عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4283 - 2013 / 11 / 22 - 22:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كثيرا ما يتردد في الوسط العلمي والثقافي أن لشخصية لعرقية ذات ملامح مزدوجة ومتناقضة تحمل في أساسيات تكوينها أغتراب عن واقعها الفعلي أو ما يسميه البعض الوجه المزدوج , وأول من أطلق هذا لوصف لتحليلي لدكتور المرحوم على الوردي في سلسلة قراءاته وتحليلاته لعلمية من دراسة المظاهر السلوكية لها, ولأنصاف العلمي أن الدكتور الوردي في أخريات أيامه قد تراجع عن كثير من المفاهيم العلمية التي أطلقها في مشواره العلمي وأرجع ذلك إلى نضج قراءته للواقع مع تطور الخزين الثقافي لتجريبي لديه وازدياد وسائلة العلمية مع تطور العوم الأجتماعية وهذا يس بسر ولا يتناقض مع علمية الباحث الكبير بل يشير إلى أن لرجل مدرك وجاد وعلمي محترف في دراسته.
الحقيقة لتي لا ينكرها علماء الأجتماع والدارسين له أن وضع معايير كلية وشاملة تتخذ طابع العموم في مسائل تتغير وتتحول وتتبدل وتتمحور حول موضوع أصلا لا يمكن أن يتصف بالثبات ولا الإطلاق دفع إلى عدم تبني ما يسمى بالتوصيف العام دون أن نربط الموصوفات بأسبابها أو جعل تبني مسألة دراسة الشخصية العراقية من ضمن مجموعة علوم ومعارف وقواعد بحثية تشارك بها منهجيات مختفة ومصادر عديدة تتيح للدارس فهم المسألة من أوجه متعددة تبدأ من التأريخ والجغرافية وعلم النفس والأقتصاد مرورا بالسياسة لتؤطر بالفلسفة الأجتماعية ليتمكن الدارس من الإحاطة بالكثير من التبريرات والتعليلات وأستنتاج رؤية أكثر شمولية وأقدر عن التعبير عن ما في الشخصية من أسرار.
ومن المفاهيم المستجدة التي يمكن دراستها عن أي شخصية هي تعامها مع الوقع من خلال الفعل الحدوثي المنتج للتغير وردة الفعل المتوقعة عليه ومن خلالها توصف الشخصية الفردية بأنها فاعلة ومنتجة للفعل ومشاركة في الحدوث أو أنها مجرد صدى للفعل وقابليتها للتأثر به ومستوى هذا التأثير وكيفية احتواء الفعل الحدوثي وأستهلاكه أو في تسخيره لفعل ترددي أخر متابع وباني ومتصل بالفعل الأول ومنتج لسلسة من الأفعال التراكمية.
هنا يمكننا من خلال سلسلة الإنفعالات الأجتماعية لمجموعة من الأحداث والمؤثرات العامة التي تتعرض لها الشخصية وكيفية الأستجابة في التعاطي مع أصل الفعل ونتائجه ودراسة هذه المظاهر وتحليلها ومن ثم أستخراج القاسم المشترك الذي يجمع بينها ومحاولة صياغة تصور تقريبي عنها من خلال مجموعة العلوم والمعارف الإنسانية التي تتصل بالفعل ذاته وبالنفس الفردية وما تنتج من سلوكيات مظهرية تطبع أو تنطبع عنها ويتوضح مفهوم الشخصية الفردية.
من هنا يمكن أن نسجل تأريخيا أن الشخصية العراقية على أنماط متعددة قد تتداخل في بعض التوصيفات وقد تستقل في البعض الأخر منها تبعا لمستوى التعاطي مع الفعل وارتباط هذا التعاطي بجملة من العوامل أهمها:.
• الواقع السياسي بما يفرضه من تنازع وتناقض لقوى أجتماعية تكوينية منها الدين مثلا ومنها العرف الأجتماعي ومنها مستوى نضج النظام السياسي وقدرته عن التعبير عن حاجات المجتمع والتصاقه به تعبيرا عن استجابته الحقيقية له, فكلما كانت هذه القوى قادرة على التوافق مع الواقع حيث هو بكيفية إيجابية تستطيع أن تعبر عنه بالتغيير السلمي المؤمن بعراقية المجتمع ستكون الشخصية أكثر قدرة للتعبير عن نفسها وصياغة الفعل دون انتظار الباعث الخارجي.
• هذا العامل مرتبط أيضا بعامل أخر هو المستوى الفعلي للوعي المجتمعي وكيفية التعبير عنه من خلال جملة قوانين تنظيمية طبيعية أو وضعية أو ما ينتجه المجتمع في حركته المعتادة, فكما أزداد الوعي بالانتماء وتفاعل معه تجد أن الشخصية تستطيع أن تصنع الفعل وتشارك في صنعه دون أن تخشى القمع والإستلاب , ومن هنا مثلا نجد أن للحركات الثورية والفاعليات الإيجابية أجتماعيا هي أقدر من غيرها عن الإفصاح بالوصف عن حقيقة وعيها والتي تساهم حقيقة في الفعل بغض النظر عن مقدماتها الفكرية أو الايدلوجية لأن هدفها أصلا إيجابي.
• عامل الوعي لا ينقطع ولا ينفصل عن مقدمة تكوينية أخرى هو مستوى ثقافة المجتمع ومصدرية هذه الثقافة وتنوعها وخروجها عن رتابة الحركة والأستقرار المستغرق في ما تألف عليه المجتمع, فكل حركة تعليمية أو معرفية حداثية ومجدده ومتطورة تزيد من مساحة الوعي وتستطيع أن تكشف أكثر من طريق ومسلك للرقي بهذه الشخصية , فكلما كانت البنية التحتية الثقافية والفكرية والتعليمية متطورة ومستجيبة للزمن كلما كانت قادرة على صنع وعي متطور قابل لأن ينتج فعل حضاري جاد ومعبر وحقيقي, ومن هنا حرصت كل الأفكار والرؤى السياسية التي مرت وتناوبت على المجتمع العراقي على تضييق أو توسيع هذه البنى بما يخدم مصالح مشروعها الاستراتيجي.
• هذا العامل أيضا له ارتباط بسلسة من العوامل التي تتعلق بنوعية الثقافة المجتمعية وكيفية تكوينها ومدى إرتباطها بالواقع ومصداقية تعبيرها عنه, فكم كانت الثقافة كقيمة محركة ودافعة ومنتجة لها أتصال حقيقي بخصوصية مجتمع كلما كانت أقدر على الثبات في ذاتية الفرد وهنا مثلا أن الكثير من المفاهيم الثقافية تجذرت في المجتمع لعراقي وإن طرأ عليها بعض التغيير تأريخيا هي المفردات المنتجة محليا بينما نرى كثيرا من مفردات طارئة أو وافدة حضرت واندثرت وتلاشت من الذاكرة العراقية لكونها غير أصيلة ولا تنتمي لأس الثقافة العراقية.
• هذه لا يعني أننا ندعو لانغلاق المجتمع العراقي على نفسه وعلى أن يتحصن داخل خصوصياته الخاصة ولكن الكثير من المفاهيم والمفردات اندثرت طبيعيا وماتت لأنها لا تستجيب للذوق العراقي فمثلا العقال العربي الذي يسمى مجازا عربي هو أحد بقيا الرمز السومري القديم برغم تبدل شكله العام وما أضيف وما حذف منه لكنه ملتصق بالشخصية العراقية كونه نتج من حاجة وظيفيه له تتمثل في الوقاية من الشمس برغم أن مفردات أكثر مرت على العراق ولها دور مماثل لكنها لم تصمد مع ذوقية الشخصية العراقية ,قد تتلاقح الذوقية بالوافد ولكن يبقى الأس الأصلي هو الغالب.
هذه العوامل فرضتها مجموعة قراءات متنوعة ومتعددة ومتشعبة يتداخل فيها ما هو تأريخي وبيئي ونفسي وسياسي وثقافي ساهمت جميعا في صقل وتكوين شكل الشخصية العراقية , دون أن نفرد مثلا لعام الحضري وحده دور والذي يتمثل بمقولة صراع البداوة والحضارة لأن هذا الصراع وجه من أوجه عديدة لها جميعا دور في نشأته ومسبباته منها الجغرافية وعوامل البيئة ومنها ما هو تأريخي وديني ومنها ما هو ثقافي, صراع البداوة والحضارة ليس بالعامل المنفرد الذي يفرض نفسه على الواقع العراقي من دون مقدمات تكوينية, بل هو محصلة من أسباب وبواعث ومن الأجدر بالدراسة الأجتماعية أن تذهب لأساسيات ودوافع الفعل في الظاهرة وكيفية نموها وتغلغل أثرها ,ولأننا بذلك نغوص في أصل الفعل وليس أستجابة لردة الفعل , فمن هنا لا يمكننا جزما أن ننسب الشرخ الحضاري للشخصية العراقية لهذه الظاهرة بل نتعداها لكل أسباب الفعل المنتج لها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟