الأثر الذي أحدثته في المرة الأولى، وبدا لون السماء يتغير مع زيادة نسبة الغبار فيه، غبار يحمل لون الأرض ورائحة الصحراء منذ آلاف السنين .
وأدرك على نحو عميق أن لا أحد من أهل البلاد يعطي لما حدث نفس الأهمية التي أولاها لها . لقد اعتادوا عليها وأصبحت إرثاُ من حياتهم التي لا غنى عنها في حياة نمت بين الجبال والصحراء وبقايا قطيع الخراف . الأمر الذي لاحظ من خلاله اغتباط الناس بحرية الريح وحركتها الدائرية وقتما شاءت دون كابح أو حد من حركتها التي لا يحكمها أفق . فانطوى على نفسه يسبح بحمد الله .
واصل سيره، ولكن بعقل مترنح فتداخلت عليه الاتجاهات، ومع ذلك، للجبال طقوسها مثلما هي الصحراء . كانت التجربة علمته أن الأشجار تنحني رؤوسها باتجاه الشرق لأن الرياح الآتية من الغرب أشد تأثيراً من سواها ، فطبق هذه المعرفة على الجبال معتبراً أن عوامل التعرية لها نفس خصائص الريح ، وكان صائباً فيما ذهب إليه فقال لنفسه عندما وصل أطراف المسجد الحرام الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء !
وكانت الريح تذهب وتأتي في ذلك اليوم ومع ذهابها يعم الصمت الذي يبدده وقع خطوات الناس صوب المسجد الحرام وعند مجيئها تتضاءل الخطوات وتبتلعها الريح ولم تتغير هذه المعادلة إلاّ عندما صبت السماء أمطارها مدرارا عندها، وعندها فقط لاذ الجميع بالصمت واحتضنتهم جدران المسجد الحرام وأسقفه .
أمضي ما تبقى من اليوم داخل أسوار المسجد وعند المساء صلى العشاء وعاد إلى الفندق وكان الجو لطيفا فيه من الطراوة ما يدفع إلى الإصغاء إلى الريح والنظر إلى ما أحدثته عندما كانت تهب قبل تساقط المطر وكانت الأمطار قد غسلت أعالي الجبال فبان لمعانها مع أضواء السيارات الذاهبة والآيبة في كلا الاتجاهين . وكان إعادة الإصغاء إلى صوت الريح الذي سمعه يشده إليه حتى غدا أهم من سواه في طريق العودة .
وخلال العودة تخيل شكل حياته لو لم يقيض له الرجوع إلى الله وطلب العفو والمغفرة عما سلف وأداء فريضة الحج قبل غيرها من الفرائض التي أنزلها الله لتكون فاتحة خير !



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وتريات الحب والحرب : رواية 47
- وتريات الحب والحرب : رواية 46
- وتريات الحب والحرب : رواية 45
- وتريات الحب والحرب : رواية 44
- وتريات الحب والحرب : رواية 43
- وتريات الحب والحرب : رواية 42
- وتريات الحب والحرب : رواية 41
- وتريات الحب والحرب : رواية 40
- وتريات الحب والحرب : رواية 39
- وتريات الحب والحرب : رواية 38
- وتريات الحب والحرب : رواية 37
- وتريات الحب والحرب : رواية 36
- وتريات الحب والحرب : رواية 35
- وتريات الحب والحرب : رواية 34
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 33
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 32
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 31
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 30
- وتريات الحب والحرب : رواية الفصل29
- وتريات الحب والحرب : رواية الفصل28


المزيد.....




- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - وتريات الحب والحرب : رواية 48