|
اليسار العربي يعود من جديد
مرعي أبازيد
الحوار المتمدن-العدد: 4284 - 2013 / 11 / 23 - 13:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن اليسار العربي المتمثل أساساً بالأحزاب الشيوعية التي تأسست في بدايات القرن الماضي وفي مراحل لاحقة، عمل في ظل ظروف بالغة التعقيد. فطيلة فترة نشاطه تعرض اليسار العربي ومازال يتعرض لضغظ شديد و محاربة ممنهجة من قبل الأحزاب القومية و الدينية في الداخل، و لحرب لا أخلاق فيها من قبل الدول الغربية عموماً والولايات المتحدة والعالم الرأسمالي، الذي وظّف آلته الإعلامية والدعائية العملاقة، وفي حال الفشل هنا أو هناك، كان يتدخل عسكرياً بشكل فج لوقف المد اليساري في المنطقة. من المعروف أن أحزاب اليسار العربي كانت تتلقى الدعم المباشر وغير المباشر من دول المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي، الذي أوقع في الوقت نفسه الظلم والحيف على هذه الأحزاب في مراحل مختلفة من تاريخها. فأول ضربة تلقتها أحزاب اليسار العربي من قبل الحليف الرئيسي هي الاعتراف بدولة اسرائيل، بالإضافة للدعم السياسي والعسكري لهذا الكيان من قبل بعض الدول الاشتراكية لاحقاً، تحت حجج و تبريرات واهية لا يمكن أن تنطلي على قيادات وأعضاء الأحزاب اليسارية العربية التي تميزت بثقافتها العالية، وهي أن دولة اسرائيل ستكون الدولة الاشتراكية الأولى في منطقة الشرق العربي، علماً أن الحزب الشيوعي الفلسطيني يعتبر أقدم حزب شيوعي عربي، إذ تأسس قبل ظهور الكيان الاسرائيلي بعقود. هذا الحزب أيضاً وجد نفسه في موقف حرج جداً أمام أعضائه و جماهيره، مما أثر سلباً على مسيرته اللاحقة على الرغم من توضيح وجهة نظره لصديقه الحزب الشيوعي السوفييتي آنذاك، بأن مواقفه هذه تعبر خطئاً تاريخياً، وهذا الموقف كان محط اجماع من قبل الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية. إلا أن الاتحاد السوفييتي ضرب بعرض الحائط بكل هذه المواقف. هنا وقفت الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية عاجزة أمام شعوبها في تبرير هذا الموقف المشين علماً أن جميع الأحزاب الشيوعية العربية دعمت الاتحاد السوفييتي في حربه ضد النازية ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، ليأتي هذا الموقف بعد انتهاء الحرب كرد للجميل. استمر حال الأحزاب اليسارية العربية على هذا الحال إلى الآن، اسرائيل من جهة أدارت ظهرها للاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية مبكراً، واتخذت موقفاً معادياً لهذه الدول ونهجها السياسي، واتجهت نحو أمريكا والدول الغربية التي بدأت تدعمها في جميع حروبها واعتداءاتها ضد العرب، بما في ذلك احتلال الأراضي وتشريد سكانها. الظلم الآخر الذي واجهه اليسار العربي من قبل الاتحاد السوفييتي، تمثل في التعويل على دول عربية بعينها بتقديم الدعم اللامحدود على حساب مصالح هذه الأحزاب التي كانت تُقمع من قبل هذه الدول ويُزج بكوادرها في السجون والمعتقلات ويموت بعضهم تحت التعذيب، والكل يعرف ماتعرض له الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان و مصر من قبل دولة الوحدة التي قادها جمال عبدالناصر حليف الاتحاد السوفييتي الأول في المنطقة، والدعم اللا محدود الذي كان يتلقاه على جميع الصعد العسكرية والثقافية والعلمية والاجتماعية. واستمر ذلك أيضاً في دولة البعث في العراق، في الوقت الذي كان فيه يُعذّب ويسحل الشيوعيون في شوارع بغداد وغيرها من المدن العراقية على مسمع ومرآى من الأصدقاء السوفييت وأمام أعين وفودهم الزائرة لبغداد باستمرار. وهذه الصورة تنسحب أيضاً على العديد من الدول العربية، التي يشهد التاريخ على عذابات الشيوعيين فيها. على الرغم من ذلك، لم تكن صورة الاتحاد السوفييتي الحليف لهذه الدول على أحسن أشكالها في أعين مسؤولي هذه الدول نفسها، لأنهم كانوا يعتقدون أن الاتحاد السوفييتي لا يدعمهم بأسلحة متطورة لتحقيق النصر على العدو. في ظل هذه الظروف ظهرت حركات احتجاجية داخل الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية أدت إلى انقسامها واضعافها لدرجة أصبحت فيها غير فاعلة على جميع المستويات. وهناك عامل آخر ساعد في انشقاق هذه الأحزاب و ساهم فيه الاتحاد السوفييتي بشكل مباشر، وهو التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الأحزاب و تكريسه لمبدأ عبادة الفرد و دفعها للدخول في تحالفات مباشرة مع الأحزاب القومية والشوفينية الحاكمة في بعض الدول العربية. فجاءت التجربة العراقية المأساوية والتجربة السورية الكارثية. من هنا نلاحظ أن الأحزاب الشيوعية العربية تعرضت لظلم وحيف منقطعي النظير من قبل الحليف قبل العدو لم يشهدهما التاريخ. إلا أن اليسار العربي بقي بشكل أو بآخر، وفياً لأفكاره ومبادئه الماركسية و أثبت وجوده في ساحات الصراع ولو بشكل ضعيف. انهار الاتحاد السوفييتي وانهارت المنظومة الاشتراكية ولم ينهر اليسار العربي وبقي وفياً يستعد لقفزة نوعية وخصوصاً بعد اشتعال ثورات الربيع العربي في المنطقة وخروج معظم قواعد و كوادر أحزاب اليسار من الأحزاب التي تدعم الدكتاتوريات في وقوفها ضد شعوبها. هذا الوضع أدى إلى تشكل العديد من التكتلات والتجمعات اليسارية الماركسية على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، في نشاط ملموس على الأرض. فهل يستطيع اليساريون التوحد بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية؟ الأمل كبير في تحقيق هذا الحلم الذي طالما داعب أفكار وأحاسيس الماركسيين العرب. مرعي أبازيد
#مرعي_أبازيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد و دموع!
-
-الربيع العربي- وسياسة روسيا في منطقة الشرق الأوسط
-
الترجمة أمانة لا خيانة،
-
حركة الترجمة في العصر الذهبي للحضارة العربية
-
الأدباء الروس واللغة العربية
-
لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا
...
-
قصة نساء حفرن أسماءهن على جبين الإنسانية
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|