|
المرأة والأبداعية الأدبية
سعاد جبر
الحوار المتمدن-العدد: 1219 - 2005 / 6 / 5 - 12:24
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
المرأة ذلك السر الوجودي الذي هامت به الحضارات ، وأعلنت رسالتها من خلاله عبر آدابها وجمالها ، تلك الهالة الوجودية عبقا ولحن وجود ... تلك الكينونة التي تحمل المتضادات في أعماقها ، وتنعكس وجودا في لغة الأمومة ورسالة الحياة ، تلك التماهية الضبابية الألقة في الآن ذاته ، التي تتشكل في بلورة صفحتها القزحية منظومة تساؤلات حول تماهيات ذاتها و لغة الأدب؛ باعتبار أن الأدب هو رسالة جوهر الحضارات على مر رحلة الوجود ، وهذا بحد ذاته يثير تساؤلات حول رحلة غيابها في رحلة الظهور العالمي في الروائع الأدبية ، والمنجز الإبداعي على وجه التحديد . إذ يبرز للمتتبع للحركة الأدبية عبر مسيرتها الحضارية ورحلتها التاريخية ، عدة مقاطع في ذلك الصدد؛ تستدعي الوقوف المتأمل عندها ، ومنها ثنائية ( المرأة والأدب ) في الإنتاج والمنجز الإبداعي ، وهي موضع الدراسة هنا ، ويمكن حصر تلك الأستقراءات التحليلية في هذا الصدد على النحو الأتي : ـ الظروف الاجتماعية التي وجهت المرأة نحو رحلة الأمومة السامية عبر التاريخ بحيث استنزفت كافة جهودها على مسرح الواقع ، وما أعقب ذلك الواقع من انتكاسات سياسية واجتماعية وغير ذلك ، مما جعل مسرح القيادة والتفرد الأدبي للرجل في الإنتاج والمنجز الإبداعي ، وهذه المعادلة تستوعب الشرق والغرب والعالم كله في جهاته الأربع عبر رحلة الحضارات والتاريخ ، حيث تعطي تلك المعادلة مؤشرات لجمود المرأة في حدود مسرح الأمومة ورسالتها النبيلة ، لذلك لم يسجل لنا التاريخ نظيرا لشكسبير في روائعه الأدبية من عالم النساء وان وجد فقلائلن هن، و لم يبلغن حد الظهور العالمي. ـ بعد تلك المرحلة التاريخية التي أخذت مساحاتها المؤثرة في تفسير تلك الدلالات السابقة الذكر ، بدأت حركة الجمود تنكسر شيئا فشيئا وبدأت تتصاعد ولكن لغة المجتمع لم ترحم في ذلك ، وخير شاهد على ذلك مسارات المأساوية التي رافقت إبداع الكاتبة مي زيادة ، والتي تفك جدلتين في حياة الأديبة المبدعة وأدرجهما على النحو الأتي : ـ عدم زواجها رغم تهافت القلوب عليها حبا وتقديرا ، ومترتبات ذلك تعود في التفسيرات السيكولوجية الأجتماعية للمؤثرات الاجتماعية التي كانت تحيط بقلوب محبيها وواقعهم الاجتماعي والرؤية الأجتماعية لها ، في سمت امرأة تستقبل في صالونها الأدبي الرجال ، لأن أعراف المجتمع لاتحترم ذلك وتعتبره ضمن ثقافة العيب ، ولم يغفر لها في لغة ذنب المجتمع أن صالونها الأدبي مجلس أدب وثقافة وليس امتداد علاقات شخصية بحته . ـ النهايات المأساوية التي آلت إليها في حالة الانزواء النفسي الذي لاحقها من نتاج انتكاسات المجتمع ولعناته عليها بدلاً من احتفائه بها ، فلم يقوى جسدها المرهف إحساساً وابداعاً، على تحمل تلك الجراح النازفة في ذاتها من قبل سياط متضادات مجتمعها ، فكانت تلك النهايات المؤلمة في حياة الأديبة المبدعة . وتلك التداعيات تفسر جمود حركة الأدب النسائي ، وظهور انشطاراتها في الواقع المعاصر ، في سمت الإسقاطات وردات الفعل العنيفة ، وبروزها أيضاً ضمن أطر إبداعية هادئة بعيدة عن مسارات الانفصام بين الذكورة والأنوثة ، وفي مجال تتبع تلك النصوص التي تكتبها المرأة فإنه يمكن تصنيفها على النحو الأتي : ـ الأدب النسائي : وهي منظومة النصوص التي تواجه المجتمع الذكوري ولغاته ، وتعتلي من خلال تلك المنظومة مساحات اعتلاء رفض الأنوثة لتلك الذكورة ، والتركيز على استبداد تلك الذكورة ، وتتشكل من خلالها حالة الرفض لعقدة " التفوق ، الدون" التي تسجل في المجتمع للرجل ؛ في تعاطيه مع الأنوثة التي توصم بالدونية دوما ، فتلك الكتابات هي تخوم في حالة الرفض لتلك التماهيات الدونية من قبل الذكورة في حق الأنوثة ، وهي ذات مساحات واسعة الآن في واقعنا المعاصر ، وتكاد تسيطر على الواقع الثقافي ابتداء والأدبي تباعا . ـ أدب الأنثى : ويدور في ماهية مياعة الأنثى وتمايلاتها وغنجها على النص ، في لغة الجسد ومعطياتها في الإثارة ، والتأكيد على البعد الرومانسي ، وليست الإشكالية هنا في الخطوط الفردية في البعد الرومانسي ، ولكن الإشكالية تتركز في مياعة هذا النوع ، في تشريح لغة الجسد على النص ، في أطر خارجة عن أدبيات الإبداعية الأدبية ، لأن الأدب لغة تعبيرية ورسالة معا . ـ أدب الأنوثة : وهو منظومة النصوص التي تعبر عن خط الأنوثة في معطيات النص دون حالة رفض مطلقة مع المجتمع ، واتساق مع منظومته الفكرية في حدود رتابة عقلانية ، ويبرز فيها خط نقدي ولكنه في بعد هادئ بعيد عن ردات الفعل ، ويبرز في ذلك اللون تساميات قلم المرأة في تجليات النص إبداعاً نابعا من طاقتها التي تفوق الرجل في مساحات الإحساس المرهف ، ولغة التعبير الناعمة الهادئة، وتجلياتها مع لغة الكون في الطبيعة والجمال، بحيث تتشكل فيها معزوفة تلاقح الأدب والجمال معا على النص ، وهذا التفوق في تركيبة اللغة ليس لدواعي الغلبة والدون ، إنما هو اختصاص الهي في طبيعة المرأة وإحساسها المرهف النابع من بستان وجدانها المترع بجماليات شعورية هادئة ، وهنا يبرز الخط الفاصل بين هذا النوع من الادب والأدب النسائي الذي يركز على خط الغلبة والدون المتهاوي ظلما وانسحاقا ، مما يقتضي رفع شأن هذا الدون وبلوغه ساحة القيادة والوجود في الإبداعية الأدبية ، وفق الرؤى التنظيريه الناشئة من متابعة نصوص ذلك الجين الأدبي_ الأدب النسائي _ على مسرح الإنتاج الأدبي والمنجز الإبداعي . وتباعا لما سبق فأن الإبداعية الأدبية حالة تخلق وابتكار للنص لاتعرف الحدود يبن الأجناس وتماهيات علاقة الاختلاف في الطبيعة البشرية ، وهنا أتناول الإبداعية الأدبية لتماهيات المرآة في ظلال النصوص الأدبية ضمن محاور ثلاث : ـ المرأة مبدعة للنص في الشعر والسرد ـ المرأة تسكن النص ، مادة إبداعية متسامية شعرا وسردا ـ المرأة ناقدة ومستلهمة إبداعاً من مملكة النص شعرا وسردا وبدأت تبرز تلك الثلاثيات الإبداعية في واقعنا المعاصر للحركة الأدبية بشكل لافت للنظر ، وبدأت أقلام أنوثة تخط طريقها بجماليات رائعة ، وإبداعيات مطلقة في ذلك الصدد ، ملغية حالة الجمود التي سجلت في رحلة التاريخ ، وتماهيات الحواجز التي حالت دون إبداعية المرأة في توليد النص والسكون لحن جمالا في النص واستلهام إبداعاً من مملكة النص ، وهنا تبرز حالة المفارقة بين الماضي والواقع ، وفي استشراف المستقبل لتلك الإبداعية الأدبية في تماهيات المرأة ، يمكن إبراز الآتي : ـ ضرورة وضع خط تهدئة في حركة الأدب النسائي والوعي لعدم استنزاف جهودها في معركة لاطائل منها مع الرجل ، فالحياة تكامل وتناغم لاتصادم وافتراق ، وكلنا يقر أن في الواقع متضادات وازمات ورؤى استبدادية ، ولكن بلوغ منصة الوعي والتهدئة ، وتجاوز ذلك عبر حركة ثقافية واعية بدلا من الخطاب الانفعالي الحاد ، المعبر عن ردات الفعل واسقاطاتها اكثر من ماهية الواقع برمته . ـ يجب توجيه جهود المرآة نحو فك عقدة فهم القارئ والمجتمع لخطاب المرأة ، في ظل سلبية الواقع وتضاداته ، إذ ما زال القارئ والمجتمع يعتقد أن تلك الإسقاطات هي حالة فردية تخص الحياة الشخصية للكاتبة ، وليست حالة رمزية مشفرة للواقع والمجتمع ، وهنا أزمة الإشكالية ، وحالة الفجوة في الخطاب بين الكاتبة والقارئ وتباعا المجتمع ، وهنا تتشكل الجدران المقيدة للكتابة وإحباط الكاتب وأزمة الثقافة والمثقف ، وازدياد فجوة فلسفة المسافة بين القارئ والكاتب . ـ التأكيد على توسعة مساحات أدب الأنوثة في كتابات المرأة وسكونها نصا في النص وتوليدها نصا من النص ، لأنها الحقيقة السامية في لغة التكامل في الوجود ولحن الحضارات؛ التي جمعت بين الجمال والفن في خط الحضارة الأنثوي والديناميكية والحراك في الذكورة ، وهذا الخط في الإبداعية الأدبية له تسامياته ولغته الهادئة ونعومته الرقراقة الناشئة من الطبيعة الفطرية التي وهبها الله تعالى للمرأة وزادها بها بهاءا وجمالا . وهذا الخط الفكري الهادئ ؛ يحتاج أن توجه الأديبة المبدعة أنظارها إليه، وتعيره اهتمامها البالغ ، وتحتفظ بجهودها الإبداعية من خلاله بعيدا عن استنزاف جهودها في خطوط مشتتة لاطائل منها إلا معارك الكلمات الصاخبة واحتدام مهاترات كلامية بلا فائدة عملية تجنى من ذلك ، وبذلك ينتشر إنتاجها الأدبي في مساحات أوسع هادئة وديعة في إبداعية المستقبل ، وتبرز رسالة إبداعها وردة ترفرف في بساتين العطاء والتألقات اللؤلؤية على الصفحات .
أكاديمية أردنية في النقد الأدبي,والتحضير للدكتوراه في نفس الإختصاص.
#سعاد_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تماهيات الأدب في لغة السياسة
المزيد.....
-
سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 الجريدة الرسمية بعد أخر ال
...
-
المجلس الوطني يدين جرائم الاحتلال ضد المرأة الفلسطينية ويطال
...
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|