رياض درار
الحوار المتمدن-العدد: 1220 - 2005 / 6 / 6 - 06:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتداول مثقفون سوريون ، وعاملون في الشأن العام مسألة عجز السلطة السورية، وإحجامها عن القيام بإصلاحات جادة .
يرجع البعض ذلك إلى عدم وجود مصلحة حقيقية لهذه السلطة بالإصلاح , في حين يرجعه البعض الآخر إلى عرقلة ما يسمى بالحرس القديم لخطى الإصلاح .
ويرجعه آخرون إلى تشرذم القوى في السلطة بحيث يتشتت القرار ، ويتناقض بين قرار إصلاحي ، وتصرف معاكس من الجهات المتضررة من الإصلاح .
وعلى كل حال ، فإن ما يراه المراقبون لحال السلطة يمثل أزمة مستعصية . فكل خطوات التطوير و التحديث الخجولة لم تغير شيئا هاما في حياة الناس بقدر ما فتحت أبوابا جديدة لأنفاق مظلمة تضاف إلى سراديب الفساد التي يعرفها المستفيدون من سياسات النظام ، ومراهناته .
وما نعيشه اليوم من أوضاع هو من إنتاج مؤسساتنا . وفي مقدمتها نموذج الحكم ، وممارسة السلطة . وهذه المؤسسات هي نفسها ثمرة اختيارات سياسية ، سواء أكان ذلك في الإقتصاد أو المجتمع أو في التعليم والتربية أو في التكوين والتأهيل الفكري و الديني .
و إذا كان على المجتمع مسؤولية كإرادة جماعية ، ووعي اجتماعي وسلوك جماعي . فمن المؤكد أن هذا المجتمع لم يستطع أن يتصرف كقوة منظمة فاعلة ومؤثرة ، بعد أن صادرت النخب إرادته .
و لما كان حزب البعث هو الحاكم المسؤول منذ ما يقرب من أربعين عاما !. فإنه يتحمل جزءا من مسؤولية الانتقال بالمجتمع إلى بنى متطورة وذهنية عقلانية ، وممارسة ديمقراطية . إلا أننا لا نستطيع تحميل حزب البعث وحده المسؤولية عما حصل .. فهو أيضا ثمرة هذا المجتمع ، ومكثّف نقائضه ، وقيمه السلبية . من أنانية وفردية وعصبوية ومحسوبيّة.
إنه نموذج مجتمع ما بعد الاستقلال ، نموذج المجتمع الشمولي سواء كان يساريا أم قوميا أم دينيا . فالكل يشارك في المسؤولية .
إن هذه العقلية ، وهذا النموذج خلق نظام التلقين ، و عبادة الشخصية و الهوس بالشعارات، والمراقبة على الضمير، والمعاقبة على التعبير ، وكبت الرأي ، وفرض معتقدات إكراهية تجبر على الغش والكذب وتعلم النفاق . وإتباع سلوك مزدوج ، و تقود إلى الفوضى و الاضطراب و استمرار وتواصل الخراب .
فبين نقائض المجتمع وضعف تكوين الأفراد فيه ، وتساهلهم أمام الإغراءات و الخروقات وخوفهم مما هو آت ، وكرههم للتضحية . وبين مسؤولية نظام الحكم و الإدارة في استمرار هذه السلبيات ، وتكريس نظام ثقافي مرتبط بنظام سياسي عقائدي يمنع الحوار العام والجدل والنقاش ، ويصادر التفكير المشترك ، ويفرض تعبئة عقائدية شمولية على الأفراد والمؤسسات عبر احتكار وسائل الإعلام ، وتأكيد شعارات تتحزب لفريق سياسي وأيديولوجي واحد .. وعبر ربط الحياة الثقافية بالسلطة مباشرة . و استخدامها كأدوات تمكن لهذه السلطة . مما أفقر المواهب ، ونشر جوا مشحونا بالتوتر ودفع البعض إلى المبالغة في المواقف ، وتضخيم حجم الخلافات .وصولا إلى التفكير المتبادل بين المتعارضين .
ذلك لأن السلطة المطلقة تضفي على سياسة الاستبداد التي تمارسها قسطا من الشرعية الوهمية ، لكنها تقود المجتمع في الوقت نفسه إلى التشظي و الانقسام ..لأن الدكتاتورية من طبعها أن تخرّج الأفراد المنافقين والانتهازيين ، وعديمي الشعور بالمسؤولية الفردية أو الاجتماعية . وإن كان هؤلاء هم الأقدر على إطلاق الشعارات والتغني بها , والتسبيح بحمد راعيها .. و السلطة نفسها تخلق معارضتها التي تتربى في نفس المدرسة وتستخدم نفس القاعدة .. وهذا ما نراه ونعيشه في المعارضة السورية و فإذا كانت القواعد ظالمة ... أصبح الظلم هو السائد , والعدل هو الإستثناء , وفي ظل القواعد الظالمة نجد مناظراتنا الفكرية تراوح من عقود حول التخوين , والتكفير , حيث السلطة تخون المعارضة , والمعارضة تكفر السلطة , وتتهمها بالمروق والخروج على قواعد الحق والقانون , ومخالفة حقوق الإنسان , فالكل متهم والتخوين متبادل , والكل يدّعي الوطنية !!؟ .
إن المعارضة مسؤولة من السلطة نفسها , إذ أنها تنمو وتتربى في مدرسة السلطة , فإذا كانت السلطة تقوم على النزاهة الوطنية , والشفافية السياسية والاقتصادية , وتقاليد الاحترام للقانون , والقضاء المستقل , والصحافة الحرة , والتوازن الصحيح بين السلطات , في إطار إحترام الدستور وعدم التلاعب به , وتحت إشراف صحافة تعكس رأي مختلف تيارات الرأي العام , وتساهم في بلورتها , وتقدم لها فرص التعبير الحر عن نفسها ... هذه المعارضة ستختلف اختلافا جذريا عن المعارضة التي تنمو في مناخ القهر والقمع والتجريم المسلط باستمرار , والمحاكمة على النوايا والاعتقادات , واستسهال التهمة بالعمالة للسفارات الأجنبية , وباللاوطنية لأبسط اختلاف في المواقف والآراء .
فمثل هذا المناخ التجريمي يؤثر في المعارضة وفي وعيها . فهي من هؤلاء الناس الذين يتعرضون كل يوم لامتحان الانسجام والتوافق مع عقائد النظام وطقوسه وهي تتعرض للعدوى مما هو سائد ومفروض .
في مثل هذا الجو المشحون بأوامر السلطة وإملاءاتها , وفي حرب المواقع المستمرة حيث لا تأكيد للحضور والنفوذ , ولا للمشاركة في الحياة العمومية إلا بالمقاومة السلبية , والحرب غير المعلنة , وحيث لا يستطيع أحد أن يرفض اعترافه في ساحة السياسية المغلقة والمحرّمة , تبرز محاولات خرق المحرمات وكسر جدران العزلة والمنع , وتتحول السياسة إلى تراشق شتائم واتهامات , وتحقير متبادل , ويحل التناحر الدائم بين القوى التي تقف لبعضها بالمرصاد , ويغيب التعاون والتفاهم والحوار والتداول .
ووسط هذا التنازع والتنافس بين قوى المجتمع , وبين المعارضة والسلطة , كل من لا يستطيع تحقيق ذاته بوسائل إيجابية , أي بالمشاركة في الإنجاز , يسعى إلى تأكيد وجوده بمنع الآخر من الإنجاز , وسد السبل أمامه , وإضعاف فرص نجاحه , إنها حرب التحييد المتبادل .
وفي حرب التحييد المتبادل والتي تمثل رد الفعل الحتمي على انعدام تداول السلطة أو التعويض عنه , يتأسس منطق اقتسام الغنائم في الدولة وتوزيع الموارد الوطنية على قاعدة ميزان القوى , فالذي يفرض نفسه بأية وسيلة كانت ( قرابة عائلية , قوة عسكرية , مركز نفوذ داخلي أو خارجي ) يؤهل نفسه بالضرورة للمشاركة في الغنيمة وتقاسم الثروة , ويطمح عن جدارة أن يحصل على نصيب من العقود والسمسرة والمنافع والكرامات يعادل قدرته على تهديد التوازنات الداخلية .
وإذا كان هذا منبع الفساد بعينه , فإن مفهوم الفساد يختفي , فلا تبدو الرشوة خرقا للعرف والأخلاق , وللقانون بالتأكيد , وإنما تعبير عن حصول على حق إذا لم يأخذه المرتشي , أخذه الخصم , والمنافس , وهذا هو سر منطق توزيع الغنائم الذي يقف بمواجهة مفهوم تداول السلطة , وعلى حسابه .
وفي ظل زوال الشعور بالمصالح العمومية ، وفرض وسيادة المصالح الخصوصية وتعظيم أهميتها ، و الدفاع عنها . يبدو المعارضون الذين يذكّرون بالمصالح العمومية كأنهم يسعون للبحث عن مصالحهم الشخصية ، تحت شعارات ومبادئ عامة ...
و الواقع أن الدولة لا ترغب بتشجيع الفساد . أي دولة تعلن ذلك تعلن موتها . ولكنها تدفع إلى تكاثره ، واستفحاله بضربها المستمر لأصحاب المبادئ وبتحييدهم ، أو معاقبتهم على مواقفهم وانتقاداتهم .
و من الصعب تصور المخرج من الفساد القائم على تقاسم المغانم من دون من دون نشوء عمل تنافسي سياسي جديد ، يفرض آلية جديدة لتداول السلطة السياسية , وتوزيعها من منطق المسؤولية الجماعية وتراكم الثروة والخبرة الوطنية . حيث يحل قانون تبادل المنافع كأساس لبقاء الإجتماع , والحفاظ على وحدة النظام , وخلق شروط أفضل لزيادة المكاسب القانونية والفكرية , والسياسية والاقتصادية والحضارية .
إن الأزمة البنيوية للنظام , ولمعارضة النظام / يسارية أو قومية أو إسلامية / تتمثل في الشمولية التفردية . والمطلوب كبداية أولى من هذه القوى / سلطة ومعارضة / أن تمارس نقداً جريئا موضوعيا وعقلانيا , وأن تعمد إلى تأسيس وعي سياسي مناسب , ومستقبلي , ومراجعة نظرية تعلل الإختيار الديمقراطي , التعددي , السلمي , كخيار نهائي للانتقال بالبلد إلى أجواء جديدة تقوم على مشروعية دستورية , وحقوق قانونية , كبداية ضرورية على طريق الحوار الوطني في سبيل مستقبل ديمقراطي لسوريا .
وإن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تجعلنا نراهن على غريزة الحياة لدى أهل السلطة الحاكمة , ولدى الحزب الحاكم من أجل مستقبل أولادهم ومستقبل الوطن .... وتدفعنا لإعلان مطالب يتبناها مؤتمر الحزب العاشر تعبيرا عن مسؤوليته في الإنقاذ والتغيير , ودفع عجلة الإصلاح بدءً من إصلاح ذاته ومسيرته , إلى الإصلاح الشامل لمفاصل الحياة في سوريا .
تتلخص أهم المطالب الإصلاحية بما يلي :
1. إصلاح دستوري يقوم على المشاركة الفاعلة لقوى المجتمع في نسق الحكم , ويبتعد عن التوجهات الإقصائية , ويكرس مبدأ المساواة بين جميع العناصر المكونة للمجتمع , والتي يتشكل منها نسيج الوطن على أساس مبدأ المواطنة المتساوية للجميع .
2. التعامل مع إرادة الشعب من منطق الشراكة لا منطق الوصاية , والإلتزام بنتائج تعبير الإرادة الشعبية عن نفسها , في إقامة أحزابها , ومباشرة نشاطها السياسي السلمي , وإنتهاء احتكار الجهاز التنفيذي للسلطة بفصله عن سلطة الحزب الحاكم .
3. الإصلاح المؤسـسي للدولة وللمجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز مبادئ الإدارة الرشيدة , والإصلاح السياسي الذي يقوم على إلغاء حالة الطوارئ , وضمان استقلال القضاء , وإصلاح التشريعات لتتناسب مع القانون الدولي لحقوق الإنسان , وضمان جميع الحقوق والحريات .
4. إجراء إصلاح شامل في بنية الأجهزة الأمنية ووظيفتها , وإخضاع هذه الأجهزة للقانون , وأن تكون في خدمة الشعب والوطن لا في خدمة الشخص أو الحزب أو القبيلة أو الطائفة .
5. الإعتراف بأن مؤتمر الحزب وحده لم يعد يكفي لإنجاز المهام المطلوبة في الإصلاح , والمواجهة مع العدو الخارجي , وإن يكن ذلك خطوة ضرورية في الإعلان عن هذه التوجهات الإصلاحية , وضرورة تبني الدعوة لمؤتمر وطني شامل يسعى للحفاظ على سورية عربية ديمقراطية , ويقر بالتعددية , ويجمع على مواجهة المشروع الصهيوأمريكي .
6. إطلاق حملة مصالحة وطنية , تبدأ بعودة المنفيين وإطلاق المسجونين , والتعويض على المتضريين ,وإلغاء القوانين التي تهدد حياة المواطنين في المشاركة السياسية أو التعبير عن آرائهم .
ـــ والمصالحة الوطنية تقوم على أمرين :
أ?- طي صفحة الماضي .
ب?- تغيير الذهنية والمنهجية التي يتحرك على أساسها العاملون في الشأن العام ...
هذه المصالحة تبدأ بالتصالح مع الذات الفردية والجماعية , في إطار الإخلاص لكل القيم التي يراد تحقيقها في المستقبل .
* عضو اللجنة الوطنية الديمقراطية في ديرالزور , ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني , ديرالزور .
#رياض_درار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟