|
وطن حزين باطفال اكثر حزنا / نص بيوغرافي
حسن بولهويشات
الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 00:10
المحور:
الادب والفن
هذا الصباح قرأت في الجريدة خبر انتحار طفل باحدى القرى البعيدة التي تنام بهدوء على خريطة الوطن . الطفل الذي عمره أربعة عشر عاما ربط الحبل الى شجرة الزيتون ,و وضع عنقه الغض في الحبل و انهى الحكاية,.و أقل من شهر على هذه الحادثة رمت فتاة قروية بنفسها في بئر مهجورة احتجاجا على ابيها الذي أراد تزويجها لرجل ثري يكبرها باربعين عاما..ومع كثرة الأخبارالواردة من البوادي و المدا شر الحزينة بخصوص الانتحار لم يعد هذا الاخير سلوكا مدنيا فحسب بل هو قروي ايضا .في الوقت الذي يخيل للبعض ان الحياة قي البادية جميلة واقل توترا من المدينة
مأساة اطفال البادية ,في المغرب على الاقل,عميقة جدا و أكبر بكثير من يستوعبها درس السوسيولوجيا .والجرائد التي تطل علينا كل صباح بعناوين متشابهة ومكرورة,. يصورون الجريمة ناصعة على الصفحات الاولى هكذا دماء قانية مسفوكة وسكاكين و سيوف موضوعة الى الجانب .و أطفال مغتصبون متكومون على أنفسهم لا يفهمون ما يقع في هذا العالم العامر بوحوش آدمية ومزابل كثيرة .و في صور أخرى ضحايا المجتمع المخملي و البرجوازية المتعفة المفعمة بالكراهية والحقد الاعمى على الطبقات السفلى حيث خادمات بدويات مكويات في مناطق حساسة جدا من الجسد..ان جرائد الوطن مدعوة اكثر من اي وقت مضى الى تجاوز دور الفتوغرافي الهاوي و تجاوز الاعتماد على تقارير عامرة بالمغالطات و التحويرات في كثير من فقراتها المحررة على عجل و تجاوز فكرة استعمال الصورة للرفع من مبيعات الجريدة و الاقتيات بمكر خبيث من مشاكل البسطاء .التجار . لا بد من الحفر عميقا في المجتمع المغربي و وضع الأصبع على ماساة هاته العناقيد الصغيرة التي اختارت باكرا حبال المشانق والآبار المهجورة العامرة بالزجاج و أسلاك صدئة ..
لابد من تخصيص ملفات ساخنة بصفحات كثيرة لكراس الطفولة الطافح ببقع مداد حزين ودموع حارقة يتحمل فيها الاباء و الامهات القسط الوافر من المسؤولية حين اختاروا الحياة في شعاب وعرة و على رؤؤس جبال جرداء . و بدل أن يرسلوا الأولاد الى المدرسة كل صباح ليتعلموا الابجدية الاولى و يدافعوا على أنفسهم في المراحل المقبلة من العمر يرسلونهم في الصباح الى الغابة خلف خرفان منتوفة و قطيع ماعز عطن لدرجة ان نسبة الهذر المدرسي بالبادية مرعبة ..لا بد من فضح هؤلاء الاباء المزورون القابعون في الكهوف و خلف الجبال . .الهاربون على الدوام من مصاريف الحياة الصعبة و ملاحاقات جمعيات الطفولة . لابد من متابعتهم بتهم ثقيلة من قبيل عدم ارسال الأولاد الى المدرسة و حرمانهم من الفواكه و العيش في وسط لائق واستغلالهم كعمال صغار لدى الاقطاعيين و أثرياء الأستعمار الغابر..و لا بد أن تجر أذانهم االعامرة بالسمق بملاقط صغيرة حتى يشعروا بالالم ويتذكروا آلام الاولاد مرة واحدة على الاقل..ولابد أن تجر شواربهم الصفراء بسبب المرق و التبغ الردئ بخيوط رقيقة حتى يكونوا في مستوى الحداثة و ما بعد الحداثة .لا بد من معاول حادة تهشم رؤؤس هؤلاء الاغبياء الذي بسبههم يسير قطار الوطن الى الوراء في الوقت الذي تتقدم الى الامام عربات قطارات أوطان اخرى.و لا بد للزمن ان يدور دورات كثيرة و بأنفاس عداء ايتوبيي حتى نشاهد اعصارا طفوليا يشهر فيه الاولاد أصابع الاتهام في وجه الأباء بدل ان يضعوا أعناقهم الصغيرة في دوائر حبال تفوح من رائحة الحمير ..
بعيدا عن برلمان الامة و عن كل الوزارات والتلفزيون الحكومي والمذياع الثرثار و بعيدا عن مقرا ت الجرائد حبث صحافيون يشربون القهوة خلف حواسبهم الذكية منتظرين أن تطلع عليهم وكالات الأنباء باخبار يرسلونها بدورهم الينا كل صبيحة فيما صحافيات بلون الشموع وبحجم ممحاة تلميذ كسول تملأن صفحات الاسرة و المشاهير بألاكاذيب و التفاهات. ..بعيدا عن شوارع طويلة مثل حقب تاريخية بمتاجر كثيرة و مقاه يهرق على طاولاتها نفاق اجتماعي خطير و احتيال دائم على ممتلكات الوطن . شوارع تتفرع عنها دروب ملتوية مثل ثعابين مسمومة بمنازل وبلكونات تتدلى منها حبال غسيل بملابس بليلة.. و بعيدا عن البحر بجبروته و العمارات بأسرارها البلهاء والقطارات بعويلها. و بعيدا عن المعاهد والكليات والمكتبات والحدائق أيضا هناك الضفة الحزينة من الوطن حيث بيوت طوب وطيئة بدون مرحاض و لا مطبخ تتوسد جبالا صفراء مثل المرض فيما أطفال بملابس حقيرة و فتيات بزغب داخلي كثير .و أمهات تتسلقن أدراج الشيخوخة باكرا من كثرة الحمل و الولادة .وآباء بعروق زرقاء يحرسون قطع أرض صغيرة ينبت عليها كل عام زرع و نبات ضعيف .هكذا بدون ماء ولا كهرباء ولا تلفزيون .فقط ملاءات حقيرة وحصير ببقع حساء قديم واستهلاك يومي للبطاطس و الشاي الردئ..
تعالوا معي الى البادية في سياحة متعبة حين يرخي الليل سرادقه السوداء و تنفث الارياح سمومها الباردة لتسمعوا بكاء رضع صغار من شدة البرد و تصيخوا السمع لطقطقات تكسير السكر وخرير أباريق مخنوقة .في هذا الفراغ السيزيفي المفزع يخرج الاولاد الى الحياة تباعا في غفلة العوازل و أقراص منع الحمل وبمباركة تمتمات فقيه القرية.
حين كتب محمد شكري مأساته في سبعينات القرن الماضي و فضح المسكوت عنه في روايته الشهيرة (الخبز الحافي) التي تجاهلتها الكثير من الأقلام و امتدت اليها يد الرقيب الباردة و تم منعها من التداول في المغرب طوال عقود طويلة. وحتى أسرته تبرأت مما كتبه و تجاهلته ردحا من الزمن قبل أن تعود بعد وفاته لتستفيد من عائدات ترجمات كتبه . و حين كتب جبران روايته ( الاجنحة المتكسرة) التي صب فيها براميل غضبه على الشرق المريض وعلى رجال الدين وغطرستهم التي لا حدود لها و على التقاليد والقوانين البالية مثلما أعلن تمرده الواضح على الطريقة التي يتم فيها تزويج فتيات صغار لكهول على حافة القبر .. وحتى كتبه اللاحقة ( الارواح المتمرة ) و ( عرائس المروج) و (العواصف)و (النبي) لا تحيد عن المنحى التمردي الذي اختاره جبران لكتابته منذ ان حط الرحيل ببوسطن حيث كريات هواء زائدة.هواء الحرية أقصد.قادما اليها من لبنان حيث مجاعة كبيرة أودت بالكثير من الارواح .كتابات جبران في تلك الفترة استقبلها أوصياء الدين بصمت مقيت لدرجة هناك من أوصى شباب لبنان بالابتعاد عن قراءة ( الاجنحة المتكسرة) لانها العسل في السم حسب تعبيرهم .و حين كتب المغربي محمد خير الدين روايته بالفرنسية (أكادير) يفضح فيها لصوص هذا الوطن أعطيت له اكثر من اشارة لمغادرة البلاد و هكذا اختار باريس كمنفى اختياري طوال سنوات قبل ان يعود الى المغرب و يعيش متنقلا بسكين كبيرة على طريقة الشاعر رامبو بين فندق باليما بالرباط و بيوت الأصدقاء في مراكش و الصويرة يقرأ الاشعار و يشهر الشتائم في وجه الرداءة و الصحافيين على حد سواء..واضح ان لا احد يروم الحقيقة في هاته الجهة من الكرة الارضية.
و انتم تقرأون هاته السطور .انا الكاتب المغربي الخامل .ماذا ستقولون في دواخلكم. لا يهم .
..حسن بولهويشات
#حسن_بولهويشات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثوار الجدد/ نص بيوغرافي
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|